في 5 يناير 2025، اعْتُقِل ثلاثة مؤثرين جزائريين في فرنسا بتهم التحريض على العنف عبر منصة تيك توك من خلال مقاطع الفيديو التي نشروها. ولم يقتصر تأثير هذا الاعتقال على الأبعاد القانونية فحسب؛ بل فاقم العلاقات المتوترة أصلاً بين فرنسا والجزائر، وهما دولتان تحملان تاريخاً معقداً ومشحوناً بالتوترات.
لقد عُرِف المؤثرون بأسمائهم التالية على وسائل التواصل الاجتماعي: “إماد تنتين” (Imad Tintin)، و”يوسف أ.” المعروف بـ “زازو يوسف” (Zazou Youssef)، كانا قد جمعا عدداً كبيراً من المتابعين على المنصة؛ حيث تدّعي السلطات أنّ منشوراتهم حرّضت على أعمال عنف ضد المواطنين والمقيمين الفرنسيين والمسؤولين الحكوميين. وبناء عليه، حظرتْ منصة تيكتوك حساب زازو معلقة لم نسمح للمخربين باستغلال منصتنا. وأما الشخص الثالث فلم تدل السلطات الفرنسية بمعلومات عنه.
ولا يمكن فصل هذا الحدث عن سياق التوترات المستمرة بين فرنسا والجزائر، التي شهدت تصاعدًا ملحوظًا في الآونة الأخيرة. فإعلان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون عن دعمه لسيادة المغرب على الصحراء الغربية خلال زيارته للمملكة المغربية؛ حيث لا تزال الجزائر تدعم حركة البوليساريو في نزاعها على المنطقة، قد زاد من تعقيد العلاقات بين البلدين.
كما أنّ اعتقال الروائي الفرنسي-الجزائري بوعلام صنصال (Boualem Sansal) في الجزائر على خلفيات الأمن الوطني، الذي يعتبر من أبرز الشخصيات في الأدب الفرنكوفوني، قد ضاعف من حدة التوتر في العلاقات الدبلوماسية بين الجزائر وفرنسا.
إنّ هذا الاعتقال ليس مجرد قضية قانونية؛ بل يبرز كقضية أعمق تتعلق بتقاطع التأثير الرقمي، وحرية التعبير، والعلاقات الدولية. إذْ أبرزتْ هذه الحادثة القوة المتزايدة لمنصات وسائل التواصل الاجتماعي، التي كانت في البداية منصات ترفيهية واجتماعية؛ ولكنها أصبحت الآن أدوات حيوية للتعبئة السياسية، وفي بعض الأحيان، لتأجيج الانقسامات الداحلية والإقليمية.
فقد سلط الحدث الضوءّ على كيفية تحول وسائل التواصل الاجتماعي من مجرد أداة للتعبير الشخصي إلى سلاح بيد أولئك الذين يملكون أجندات جيوسياسية مختلفة. إنّ اعتقال ثلاثة أفراد، يبرز الديناميكيات الحادة بين فرنسا والجزائر، مع تضخيم وسائل التواصل الاجتماعي للنضال السياسي المستمر بين البلدين.
وبناء عليه، سيتركز الحديث هنا بشكل حصري على البعد الفرنسي-الجزائري لهذه القضية، متجنباً السياقات الإقليمية والعلاقات مع الدول المجاورة. والهدف من هذا المقال هو تقييم تأثير الاعتقالات الأخيرة على العلاقات الدبلوماسية بين فرنسا والجزائر، والتعرف على دور وسائل التواصل الاجتماعي في الجغرافيا السياسية الحديثة، خاصة منصة تيك توك.
ولتحقيق هذا الهدف، سنسعى إلى الإجابة على السؤالين التاليَيْن: ماذا تكشف هذه الحادثة عن قوة منصات التواصل الاجتماعي مثل تيك توك؟ وكيف تؤثر هذه المنصات على المشهد الدبلوماسي، خصوصاً بين الدول التي تحمل تاريخاً استعماريًا مشتركًا؟
وبشكل أوضح، سيغطي المقال ثلاث نقاط رئيسة، وهي: التأثير السياسي لوسائل التواصل الاجتماعي في تشكيل العلاقات الفرنسية-الجزائرية، واستخدام تيك توك كأداة للتطرف السياسي بين الجزائريين في فرنسا، وأخيرا التداعيات طويلة المدى لهذه الحادثة على العلاقات الدبلوماسية والاجتماعية بين البلدين.

