تواجه السنغال حالياً واحدة من أكثر الأزمات السياسية تعقيداً في تاريخها الحديث؛ حيث تصاعدت حدة الخلاف بين السلطتين التنفيذية والتشريعية، ممثلة برئيس الجمهورية، بشيرو جوماي فاي، ورئيس الوزراء، عثمان سونكو، من جهة، ونواب المعارضة المسيطرين على البرلمان من جهة أخرى.
,تتمحور هذه الأزمة حول قضيتين أساسيتين: إعلان السياسة العامة وحل البرلمان، مما أدى إلى توترات سياسية عميقة وأثار تساؤلات مهمة بشأن كيفية الحفاظ على توازن القوى بين مؤسسات الدولة واحترام الشرعية الدستورية، دون تعريض استقرار البلاد للخطر.
تهدف هذه الورقة إلى تقديم تحليل سريع للأبعاد المختلفة للأزمة السنغالية، بدءاً من العوامل المحركة للصراع، مثل التنافس على النفوذ السياسي، والخلافات حول الصلاحيات الدستورية والسياسات العامة، وصولاً إلى تأثيراتها الاقتصادية والاجتماعية. وستستعرض أيضا استراتيجيات الأطراف المختلفة في مواجهة الأزمة، سواء من خلال تعزيز مواقفها السياسية أو المناورة لتجنب التصعيد، مع التركيز على دور التحالفات السياسية الجديدة والتحركات الانتخابية المتوقعة.
كما ستركز هذه الورقة على تقديم تقييم شامل للسيناريوهات المحتملة لتطور الأزمة، وتحديد السيناريوهات الأكثر احتمالاً بناءً على المعطيات الحالية وسلوكيات الفاعلين السياسيين. وتسعى للإجابة على السؤال المحوري، ألا وهو: كيف يمكن للمسؤولين في السنغال إدارة هذه الأزمة بطريقة توازن بين احترام الدستور وتحقيق الاستقرار السياسي؟ فضلا عن ذلك، ستستعرض الورقة تأثير هذه السيناريوهات على التحالفات السياسية والاستعدادات للانتخابات المقبلة.
وستوفر هذه الورقة للقارئ رؤية واضحة ومبنية على تحليلات دقيقة للأزمة الراهنة في السنغال، وتسلط الضوء على كيفية تأثير الخيارات السياسية المتاحة على مستقبل البلاد، مع تقديم توقعات محددة حول ما قد يحدث في الأسابيع والشهور القادمة.
جدول المحتويات
خلفية التدافع السياسي بين السلطتين التنفيذية والتشريعية في السنغال
بدأت الأزمة السياسية في السنغال عندما دعا نواب المعارضة في البرلمان رئيس الوزراء، عثمان سونكو، لتقديم بيان السياسة العامة وفقاً للمطالب الدستورية. رفض رئيس الوزراء تقديم البيان بحجة عدم صلاحية النظام الداخلي الحالي للبرلمان، وطالب بتعديله أولاً، مهدداً بأنه في حالة فشل البرلمان في إجراء التعديلات المطلوبة، سيعقد اجتماعاً بديلاً أمام هيئة محلفة ذات سيادة.
إنّ هذه الخطوات التصعيدية المتبادلة بين السلطتين التنفيذية والتشريعية دفعت بالأزمة السياسية في السنغال إلى مستوى جديد من التوتر وعدم الاستقرار، مما يهدد التوازن السياسي في البلاد ويثير تساؤلات حول مستقبل العلاقات بين مؤسسات الدولة.
هذا الرفض أثار استياءً كبيراً في البرلمان؛ حيث وصف مكتب البرلمان، الذي تسيطر عليه المعارضة، تصريحات سونكو بأنها “مشينة وغير مهذبة“. رداً على ذلك، ألغى مكتب البرلمان مناقشة توجيه ميزانية الدولة، مما زاد من تعقيد الوضع. سعى رئيس الجمهورية، بشيرو جوماي فاي، إلى إيجاد حل للخلاف بين رئيس الوزراء والنواب من خلال التفاوض مع رئيس البرلمان، واقترح إلغاء تقديم السياسة العامة أمام هيئة محلفة شعبية.
