إنّ مما لا يخفى على كل ذي بصيرة متابع لمجريات الأمور في القارة الأفريقية أنّ الفكر القومي بدأ يتغلل في أحشاء كثير من شبابنا، وجرى في عروقهم مجرى الدم، سواء من أبناء المسلمين أو غيرهم. وقد عمل على إضرام هذه العواطف القومية، وتعميق جذورها داخل البلاد بعض القوميين، المتكونين علميا في المدارس الأروبية، الذين استغلّوا الأزمات الإنسانية التى تمربها المنطقة؛ لزيينوا أفكار العودة إلى الأصل الأفريقي للشعوب المضطهدة، باعتبارها سبيلا لنهضة الأفارقة، وحلا للوقوف أمام مدّ حركات الجهادية التى اجتاحت البلاد منذ عقود.
في هذا المقال، ستتعرف على منبع المفهوم القومي، وكيف انتقل المفهوم من أروبا إلى العالم الإسلامي، وسنرى كيف
أنّ العقيدة القومية تؤثر على ديانة معتنقيها. وأخيرا سندرك أنّ حركات القوميات التى انتعشتْ في أفريقيا جنوب الصحراء في السنوات الأخيرة ، ليست سوى تكرار للقوميات التى ظهرت في كل من تركيا وفارس والوطن العربي. والتاريخ قد يعيد نفسه.
وبناء عليه، تنقسم هذه المقالة إلى عدة أقسام؛ حيث يتناول القسم الأول الجذور الفلسفية والفكرية للنزعة القومية في أوروبا، بينما يستعرض القسم الثاني تطور النزعة القومية في العالم العربي وتأثيرها على الاستقرار السياسي. ويناقش القسم الثالث ظهور الحركات القومية في إفريقيا ودوافعها المعاصرة، ويخلص المقال في القسم الأخير، الخاتمة، إلى تقديم توصيات واستنتاجات بناءً على ما تم التوصل إليه.
جدول المحتويات
أولا: جذور الفكر القومي وتأثير الفلسفات القديمة
الأمة الأروبية بطبعها أمة تعتزّ بالقومية والوطنية، وتَنظر إلى غيرها بنظرة دونية احتقارية. ويمكننا تأصيل جذور هذه القومية الجامحة في تعاليم الفلسفية لـ”ارسطاليس ” القائل: إنّ اليونانيين ينبغي لهم أن يعاملوا الأجانب بما يعاملوا البهائم “، اعتقادا منه أنّ شعب اليونان أفضل خلق الله.
ولا عجب إذنْ، إنْ وجَدت تعاليم “ارسطاليس” العصبية القبلية رَواجا لدى الأمم الأروبية، وهي التى ورِثت عن الحضارة اليونانية والرّومية معا، كل ما خلّفتا من ممتلكات ونظام سياسي وفلسفة اجتماعية . وكان من نتائج انتشار وانتعاش النّعرة القومية لدى الأروبيين خلال القرن الثامن عشر، “أنْ خَطّت أروبا خطّا فاصلا بين الغرب والشرق، أو بين أروبا وماسواها من القارات والأقاليم.
وعلى هذا الأساس، نظرت أوروبا إلى نفسها كصاحبة الفضل على كل ماوراء خطوطها المرسومة، من نسلٍ، وشعْب، وثقافة، وحضارة، وأن الأول (الشعب الأوروبي) خُلق ليسود، والثاني (بقية الشعوب) ليَخضع ويُدين”. ( 1) هذا بعينه هو مبرّر استعمارهم للشعوب الأفريقية. وفي هذا الصدد، يقول أ.د. خالد قطب، أستاذ فلسفة العلوم بجامعة الفيوم، مصر،: “اعتقدتْ المركزية الأروبية الغربية أنّ الغرب هو أصل الحضارات، ومنبع المعرفة بأشكالها المتعددة، ولا يكتفي هذا المعتقد بهذه المزاعم، بل يؤسّس معرفيا لصورة دونية تحقيرية للحضارات والشعوب غير الغربية. ثم يستطرِد قائلا: “فعلي سبيل المثال، صوّرت الأيدلوجيا الاستعمارية الإفريقي/الزنجي على أنه يعيش وفق “رموز سحرية،” وتعاويذ ومعجزات خارقة، إضافة إلى مقاومته الدائمة للتّغيير، وقد أسس معرفيًا وفلسفيًا لهذا الزعم عدد من الفلاسفة واضعي أسس الأيدلوجيا الاستعمارية والمركزية الأروبية الغربية. نذكر منهم الفيلسوف الألماني الأشهر “جورج فيلهلم فريدريك هيغل (1770-1831)، الذي قلل من شأن العقلية إفريقيالأفريقية وقدرتها على التأمل والتفكير العقلاني “.(2) وبالتالى فهو لا يمكنه النجاح بمفرده، فيحتاج دوما إلى الآخر الذي يخلّصه من التبعية والفقر والانحطاط ويرتقي به إلى مصافّ الكائنات البشرية.