جدول المحتويات
النمو المتزايد للتأثير السياسي لوسائل التواصل الاجتماعي
في عالمنا المتصل اليوم، تطورت منصات وسائل التواصل الاجتماعي بشكل كبير؛ لتتجاوز الهدف الأصلي الذي أُنشئت من أجله، وهو الترفيه، أو الاستخدام الشخصي. فأصبحت أدوات قوية للتعبير السياسي، والتعبئة المجتمعية، وللأسف، التحريض على العنف أحيانا.
إنّ صعود تيك توك كأداة للتطرف في أكثر من بقعة جغرافية، يتطلب النظر بعناية في كيفية استجابة الدول والمجتمعات لهذا الواقع الرقمي الجديد.
وتحولت منصة تيك توك على وجه الخصوص، التي كانت تُسْتَخْدّم في البداية لمشاركة مقاطع فيديو الراقصات والمتمايلات بشكل أكثر، إلى فضاء أوسع يشكل الرأي العام، ويؤثر في الحركات السياسية، وفي بعض الحالات، يُروِّجُ للأفعال المتطرفة. فمع أكثر من مليار مستخدم نشط على مستوى العالم، توفر منصة تيك توك للمؤثرين القدرة على تجميع جماهير ضخمة بكشل غير متصور قبل عقد من الزمن.
فهؤلاء المؤثرون، وخصوصاً أولئك الذين يمتلكون حسابات ذات متابعات كبيرة، أصبحوا يمتلكون قوة كبيرة؛ حيث يوجهون ليس فقط اتجاهات الترفيه؛ ولكن أيضاً الخطاب السياسي، وأحياناً يُسهمون في تطرف جمهورهم. ولا يمكن إنكار التأثير السياسي المتزايد لوسائل التواصل الاجتماعي، ويعد استخدام تيك توك للتحريض على العنف مثالاً قوياً على هذا التحول.
فبالنسبة للجزائر، أصبحت منصات وسائل التواصل الاجتماعي، من ضمنها تيك توك، أداة حيوية للتعبير الوطني في أوساط الشباب، مما يوفر فضاءً لأصوات الدعم والمعارضة تجاه الحكومة. ويشعر العديد من الجزائريين، وخاصة الأجيال الشابة، بالتهميش من النظام السياسي، ومع وجود منافذ محدودة لاحتجاجاتهم وإبراز أصواتهم، أصبحت وسائل التواصل الاجتماعي أسهل وسيلة للتعبير عن آرائهم وأفكارهم.
وسمحتْ منصة تيك توك لمؤثرين مثل عماد تينتين، وزازو يوسف باستخدام حساباتم على المنصة لطرح آراء سياسية قوية، بعضها تجاوز الخط المسموح به ليصل إلى التحريض على العنف عبر منصة تيك توك (كما يسميه الإعلام والقضاء الفرنسي). ففي الوقت الذي تُقَدِّم فيه وسائل التواصل الاجتماعي فضاءً لحرية التعبير والتعبير الديمقراطي، فإنها قد تفتح أيضاً الباب للاستخدام الضارّ—حيث يمكن لخطابات الكراهية والتطرف أن ينتشرا دون رقابة.
فمن وجهة نظر فرنسا، الوضع معقد للغاية، خاصة كقوة استعمارية سابقة مع جالية جزائرية كبيرة، تجد فرنسا نفسها في وضع حساس. فعلى مر السنين، حاولت الحكومة الفرنسية تعزيز صورة إيجابية لعلاقتها مع الجزائر، إلا أنّ الحوادث، مثل: حملات الاعتقال هذه، التي تشمل مؤثري تيك توك، تجعل تحقيق هذا الهدف أكثر صعوبة.
