أعلن التلفزيون الرسمي في مالي يوم الأربعاء 20 نوفمبر عن إقالة رئيس الوزراء المالي، شوغيل كوكالا مايغا، وأعضاء حكومته من قبل المجلس العسكري الحاكم، وبموجب مرسوم وقعه رئيس المجلس الجنرال أسيمي غويتا. وأتى بعد هذا الإعلان بيوم تعيين عبد الله مايغا، المتحدث الرسمي باسم المجلس العسكري، رئيسًا جديدًا للوزراء، وتشكيل حكومة جديدة شهدت الاحتفاظ بالوزراء الرئيسيين في حكومة شوغيل مع تغيير عدد قليل من الوزراء.
ويعود سبب هذه الإقالة إلى تصريحات مثيرة أدلى بها رئيس الوزراء المقال أمام الآلاف من أنصاره في باماكو يوم 16 تشرين الثاني/نوفمبر الجاري، وجه من خلالها انتقادات حادة للمجلس العسكري أدت إلى نشوب توتر بين الطرفين وانتهى بإنهاء مهام رئيس الوزراء.
جدول المحتويات
ما دوافع إقالة رئيس الوزراء المالي؟
ذكر رئيس الوزراء في خطابه الذي ألقاه أمام الآلاف من أنصاره في باماكو يوم 16 تشرين الثاني/نوفمبر الجاري، والذي أدى إلى إنهاء مهامه وحكومته، عددًا من النقاط التي دلت على استيائه تجاه سياسة العسكر في إدارة الفترة الانتقالية، منها: تهميشه وإبعاده عن اتخاذ القرارات المصيرية للبلاد، وخاصة قرار تأجيل فترة المرحلة الانتقالية، والغموض الذي يكتنف ملف تنظيم الانتخابات الرئاسية والعودة إلى الحياة الدستورية الطبيعية.
tمن خلال التأمل في محتوى هذا الخطاب وما سبقه من الأحداث التي أثارت شكوكًا بين رئيس الوزراء والسلطات العسكرية، يمكن تحديد دوافع الإقالة فيما يلي:
- عدم التفاهم في ملف تنظيم الانتخابات والعودة إلى الحياة الدستورية الطبيعية: يبدو للمتابع للمشهد السياسي في مالي منذ وصول العسكر إلى السلطة بعد الإطاحة بالرئيس السابق إبراهيم بوبكر كيتا أن موضوع تنظيم انتخابات رئاسية تعيد الحياة الدستورية في مالي هو الموضوع الحساس الذي يرفض فيه العسكر التفاوض قطعياً، وهو من النقاط التي أدت إلى الاحتكاك بين العسكر والإمام محمود ديكو، وأوقع على الدولة عقوبات صارمة من قبل المنظمات الدولية والإقليمية. ومن هنا يتجلى صمود المجلس العسكري أمام كل الأصوات الداعية إلى عودة الحياة الدستورية. وفي هذا السياق، يجب التذكر أن رئيس الوزراء السابق كان من كبار المعارضين لبقاء السلطة في يدي العسكريين، ويتجلى ذلك في خطاباته عقب سقوط نظام كيتا عام 2020. وبعد الانقلاب على “با نداو” بتاريخ 24 مايو 2021، تم تعيين شوغيل ميغا رئيسًا لوزراء مالي في يونيو 2021 على الرغم من موقفه المعارض للعسكر وتصريحاته الحادة ضدهم، ولعل هذا الإجراء كان سياسة من العسكر لتهدئة الأصوات الصاخبة ضد بقاء السلطة في أيديهم وتخفيف الضغوطات الداخلية بإضافة واجهة مدنية في السلطة. وعلى الرغم من اندماج رئيس الوزراء السابق مع العسكر ودفاعه عنهم في المحافل الدولية، إلا أن الأيام الأخيرة كشفت أن هذا الاندماج شكلي، وأن الاتجاهات والسياسات مختلفة ما بين العودة إلى الحياة الدستورية والبقاء على النظام العسكري إلى حين استقرار البلاد أمنيًا، وهما ضدان، والضدان لا يجتمعان، فكان الفراق متوقعًا.
- محدودية الثقة بين رئيس الوزراء والحكومة: يمكن الاستنتاج من خلال التأمل في محتوى خطاب رئيس الوزراء وما سبقه من الأحداث التي أثارت شكوكًا بين الطرفين بأن الثقة بين العسكر والوزير المدني في الآونة الأخيرة باتت محدودة أو شبه معدومة، وأن كلا من الطرفين، رغم اجتماعهما في حكومة واحدة سابقًا، طامع في السلطة وعزل الآخر؛ فالعسكر طامع في البقاء، والرئيس المدني يتطلع إلى إنهاء الفترة الانتقالية وتنظيم انتخابات رئاسية مدنية يستعد لها معتمدًا على الشعبية التي يتمتع بها في البلاد، ومما يدعم ذلك اعتقال السلطات أحد أقرباء رئيس الوزراء المسمى “بوبكر تراوري” نائب رئيس “تجمع القوى الوطنية إم 5” في مايو 2024 بعد نشره بيانًا يعبر عن معارضته الشديدة لاستمرار العسكريين في الحكم لعدة سنوات إضافية.
- التهميش المقصود: وقد ذكر ذلك رئيس الوزراء في خطابه المثير، حيث أكد أنه يتم اتخاذ القرارات المهمة في غيابه دون استشارته على الرغم من أهمية منصبه الحكومي، وأضاف أنه تلقى خبر تمديد الفترة الانتقالية على وسائل الإعلام، وهذا إن ثبت فهو نتيجة حتمية للنقطة السابقة المتعلقة بمحدودية الثقة بين الجبهتين وتشكيك كل واحد منهما في نوايا الآخر.