ثانيا: الصراع بين الدين والقومية في التاريخ الأوروبي والتركي والعربي
الدين والقومية ككفتي ميزان كلما رجحت واحدة طاشت الأخرى، نعم؛ ذهب بعض الشعوب الأروبية بفعل طغيان العصبية على عواطفهم إلى كُره كل ماهو غير أروبي ويُعْزى إلى جنس غير الجنس الآري، فنظروا إلى الديانة المسيحية كطارئ أجنبي لا تمثّل الديانة للجنس الآري. ويمثّل ذلك خير تمثيل ما رواه “(أبو الحسن الندوي ) نقلا عن أحد المعلّمين في ألمانيا أنه قال:
” لأي شيء يدرّس أولادنا تاريخ أمة أجنبية، ولما يقصّ عليهم قصص إبراهيم وإسحاق ينبغى أنْ يكون إلهنا أيضا ألمانيا “( 3) هذا إلى جانب طائفة أخرى ظهرت في ألمانيا نفسها، تدعو إلى إحياء الآلهة القومية القديمة التى كان يعبدها الشعب الألماني في عهده القديم. وتتبرّأ أفراد هذه الطائفة من المسيح عليه السلام باعتباره أجنبي من بني إسرائيل.
وعن القوميّات التى اجتاحت تركيا في عام 1908م، حدّث ولاحرح، وقد ظهرت في الترك قوميتان إحداهن هي “القومية العثمانية الإسلامية ” “والأخرى، هي “القومية الطّورانيّة ” التى كانت لها نظرة وفلسفة تشبه نظرة الألمان العنصرية ضد الأعراق الأخرى والديانات كما أسلفنا. ومن أبرز دعاتها “ضياء كوك ألب (1876-1924)” الذي كان يعتقد ويؤمن بأن الإسلام الذي وضعه العرب لا يصلح لشأننا، ولا بُدّ لنا من إصلاح ديني يوافق طبائعنا إذا لم نرجع إلى عهدنا الجاهلي(4)
ولاريب أنّ القومية العربية التى ظهرت في أواخر القرن التاسع عشر ، وأوائل القرن العشرين، قد نشأت كردّة فعل “للقوميّة الطورانية ” وعنجهية بعض حكام الأتراك الذين كانوا ينظرون إلى العرب عموما كأمة منحطّة، وشعوب من الدرجة الثانية، وإنْ وَجد بعض القادة الغربين في ذلك فرصة سانحة لزعزعة استقرار “الإمبراطورية العثمانية ” تمهيدا لإسقاطها.
وبما أنّ لكل فعل ردّة فعل معاكس في الاتجاه، وغالبا ماتأتي ردود الفعل أعنف من الفعل ذاته، فقد ظهرت “القومية العربية ” أشدّ حماسة وعصبية للجنس العربي من منافستها “القومية الطورانية”.وبلغت هذه النزعة لدى بعض دعاة القومية العربية حدّ تفضيل العهد الجاهلي على العهد الإسلامي، وتفضيل المسلم العربي على المسلم غير العربي،(…) وكانت هذه النزعة من الأسباب المباشرة لانفكاك الخلافة العثمانية القائمة على أساس الدين(5 )
ثالثا: ظهور الحركات القومية الإفريقية ودوافعها المعاصرة
وبما أنّ هذا العصر عصر القوميّات، فقد أخذت القومية الأفريقية تشتّد وتتفحّل خلال سنوات ما بين 1945م، أيْ بعد مؤتمر مانشستر الشهير إلى 1963، يعنى سنة تأسيس “منظمة الوحدة إفريقيالأفريقية”. إلا أنها اختلفتْ عن بقية القوميّات من حيث التوجّه والنّضال، ونظرا لاختلاف دوافع نشأتها، “فالقومية إفريقيالأفريقية ” لم تُنشأ انطلاقا من العصبية العرقية التي تدفعها إلى احتقار الشعوب الأخرى على غرار الأروبيين والأتراك؛ بل إنّ نضالها إبان نشأتها تمثّل في سعي قادتها الحثيث، إلى تحرير الإنسان الأسود من رقّ الرجل الأبيض ، وبعدها إلى المطالبة بتحرير بلدان الأفارقة من براثن الاستعمار الغربي.
ولايمكننا أنْ نتجاهل أنه وُجِد من بين القادة المناضلين الأفارقة من شذّ عن هذا المسار بنظريته العنصرية المتطرفة، مثل البنافريقاني “ماركس غارفي” 1887 -1940 الذي كان يدعو الزنوج المستعبدين إلى مقاطعة كل ما هو غير إفريقي، من جنس وديانة، والعودة إلى إفريقيا، إمّا جسديا، أو أيدلوجيا. ويُعدّ هذا الأخير من أبرز من بُني على أفكاره، فكر(المركزيةالأفريقية)(6) التى من رحمها وُلِدت الكيميتية المناوئة للأديان السماوية.