فعندما يستخدم مؤثرون مثل عماد ويوسف منصة تيك توك للترويج لأعمال عنف، فإنّ ذلك يزيد من فجوة التباعد بين فرنسا والجزائر. ويزيد هذا الاحتكاك بسبب القضايا الاستعمارية غير المحسومة، والشكاوى التاريخية المستمرة.
تذكرنا هذه الأحداث الأخيرة، التي عرفت بـ “التحريض على العنف عبر منصة تيك توك”، بأنّ العلاقة بين البلدين، التي شابها تاريخ الاستعمار لعقود، لا تزال هشة، ولم تُرْسِ إلى بر أمان يرضي الطرفين بعد. وبالتالي، فإنّ وسائل التواصل الاجتماعي تعزز التوترات بدلاً من تقديم فضاء محايد للحوار.
وفي هذا الصددد، تُطْرح التساؤلات التالية بقوة: “مع استمرار صعود تيك توك وغيره من منصات وسائل التواصل الاجتماعي ذات الخوارزميات المتشابهة، كم من الوقت ستظل هذه الفضاءات مفتوحة وغير منظمة؟ وهل ستخضع هذه المنصات، التي كانت تُعتبر في البداية أدوات للديمقراطية، وحرية التعبير، والاستعمال الشخصي، لتشريعات وتنظيم وسيطرة من قبل السلطات بشكل أكبر؟ ومع نمو تأثير هذه المنصات، ما تأثير ذلك على العلاقات الدولية، خاصة بين دول مثل فرنسا والجزائر التي تحمل تاريخاً مشتركاً من الاستعمار والصراعات ما بعد الاستعمار؟
إنّ تَطَوُّر تيك توك كمنصة للحوار السياسي، ودوره في التحريض على أعمال عنفٍ لا يتعلق فقط بثقافة رقمية؛ بل هو مسألة عن مستقبل الدبلوماسية الدولية، وقوة التأثير الرقمي في تشكيل المشهد السياسي العالمي.
ويبين الدور المتزايد لهذه المنصات في المجال السياسي، وخاصة في مثل هذه الحالات، إلى أيّ مدى اختراق وسائل التواصل الاجتماعي للسياسة العالمية. فمن الناحية السياسية، حسب تقديري، لم يُعَدّ تيك توك مجرد منصة للتفاعل الاجتماعي؛ بل أصبح مسرحاً للألعاب السياسية التي تتجاوز الترفيه، وتمتد إلى الدعوات للعنف والتحريض ضد الدول أو المؤسسات أو الأفراد.
ويأتي هذا الشكل الجديد من النشاط الرقمي مع إمكانيات زعزعة الاستقرار، خاصة في الدّول التي تكون العلاقات السياسية فيها بالفعل هشة، ومشحونة بأعباء توترات تاريخية. ولا يمكن تجاهل قوة وسائل التواصل الاجتماعي في تشكيل الخطاب العام، واستخدامها في التحريض على العنف عبر منصة تيك توك خاصة، يتطلب محادثة عالمية وإقليمية حول التوازن بين حرية التعبير، والحاجة إلى تنظيم مسؤول.
إنّ صعود تيك توك كأداة للتطرف (السياسي أو الاجتماعي) في أكثر من بقعة جغرافية، يتطلب النظر بعناية في كيفية استجابة الدول والمجتمعات لهذا الواقع الرقمي الجديد.
سرعة انتشار التحريض على العنف عبر منصة تيك توك
بغض النظر عن الملابسات الحقيقية للحدث الذي صنف بـ “التحريض على العنف عبر منصة تيك توك”، فإنّ حادثة اعتقال المؤثرين الجزائريين في فرنسا تسلط الضوء على القلق المتزايد بشأن دور منصة تيك توك كمنصة للتحريض على التطرف السياسي والاجتماعي في أدبيات السياسة العالمية. فبينما أصبحت وسائل التواصل الاجتماعي أداة قوية للتعبير عن الرأي والتمكين الشخصي، فإنها أظهرت أيضًا جانبها المظلم، خاصة في تعزيز نشر الأيديولوجيات العنيفة.