في هذه الأثناء، قدم فريق العمل المشكل لتحديث النظام الداخلي للبرلمان استنتاجاته في 23 يوليو 2024، مما أثار مزيداً من الجدل حول مشروعية النظام الداخلي. وعلى خلفية هذه التطورات، طلب رئيس الجمهورية استشارة المجلس الدستوري حول صلاحية حل البرلمان. بعد حصوله على رد إيجابي من المجلس، أحال رئيس الجمهورية إلى البرلمان مشروعاً لإلغاء مجلسين استشاريين (المجلس الأعلى للمجتمعات المحلية HCCT، والمجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي CESE)، والذي قوبل بالرفض من قبل 83 نائباً بينما أيده 80.
نتيجة لذلك، أنهى رئيس الجمهورية مهام مديري المجلسين الاستشاريين، مما زاد من التوتر بين السلطتين التنفيذية والتشريعية. وحصل بشيرو جوماي فاي على صلاحية حل البرلمان بحلول 12 سبتمبر، لكن نواب المعارضة قدموا مشروع “سحب الثقة” لإسقاط الحكومة بحجة عدم مثول رئيس الوزراء أمام البرلمان.
رداً على ذلك، أدلى رئيس الوزراء بتصريحات تؤكد استحالة سحب الثقة من حكومته، وأطلق ملاحقات ضد المتورطين في الفساد. لمواجهة الوضع المتدهور، دعا رئيس الجمهورية النواب إلى جلسة عمل استثنائية تمنع دراسة مشروع إسقاط الحكومة. وفي خضم هذه التطورات، حدد البرلمان يوم 11 سبتمبر كموعد لإعلان السياسة العامة بناءً على جدول أعمال رئيس الجمهورية، بينما قرر بشيرو جوماي فاي في النهاية أن يكون الموعد في 13 سبتمبر، مطالباً البرلمان بالالتزام بهذا القرار.
هذه الخطوات التصعيدية المتبادلة بين السلطتين التنفيذية والتشريعية دفعت بالأزمة السياسية في السنغال إلى مستوى جديد من التوتر وعدم الاستقرار، مما يهدد التوازن السياسي في البلاد ويثير تساؤلات حول مستقبل العلاقات بين مؤسسات الدولة.
دوافع الصراع بين السلطتين التنفيذية والتشريعية
لقد تحولت الأزمة بين السلطتين التنفيذية والتشريعية في السنغال إلى محور نقاش واسع في الأوساط السياسية والشعبية، وذلك بسبب تعمق التوترات بين رئيس الوزراء، عثمان سونكو، ونواب المعارضة في البرلمان.
إنّ الصراع بين السلطتين التنفيذية والتشريعية في السنغال يتجاوز مجرد الخلاف على بعض السياسات أو الإجراءات ليشمل تداخلات أعمق تتعلق بالسلطة والدستور والمصالح الاقتصادية والاجتماعية.
ولفهم أسباب هذه الأزمة، ينبغي النظر في الدوافع الرئيسة التي تُغذّي الصراع وتؤثر على استقرار البلاد ومستقبلها السياسي. فيما يلي النقاط الأساسية التي توضح هذه الدوافع:
- التنافس على السلطة والهيمنة السياسية: يُعَدّ التنافس على النفوذ السياسي جوهر الصراع الحالي. إذْ تسعى السلطة التنفيذية، بقيادة رئيس الجمهورية بشيرو جوماي فاي ورئيس الوزراء عثمان سونكو، إلى تعزيز سلطتها وتنفيذ سياساتها دون عوائق. في المقابل، تعتقد المعارضة التي تسيطر على البرلمان أنّ هذه المحاولات تقوّض مبدأ الفصل بين السلطات وتحد من دور البرلمان كجهة رقابية وتشريعية.