- اعتقالات في صف رئيس الوزراء: شهدت الأيام الماضية اعتقال السلطات أفرادًا من أنصار رئيس الوزراء السابق شوغيل كوكولا ميغا بسبب انتقاداتهم للمجلس العسكري الحاكم، فقد ألقي القبض على السيد بوبكر تراوري نائب رئيس “حركة 5 يونيو – تجمع القوى الوطنية” في مكتب رئيس الوزراء بعد توقيعه على بيان صحفي صادر من الحركة يعارض بشدة بقاء العسكر في السلطة لسنوات إضافية. وقبل ذلك، اعتقل في شهر مارس مستشار رئيس الوزراء المسمى عبد القادر مايغا في بيته بعد تقديم شكوى ضده من قبل زعيم ديني، هذه الاعتقالات وما تلاها لاحقًا أوجدت فجوة بين رئيس الوزراء والعسكر، ومثلت البوادر الأولية للأزمة الراهنة.
- ترقية الجنرالات: شهد شهر أكتوبر الماضي تعزيز سلطات الجبهة العسكرية على حساب المدنيين والطبقة السياسية، ففي 22 أكتوبر الماضي حصل الرئيس الانتقالي المالي عاصيمي غويتا رسميًا على رتبة وشارة جنرال كثالث رئيس يحصل على ذلك في مالي بعد موسى تراوري وامادو توماني توري. واستفاد من رتبة الجنرال أيضًا كل من العقيد ساديو كمارا وزير الدفاع الوطني، ومالك داو رئيس البرلمان الانتقالي، وإسماعيل واغي وزير المصالحة الوطنية، وعبد الله ميغا المتحدث الرسمي باسم المجلس العسكري سابقًا ورئيس الوزراء الحالي، وغيرهم من الذين يشكلون الهيكل الأساسي للحكومة العسكرية مما جعل رئيس الوزراء في وضع أقلية.
ماذا سيترتب على إقالة رئيس الوزراء المالي شوغيل؟
أما النتائج التي قد تترتب على هذه الأزمة بسبب إقالة رئيس الوزراء المالي عديدة، يمكن ذكر أهمها فيما يلي:
- الحد من شعبية المجلس العسكري الحاكم وتقليص حجم المساندين له: إذ إن من أنصار العسكر من كان انتصاره لشوغيل مايغا، وبالتالي فإن هذا الانفصال يشكل تهديدًا للمجلس، فعلى الرغم من المظاهرات الشعبية التي طالبت المجلس العسكري بإقالة رئيس الوزراء، إلا أن هذا الأخير أيضًا يتمتع بشعبية كبيرة في أرجاء البلاد وخاصة بعد تألقه في منصبه الحكومي، كما أن هذه الإقالة جعلت الكثير من المواطنين في موضع شك من نوايا المجلس العسكري.
- جرعة تحفيزية ومعنوية للسياسيين المعارضين: من ناحية أخرى، فإن هذا الإجراء يمثل جرعة تحفيزية ومعنوية للسياسيين المعارضين للمجلس العسكري من جهة، وضغطًا زائدًا على المجلس العسكري من جهة أخرى، ولا يستبعد أن يُكوّن رئيس الوزراء المقال شراكات جيدة مع المعارضين السياسيين لمواجهة السلطة الحاكمة.
- تراجع في نشاط “مجموعة دول الساحل”: تعتبر باماكو محرك مجموعة “تحالف دول الساحل” بحكم أن رئاساتها على الرئيس المالي عاصيمي غويتا، وفي هذا السياق يتوقع أن يسفر هذه الأزمة عن تراجع في نشاط “مجموعة دول الساحل” وديناميكياتها، بحكم أن رئيس الوزراء المقال كان من إحدى الأعمدة الرئيسية التي تقوم عليها هذه المجموعة وأحد أعضائها المؤسسين.
كيف سيكون مصير رئيس الوزراء شوغيل بعد عزله من الحكومة؟
الوقت مبكر حاليًا لتوقع مستقبل رئيس الوزراء شوغيل مايغا بعد هذا الحدث، لأن ذلك يعتمد على تحركاته والموقف الذي سيتخذه من السلطة الحاكمة، ولكن بشكل عام فإن المستقبل قد يبدو له معقدًا، وقد تضيق عليه السلطات أو حتى قد يلاحقه القضاء، وقد يتعرض للاعتقال إذا مثلت تحركاته تهديدًا للمجلس العسكري.
الخلاصة
في 20 نوفمبر، أقال المجلس العسكري المالي رئيس الوزراء شوغيل كوكالا مايغا بعد انتقادات علنية وجهها للمجلس في خطاب أمام أنصاره. يعكس هذا الإجراء توترًا متزايدًا بين الحكومة المدنية والعسكرية، حيث أعرب مايغا عن استيائه من تهميشه وعدم مشاركته في اتخاذ القرارات المهمة، بما في ذلك تنظيم الانتخابات.
تتضمن دوافع الإقالة عدم التفاهم بين الطرفين حول العودة إلى الحياة الدستورية، ومحدودية الثقة المتبادلة، واعتقالات طالت أنصار مايغا.
فمن المحتمل أن تؤدي الإقالة إلى تقليص شعبية المجلس العسكري وزيادة دعم المعارضة، بالإضافة إلى تراجع نشاط “مجموعة دول الساحل”. مستقبل مايغا يبدو معقدًا، حيث قد يتعرض لملاحقات قضائية أو اعتقالات.