وكان هذا واضحا في تصرفات المؤثرين المتورطين في هذه القضية، الذين يُتّهَمُون باستخدام تيك توك للتحريض على العنف وتشجيع السلوك المتطرف في مجتمعاتهم.
ومن أكثر الجوانب إثارة في قضية “التحريض على العنف عبر منصة تيك توك”، هو سرعة انتشار المحتوى التحريضي على منصة تيك توك وأخواتها، وسرعة استجابة السلطات الفرنسية والتصدي لها. حيث صُممت خوارزمية المنصة لإعطاء الأولوية للتفاعل، مما يعني أنّ الفيديوهات التي تدعو إلى العنف، أو التي تروج لآراء متطرفة، يمكن أنْ تنتشر بسرعة، وتصبح فيروسية في جسم المجتمع الذي زُرِعتْ فيه.
هذه الميزة، تجعل من منصة تيك توك أداة مثالية لأولئك الذين يسعون لتطرف الآخرين والتحريض على العنف. وأبرز مثال على ذلك، هو حالة “عماد تينتين”، حيث وصل فيديوه إلى أكثر من ثمانمئة ألف (800,000) مشاهدة في وقت وجيز، وكان يطالِبُ بأعمال عنف ضد فرنسا على أراضيها. هذه الطبيعة الفيروسية لمقاطع فيديوهات تيك توك تعزز من تأثيرها، مما يحول ما قد يبدأ كفكرة متطرفة هامشية، إلى حركة جماعية قادرة على تحفيز الأفراد نحو قضايا متطرفة.
وبالنسبة لفرنسا، تمثل هذه الحالة تحديًا واضحاً. فالحكومة الفرنسية، على الرغم من تمسكها بحرية التعبير كحق أساسي للأفراد والجماعات، تجد نفسها مضطرة للتعامل مع الدور المتزايد لمنصات مثل تيك توك في نشر الأفكار التي تصفها بـ “المتطرفة”. ويجب على منصات وسائل التواصل الاجتماعي، ومن ضمنها تيك توك، أنْ تتحمل المزيد من المسؤولية عن المحتوى الذي تستضيفه.
وفي المقابل، تجد الحكومات نفسها في وضع صعب؛ حيث يجب عليها تحقيق التوازن بين حماية حرية التعبير، وبين الحاجة الملحة للحدّ من انتشار المحتوى العنيف والكراهية. وتزداد هذه الصعوبة في ظل تزايد الاستياء السياسي بين الجماعات المهمشة، مثل الجالية الجزائرية في فرنسا، التي أصبحت فيها منصات مثل تيك توك وسيلة للتعبير عن الإحباط وآراء قد تصنفها فرنسا كمتطرفة.
فمن وجهة نظرٍ خاصة، لا تقتصر القضية على التحكم في المحتوى العنيف فقط؛ بل إنها تتعلق بمعالجة القضايا الاجتماعية والسياسية الأعمق التي تؤدي إلى مثل هذا التطرف في المقام الأول. إذْ غالبًا ما يكون صعود المحتوى المتطرف على هذه المنصات مجرد عَرَض لاستياء سياسي طويل الأمد، خاصة عندما يرتبط ذلك بالمظالم التاريخية، مثل تلك التي توجد بين فرنسا والجزائر.
ومع استمرار التوترات بين هذين البلدين في تشكيل الخطاب الإلكتروني، يبقى التحدي قائمًا، والسؤال التالي مطروحا: كيف يمكن للمجتمعات منع تطرف الشباب على الإنترنت، خاصة عندما تكون القضايا المعنية جذورها عميقة في التاريخ والسياسة؟
إنّ دور منصات التواصل الاجتماعي في نشر الأفكار المتطرفة والتحريض على العنف عبر منصة تيك توك يسلط الضوء على الحاجة إلى محادثة أوسع حول كيفية تأثير هذه المنصات على المجتمعات، سواء في تمكينها أو زعزعة استقرارها. ومع استمرار تطور هذه المنصات، من الضروري أنْ تعمل الحكومات وشركات التكنولوجيا والمجتمع المدني معًا لإيجاد حلول تضمن حماية حرية التعبير، مع الحفاظ على الاستقرار الاجتماعي.