- الخلافات القانونية والدستورية: يتداخل الصراع في السنغال مع قضايا دستورية معقدة؛ حيث يسعى كل طرف إلى تفسير النصوص الدستورية بما يخدم مصالحه. وتعتمد السلطة التنفيذية على بنود تمنح الرئيس الحق في حل البرلمان في حالة عرقلة العمل الحكومي؛ بينما ترى المعارضة أنّ حل البرلمان قبل تقديم بيان السياسة العامة يشكل انتهاكاً للدستور الذي ينص على ضرورة إعلان رئيس الوزراء سياسته العامة فور تعيينه.
- الاختلاف حول السياسات العامة والنهج الحكومي: تعكس الأزمة خلافاً عميقاً حول السياسات العامة السنغالية. ففي الوقت الذي ترى فيه الحكومة أنّ الإصلاحات التي تقودها ضرورية لتحسين الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية؛ تنتقد المعارضة هذه الإصلاحات بوصفها غير فعالة وتفتقر إلى الشفافية. ويستخدم كل طرف هذه الخلافات لتعزيز موقعه وزيادة الضغط على الطرف الآخر.
- استراتيجية المعارضة لتعزيز نفوذها السياسي: تسعى المعارضة إلى استغلال الأزمة الحالية لتقوية موقعها في الساحة السياسية، خصوصاً وأنها تسيطر على البرلمان. فمن خلال تأجيج الصراع، تحاول المعارضة تعزيز شعبيتها وإظهار نفسها كمدافع عن الديمقراطية ضد ما تعتبره تجاوزات من السلطة التنفيذية.
- رغبة السلطة التنفيذية في تحقيق الاستقرار السياسي: من جهة أخرى، تسعى السلطة التنفيذية إلى الحفاظ على استقرار الحكم وتجنب الجمود السياسي الذي تسببه المعارضة. وترى القيادة التنفيذية أنّ حل البرلمان أو تقليص سلطاته ضروري لتجنب تعطيل تنفيذ السياسات العامة وضمان استمرار الأجندة الحكومية.
- المصالح الاقتصادية والضغوط الاجتماعية: تلعب القضايا الاقتصادية والاجتماعية دوراً محورياً في تعزيز الصراع؛ حيث يتبادل الطرفان الاتهامات بالتقصير في معالجة مشكلات مثل البطالة والهجرة غير الشرعية. فكل طرف يسعى لاستغلال هذه المشكلات لتحقيق مكاسب سياسية وزيادة شعبيته.
- الاعتبارات الانتخابية والدعم الشعبي: تمثل الديناميكيات الانتخابية دافعاً مهماً للأزمة؛ حيث يسعى كل طرف إلى كسب التأييد الشعبي قبل الانتخابات التشريعية المقبلة. بينما تأمل الحكومة في تقليص نفوذ المعارضة عبر حل البرلمان، تعمل المعارضة على إظهار الحكومة كمتجاوزة على الديمقراطية، مستغلة الوضع لتعزيز موقفها الانتخابي.
فمن خلال هذه النقاط الرئيسة، يتضح أنّ الصراع بين السلطتين التنفيذية والتشريعية في السنغال يتجاوز مجرد الخلاف على بعض السياسات أو الإجراءات ليشمل تداخلات أعمق تتعلق بالسلطة والدستور والمصالح الاقتصادية والاجتماعية. فالتحليل الدقيق لأبعاد هذه الدوافع يعد ضرورياً لفهم طبيعة الأزمة وتأثيراتها المحتملة على مستقبل البلاد واستقرارها السياسي.