وتذكرنا قضية المؤثرين الجزائريين، الذين اتهمو بـ “التحريض على العنف عبر منصة تيك توك”، بأنّ عصر التكنولوجيا الرقمية قد خلق ساحاتٍ جديدةٍ للمعركة؛ حيث تُلعب النزاعات الجيوسياسية القديمة، مثل تلك بين فرنسا والجزائر، في الوقت الحقيقي وعلى الساحة العالمية.
تداعيات الاعتقالات على العلاقات السياسية بين البلدين
الآثار السياسية طويلة الأمد للاعتقالات الأخيرة للمؤثرين الجزائريين في فرنسا قد تمتد إلى ما هو أبعد من الحادثة نفسها بالنسبة لكلا البلدين. فمع استمرار وسائل التواصل الاجتماعي في لعب دور متزايد في تشكيل الرأي العام، خاصة في السياقات ما بعد الاستعمارية، لا يمكن تجاهل تأثيرها.
فمنصات مثل تيك توك لم تُعَدُّ تُعيد تعريف كيفية نشر المعلومات فقط؛ بل أصبحت أيضًا محورية في تشكيل العلاقات الدولية. ومع استمرار ازدياد تأثير هذه المنصات، سيتزايد تأثيرها على الدبلوماسية والمشاركة السياسية.
بالنسبة لفرنسا، تمثل هذه الاعتقالات بداية مرحلة جديدة في علاقتها المعقدة مع الجزائر. وتواجه الحكومة الفرنسية الآن مهمة حاسمة في معالجة مظالم الجالية الجزائرية التي طالما شعرت بالتهميش والإقصاء من النظام السياسي.
وعلى الرغم من أنّ السلطات الفرنسية قد ترى في هؤلاء المؤثرين مسببين للمشاكل، إلا أنه من المهم إدراك أن تصرفاتهم ليست أحداثًا معزولة عن السياقات المختلفة. فبدلاً من ذلك، هي تعبير رقمي عن استياء أعمق وأكثر انتشارًا تجاه الدولة الفرنسية، وهو استياء جذوره عميقة في الماضي الاستعماري، والراهن الحضاري المزعوم.
إنّ تصرفات هؤلاء المؤثرين على الإنترنت، ما هي إلا تجسيد رقمي لعداء تاريخي لا يزال دون حلّ جذريّ. فالتحدي بالنسبة لفرنسا لا يكمن فقط في معالجة هؤلاء الأفراد؛ بل في فهم الواقع الاجتماعي والسياسي الأوسع للمجتمع الجزائري، الذي لا يزال يحمل ثقل الإرث الاستعماري.
ومن جهة أخرى، تواجه الجزائر مجموعة من التحديات المختلفة في أعقاب هذه الاعتقالات. فبينما لا تتحمل الحكومة الجزائرية المسؤولية المباشرة عن تصرفات هؤلاء المؤثرين، فإنها لا يمكن أنْ تتجاهل تأثير هذه الأصوات المتطرفة على صورتها الدولية. ولا يمكن التقليل من تأثير وسائل التواصل الاجتماعي كأداة للتعبير السياسي، خاصة وأنها تخلق مسارات جديدة لنشر الآراء المعترضة.
وينبغي للجزائر أنْ تدير بعناية العواقب الدبلوماسية المحتملة، سواء على الصعيد الإقليمي أو على الساحة العالمية. تؤكد هذه الحادثة الواقع الجيوسياسي العميق. ولقد عزز العصر الرقمي التوترات والمظالم التي كانت في الماضي محصورة ضمن الحدود الفيزيائية، والقنوات الرسمية والدبلوماسية؛ لتصبح في متناول أفراد الشعب وخاصة الشباب.
فمن خلال المتابعة والمراقبة من زاوية إفريقية، يتضح لنا أنّ كلاً من فرنسا والجزائر يجب أنْ تتعامل بحذر مع تعقيدات العالم الرقمي. لأنّ دور وسائل التواصل الاجتماعي في تشكيل الخطاب السياسي أمر لا يمكن إنكاره، ولا يمكن فصله عن السياقات التاريخية، والثقافية التي تحدد التوترات بين البلدين.
إنّ اعتقال هؤلاء المؤثرين يبرز الحاجة الملحة لكل من الحكومتين لتبني استراتيجيات دبلوماسية جديدة، استراتيجيات تعترف بقوة وسائل التواصل الاجتماعي، وتعالج القضايا الأساسية، مثل: الظلم التاريخي، والتهميش السياسي، التي تغذي التطرف والعنف في كلا البلدين.
الخاتمة
إنّ اعتقال ثلاثة مؤثرين جزائريين بتهمة “التحريض على العنف عبر منصة تيك توك” يمثل لحظة محورية في الدور المتطور لوسائل التواصل الاجتماعي في العلاقات الدولية. وتسلط هذه الحادثة الضوءّ على قوة المنصات الرقمية في تشكيل الخطاب السياسي، خصوصًا في السياقات ما بعد الاستعمارية؛ حيث لا تزال المظالم التاريخية يتردد صداها.
فبالنسبة لكل من فرنسا والجزائر، يَكْمُن التحدي في أنّ الأمر لا يقتصر على مجرد السيطرة على المحتوى المتطرف عبر الإنترنت؛ بل يتعلق أيضًا بمعالجة المظالم السياسية والتاريخية الأعمق، التي تستمر في تشكيل العلاقة المعقدة بين البلدين.
إنّ دور وسائل التواصل الاجتماعي في تعزيز التطرف السياسي، وزيادة التوترات بين الدول أصبح واضحاً في هذه القضية. لقد أصبح التحريض على العنف عبر منصة تيك توك أكثر من مجرد حادثة معزولة تتعلق بعدد قليل من الأفراد، إنها تمثل اتجاهاً أوسع ومتزايدًا؛ حيث تصبح المنصات الرقمية ساحة للتعبير السياسي، وأحيانًا للتطرف.
ومع استمرار العصر الرقمي في إعادة تعريف كيفية تفاعل الدول مع بعضها البعض، يجب على الدّول، ومن بينها فرنسا والجزائر، مواجهة مسألة كيفية التعامل مع هذه الحقيقة الجديدة دون إغفال السياق التاريخي والسياسي الذي يدفع بالكثير من التوترات بينهما.
وعندما نتطلع إلى المستقبل، فإنّ مستقبل العلاقات الفرنسية الجزائرية في هذا العصر الرقمي يبقى غامضًا. حيث أصبحت منصات وسائل التواصل الاجتماعي، مثل: تيك توك ساحة معركة للصراعات الإيديولوجية والسياسية، وتؤثر على الأجيال الشابة، وتضخم مشاعر الاستياء.
الأسئلة التي تطرح نفسها بقوة، هي: هل يمكن لكل من البلدين تجاوز ظلال ماضيهما الاستعماري، أم أنّ تأثير منصات مثل تيك توك سيزيد من تعميق الفجوة بينهما؟ وهل يمكن لفرنسا والجزائر التوصل إلى تسوية خلافاتهما، أم أنّ التحريض على العنف عبر منصة تيك توك وغيرها من منصات التواصل الاجتماعي سيستمر في تصعيد هذه التوترات؟
إنّ الإجابة على هذه التساؤلات ستكون مهمة في تشكيل المستقبل الدبلوماسي لكلا البلدين. ومع ذلك، ما يظل واضحاً هو أنّ المنصات الرقمية أصبحت أدوات قوية في المشهد الجيوسياسي، ومن المتوقع أن يتزايد تأثيرها ويتفاقم.
فينبغي لكلٍّ من فرنسا والجزائر أنْ ينظرا إلى ما هو أبعد من القضية الفورية للتطرف عبر الإنترنت، ويركزا على وضع استراتيجيات لمعالجة القضايا الأساسية التي تستمر في تشكيل علاقتهما، أو المجازفة بأنْ تفرض وسائل التواصل الاجتماعي شروط تفاعلاتهما المستقبلية.