تحليل الأبعاد المختلفة للتدافع السياسي بين السلطتين في السنغال
الأزمة السياسية الراهنة في السنغال تتجاوز مجرد صراع سياسي بين السلطتين التنفيذية والتشريعية؛ حيث تمتد إلى أبعاد متعددة تشمل الجوانب السياسية، والقانونية، والاقتصادية، والاجتماعية، والدولية. ولفهم التأثيرات المتعددة لهذه الأزمة بشكل أفضل، يجب النظر في كل بُعْدٍ على حِدَة، وتحليل تداعياته المختلفة.
أولاً، على الصعيد السياسي، تمثل الأزمة اختباراً حقيقياً لقدرة النظام الديمقراطي في السنغال على الصمود أمام النزاعات الداخلية. فالتوترات بين رئيس الوزراء عثمان سونكو والبرلمان الذي تقوده المعارضة، برئاسة شخصيات بارزة مثل أمادو با وأعضاء التحالفات المعارضة الجديدة، تعكس انقساماً عميقاً في المشهد السياسي. لقد استغلت المعارضة هذه التوترات لتعزيز نفوذها السياسي داخل البرلمان وخارجه، مما أدى إلى تعطيل تشريعات حيوية مثل مناقشة ميزانية الدولة. هذا الجمود السياسي يزيد من تعقيد الأوضاع، ويؤثر بشكل مباشر على قدرة الحكومة على تنفيذ سياساتها وإدارة شؤون الدولة.
من الناحية الدستورية والقانونية، تُبْرزِ الأزمة الحالية تبايناً كبيراً في تفسير النصوص الدستورية التي تنظم العلاقة بين السلطتين. طلب رئيس الجمهورية، بشيرو جوماي فاي، استشارة من المجلس الدستوري حول صلاحية حلّ البرلمان، وحصل على تأكيد لصلاحياته الدستورية للقيام بذلك اعتباراً من 12 سبتمبر 2024. في المقابل، ترى المعارضة أنّ استخدام هذه الصلاحية هو تجاوز لمبدأ الفصل بين السلطات، ومحاولة للتهرب من مسؤوليات الحكومة أمام النواب لتقديم السياسة العامة. هذا الخلاف حول التفسير القانوني يعقد الوضع أكثر؛ حيث يعتمد كل طرف على تأويل مختلف للنصوص الدستورية لدعم مواقفه السياسية، ويستند على نص قانوني يتمسك بأطرافه، وينسج قرارات وتصريحات تتماشى ورغبته السياسية.
أما البعد الاقتصادي، فقد تأثرت الأوضاع الاقتصادية في السنغال بشكل كبير نتيجة الأزمة السياسية المستمرة. لقد أدّى الصراع إلى تأجيل العديد من القرارات الاقتصادية المهمة، بما في ذلك إلغاء مناقشة ميزانية الدولة، مما يبرز تأثير الأزمة على الإدارة المالية للدولة. ففي ظل استمرار التوترات، تواجه السنغال تحديات اقتصادية حادة، مثل ارتفاع معدلات البطالة والفقر، وزيادة الهجرة غير الشرعية بسبب التدهور الاقتصادي. كما أنّ عدم الاستقرار يؤثر سلباً على ثقة المستثمرين المحليين والدوليين، مما يؤدي إلى تباطؤ النمو الاقتصادي وتفاقم الأزمات المالية.
أمّا البعد الاجتماعي للأزمة فلا يمكن تجاهله أيضاً؛ حيث يؤثر بشكل مباشر على النسيج الاجتماعي في البلاد. إذْ تتسبب الأزمة في تعميق الاستقطاب السياسي داخل المجتمع، وزيادة الاحتقان بين الفئات الاجتماعية المختلفة. فالمعارضة، بقيادة أمادو با، تستغل هذا الاستياء الشعبي لتعزيز قاعدة مؤيديها ضد الحكومة، بينما تسعى الحكومة بدورها للحفاظ على الاستقرار من خلال استراتيجيات سياسية وقانونية متعددة. هذا الاستقطاب الاجتماعي المتزايد يهدد بإثارة اضطرابات أكبر إذا لم تتم معالجته بطريقة حكيمة.
وعلى المستوى الدولي والإقليمي، تلعب الأزمة دوراً محورياً في تحديد موقف السنغال داخل المنطقة وخارجها. فالسنغال تُعتبر دولة محورية في غرب إفريقيا، وأيّ زعزعة لاستقرارها قد تكون لها تداعيات واسعة النطاق على الأمن الإقليمي. إنّ الدول المجاورة، مثل مالي وموريتانيا وغينيا، تتابع الوضع عن كثبٍ، وتعتبر استقرار السنغال أساسياً لأمن المنطقة. فضلاً عن ذلك، يراقب المجتمع الدولي، بما في ذلك الدول المانحة والمنظمات الدولية، تطورات الأزمة وقد يمارس ضغوطاً على الحكومة لضمان احترام المعايير الديمقراطية وحقوق الإنسان. ويمكن لهذه الضغوط الدولية أن تؤثر على موقف الحكومة والعلاقات الخارجية للسنغال، وكذلك على تدفق المساعدات الدولية.
وبناءً على هذه الأبعاد، يتضح أنّ الأزمة في السنغال تتداخل فيها التفاعلات السياسية والقانونية والاقتصادية والاجتماعية والدولية بشكل معقد، مما يزيد من التحديات أمام التوصل إلى حل سلمي ومستدام. وفي ظل هذه الخلفية المتشابكة، يصبح من الضروري استشراف السيناريوهات المحتملة لتطور الأزمة وما يمكن أنْ ينتج عنها في المستقبل القريب.
السيناريوهات المحتملة للتدافع السياسي بين السلطة التنفيذية والتشريعية
في ظل الأزمة السياسية المتفاقمة بين السلطتين التنفيذية والتشريعية في السنغال، تتجلى ثلاثة سيناريوهات رئيسة قد تحدد مسار الأحداث في الأيام والأسابيع المقبلة. تتعلق هذه السيناريوهات بكيفية تعامل رئيس الجمهورية، بشيرو جوماي فاي، ورئيس الوزراء، عثمان سونكو، مع التحديات السياسية والدستورية المتزايدة، لا سيما فيما يتعلق بإعلان السياسة العامة وحل البرلمان. وتتلخص هذه السيناريوهات كما يلي:
السيناريو الأول: حل البرلمان وعدم إعلان السياسة العامة
يتمثل هذا السيناريو في أنْ يقوم رئيس الجمهورية، بشيرو جوماي فاي، بحل البرلمان قبل الموعد المقرر لتقديم بيان السياسة العامة في 13 سبتمبر 2024، مستنداً إلى الصلاحيات الدستورية التي منحها له المجلس الدستوري بدءاً من 12 سبتمبر الجاري. الهدف من هذه الخطوة هو تجنب مواجهة مباشرة مع البرلمان الذي يسيطر عليه نواب المعارضة.
قد يسعى الرئيس فاي من خلال هذا الإجراء إلى الاحتفاظ بالسيطرة السياسية وإحباط محاولات البرلمان لسحب الثقة من الحكومة. ومع ذلك، يعتبر هذا السيناريو محفوفاً بالمخاطر؛ لأنه يمثل سابقة تاريخية لم تشهدها السنغال من قبل؛ حيث لم يُحل البرلمان في خضم دورة استثنائية لم تنتهِ بعد. فمن المحتمل أنْ يؤدي هذا الإجراء إلى تصعيد خطير في المشهد السياسي؛ حيث قد يُنظر إليه كمحاولة لتقويض السلطة التشريعية وإضعاف المعارضة، مما سيؤدي إلى رد فعل قوي من جانبها، بما في ذلك تنظيم احتجاجات واسعة النطاق.
وعلى المدى البعيد، قد يضر هذا السيناريو بصورة الحكومة على الصعيد الدولي، وربما يؤدي إلى عقوبات دبلوماسية أو اقتصادية. كما سيتطلب من الحكومة تنظيم انتخابات تشريعية عاجلة في غضون ثلاثة أشهر، وسط مناخ من عدم الاستقرار السياسي والاجتماعي، وهو ما قد تستغله المعارضة لتوسيع قاعدتها الشعبية وتحقيق مكاسب في الانتخابات المقبلة.
السيناريو الثاني: إعلان السياسة العامة ومثول رئيس الوزراء أمام النواب
في هذا السيناريو، يمتثل رئيس الوزراء، عثمان سونكو، لأمر رئيس الجمهورية ويقدم بيان السياسة العامة أمام البرلمان في 13 سبتمبر 2024م، كما كان مقرراً. إذا تحقق هذا السيناريو، سيكون رئيس الوزراء قد تراجع عن موقفه السابق، ورضخ لضغوط رئيس الجمهورية، مما يظهر مرونة في التعامل مع المعارضة.
من المحتمل أنْ يعزز هذا السيناريو موقف الرئيس فاي؛ حيث يظهر كزعيم قوي قادر على فرض إرادته والحفاظ على الانضباط داخل السلطة التنفيذية. كما قد يسهم هذا الإجراء في تخفيف حدة التوتر السياسي مؤقتاً وتحقيق نوع من الاستقرار النسبي. لكن من ناحية أخرى، قد تعتبر المعارضة ذلك انتصاراً لها؛ لأنها أجبرت الحكومة على الالتزام بالموعد المقرر لتقديم البيان. ويمكن للمعارضة أيضاً أنْ تستغل جلسة البرلمان لإثارة قضايا حساسة ضد الحكومة، مما قد يؤدي إلى إحراجها أمام الرأي العام وإضعاف موقفها السياسي.
السيناريو الثالث: عدم حل البرلمان وعدم إعلان السياسة العامة
السيناريو الثالث، والأكثر تعقيداً، يتمثل في أنْ لا يُحَل البرلمان، وفي الوقت نفسه يرفض رئيس الوزراء المثول أمام النواب لتقديم بيان السياسة العامة. في هذه الحالة، سيتحدى رئيس الوزراء سلطات رئيس الجمهورية علناً ويرفض تنفيذ الأوامر التي تندرج ضمن مسؤولياته الدستورية، مما يؤدي إلى أزمة حادة في السلطة ويضعف مكانة الرئيس بشكل كبير أمام الرأي العام.
من شأن هذا السيناريو أن ْيعزز موقف المعارضة، إذْ سيظهر رئيس الوزراء كمدافع عن استقلالية الحكومة في مواجهة ما يُعتبر تدخلاً سلطوياً من رئيس الجمهورية. ومع ذلك، فإنّ استمرار الأزمة دون حل قد يؤدي إلى شلل كامل في العمل الحكومي وتعطيل المشاريع والقوانين الهامة، مما يزيد من تفاقم الأزمة السياسية والاقتصادية في البلاد. وفي ظل هذه الظروف، قد تتفاقم التوترات الشعبية وتتعاظم الاحتجاجات، وقد تسعى المعارضة لاستغلال الموقف لتعزيز نفوذها في الانتخابات المقبلة.
السيناريوهات الأقرب وقوعاً حسب التحليل
بناءً على الديناميكيات السياسية الحالية وسلوك الأطراف المختلفة، يبدو أنّ هناك سيناريوهين هما الأقرب للوقوع:
أ. إعلان السياسة العامة ومثول رئيس الوزراء أمام النواب (السيناريو الاستراتيجي): هذا السيناريو يُعتبر الأكثر استراتيجية من ناحية تخفيف حدة التوتر السياسي؛ حيث يُظهر كلاً من رئيس الجمهورية، بشيرو جوماي فاي، ورئيس الوزراء، عثمان سونكو، كقيادات قادرة على التعامل بحكمة مع الأزمات والالتزام بالدستور. فمن المتوقع أنْ يؤدي هذا السيناريو إلى تعزيز الثقة بين الحكومة والمواطنين وإظهار قدرتها على حل النزاعات بطرق سلمية، مما قد يساعد في تحقيق نوع من الاستقرار السياسي، ويُجنب البلاد مخاطر التصعيد المحتمل.
ب. حلّ البرلمان وعدم إعلان السياسة العامة (السيناريو غير المرغوب فيه): في المقابل، يُعدّ سيناريو حلّ البرلمان وعدم إعلان السياسة العامة هو الأكثر احتمالاً بين السيناريوهات غير المرغوب فيها. هذا الخيار قد يؤدي إلى تفاقم الأزمة السياسية، وإشعال موجة من الاحتجاجات والمواجهات بين الحكومة والمعارضة، خاصة أنّ المعارضة والمجتمع المدني قد يعتبرون هذا الإجراء انتهاكاً للشرعية الديمقراطية. فضلا عن ذلك، قد يؤدي إلى زيادة التوترات بين مختلف الفئات الشعبية الموالية للمعارضة أو المتأثرة بها، مما يهدد بزعزعة الاستقرار الداخلي بشكل كبير.
في نهاية المطاف، يبقى الوضع في السنغال معقداً وغير قابل للتنبؤ بدقة، ويتوقف على كيفية تفاعل الأطراف المختلفة مع التطورات المقبلة. وتحتاج الحكومة والمعارضة إلى اتخاذ خطوات حكيمة ومدروسة لضمان استقرار البلاد وتجنب تصعيد الأزمة بشكل أكبر.
تأثير السيناريوهات على التحالفات السياسية والانتخابات المقبلة
بغض النظر عن السيناريو الذي سيتحقق، ستكون هناك تداعيات سياسية كبيرة على الساحة في السنغال. إذا اختار رئيس الجمهورية، بشيرو جوماي فاي، حلّ البرلمان، فإنّ احتمالات إجراء انتخابات تشريعية جديدة في غضون ثلاثة أشهر ستزداد، مما سيدفع جميع القوى السياسية إلى إعادة تقييم تحالفاتها وتطوير استراتيجيات انتخابية جديدة. في هذا السياق، قد ترى المعارضة السياسية، بما في ذلك ائتلاف “FDR” الجديد وحزب “مسؤولية جديدة” بقيادة أمادو با، في الانتخابات فرصة لتعزيز مواقعها في البرلمان وكسب مزيد من الدعم الشعبي.
أما إذا تم تقديم بيان السياسة العامة في الموعد المحدد، فقد ينجح رئيس الجمهورية في تحييد بعض الانتقادات وتأكيد موقعه كزعيم قادر على فرض الانضباط والسيطرة الحكومية. ومع ذلك، من المرجح أنْ تستمر المعارضة في استغلال هذه المسألة كورقة ضغط سياسي لإضعاف الحكومة وإثارة القضايا التي قد تضعف موقفها في المستقبل.
بذلك، تبقى جميع السيناريوهات مفتوحة على مجموعة من الاحتمالات المتباينة، حيث يحمل كل منها تحديات وفرصاً قد تؤثر بشكل كبير على المشهد السياسي في السنغال ومستقبل استقرارها السياسي.
الخاتمة
حاسمة ومسؤولة لتفادي تصعيد الصراع والعمل على تحقيق الاستقرار. تعكس السيناريوهات المطروحة تنوع الخيارات المتاحة لكل من الحكومة والمعارضة، وتحمل كل منها تداعيات مختلفة على مستقبل البلاد السياسي والاقتصادي والاجتماعي. ويعتمد المسار الذي ستتخذه السنغال على قدرة قياداتها على التفاوض والوصول إلى حلول توازن بين احترام المبادئ الديمقراطية وتلبية تطلعات الشعب نحو الحكم الرشيد والاستقرار المستدام. وفي هذا المنعطف الحاسم، يبقى الحوار الجاد والالتزام بالاحترام المتبادل الخيار الأجدر لتجاوز الأزمة وتفادي مخاطر التصعيد.