وقد تطرقنا على أبرز أفكار المركزية إفريقيالأفريقية في بحثنا المُعَنْون ب.(7) ومن هنا نرجع ونكرّر للمرة الثانية : “الدين والقومية ككفتي ميزان، كلما رجحت كفّة طاشت الأخرى”.
ولعله بفهمنا للسّياقات التّاريخية التى ظهرت فيها هذه النّزعات القوميّة في كل من أوروبا وتركيا والوطن العربي، يساعدنا على معرفة حقيقة ما يحدث اليوم في الساحل الإفريقي، من انتشار للأفكار القوميّة، بين الشباب، واستفحال دعوات العودة إلى الأصل الإفريقي التى راجت في مالى وأخواتها، غينيا وبوركينا فاسوا وغيرها.
وإذا مااستنطقنا التاريخ، يتّضح أنّ دعاة القومية غالبا ما يطلّون برؤوسهم خلال الظروف الاستثنائية، والأوقات العويصة، مثل زمن الحروب، والثّورات، والأزمات الاقتصادية؛ لإيقاد جذوة القوميّة في نفوس الشعوب المخنوقة. إنّ القومية الأروبية بدأت تظهر بعد الثورة الفرنسية من سنة (1789حتى1799) ، و تفشتْ خلال الحربين العالميتين، ثم نضِجت وآتت أكلها في كل من “ألمانيا “وإطاليا”(8)”. “وأصبحت نزعة قوية، حلّت محل الدين في التأثير، وأصبح شعار أهلها: ” الولاء الكامل للوطن، خيرا كان أم شرا ، نحن مع البلاد، سواء كانت مع الحق أم مع الباطل(9)
ولامناص من القول بأنّ فترة قيام ثورة الشّعوب الأروبية الخاضعة للسيطرة العثمانية لهي من أعوص الفترات التى مرّ بها الأتراك، “وكانت الخلافة العثمانية تعاني في هذه الفترة من أزمات اقتصادية وسياسية، وثورات، فقامت جماعة الشّباب المتحرّرين الذين تأثروا بالأحداث في أروبا، وأنشأوا حركة تركيا الفتاة، وكان معظم هؤلاء الشباب قدتعلموا وتثقفوا في المدارس الأروبية الغربية…وأدت هذه النّزعة إلى التّخلي عن الدين…ووُجهت الدعوة إلى الانفصال عن غير الأتراك، وتصعّد الانتماء إلى “القومية الطورانية.(10)
أما القومية في الوطن العربي فهي من صنع أيادي فرنسية، وذلك ما يؤكده محمد واضح رشيد الحسين الندوي بقوله: ” والواقع أنّ الدعوة إلى القومية والانفصال عن الدين، خرجت من فرنسا عن طريق طلبة العرب الدارسين فيها، وكان في مقد متهم المسيحيون “(11).
ومن المعلوم تاريخيا، أنّ أوّل مؤتمر للقومية العربية عُقد في باريس، وذلك في سنة 1913 أيْ قُبيل اندلاع الحرب العالمية الأولى بأ شهر (1914-1918)، وقد سنحت هذه الأزمات الشديدة التى شهدها العالم، للعرب بالانشقاق من الإمبراطورية العثمانية والانضمام إلى راية الحلفاء. بدوافع قومية ونخوة عربية بحتة، صنعتها الغرب وعمل على إضرامها وتعميق جذورها بعض المثقفين المسيحيين الذين تلقوا تكوينهم العلمي في المدارس الأروبية. وبالجملة، فإنّ القرن التاسع عشر الميلادي كانت فترة مفصلية في تاريخ الحديث، وسنوات مفعّمة بالأحداث الزاخرة من انتصارات واخفاقات في مختلف الأصعدة والمجالات.
وبمعرفتنا لهذه الحقائق التاريخية نكون قد اقتربنا من فهم واقعنا المعاش في إفريقيا، وما نشاهده اليوم من دعوات القوميّات الحديثة، بشقيها: الفرنكفوني والمستعرب. هي تكرار للقوميات القديمة، ليس إلا.والتاريخ يعيد نفسه.
أماكن انتشار القومية الإفريقية
ومن خلال قيامنا للبحث عن القوميّات الحديثة، وطبيعة نضالها، وأماكن انتشارها في القارة الإفريقية، توصّلنا على المعلومات المهمة التالية:
أولا: في شرق إفريقيا ووسطها
وتُعَدّ “السودان” “” من الدول الأفريقية الناطقة بالعربية بشكل رسمي، والتى تحتضن “القوميين الأفارقة إلى حدٍّ علمنا.
1. السودان: أصبحت السودان منذ اكتشاف النفط خلال السبعينيات القرن الماضي مسرحا للصراعات المتعددة، سواء سياسيا أو عرقيا وحتى دينيا في كثير من الأحيان. وفي سنة 1983، تأسست “الحركة الشعبية لتحرير السودان ” وهي حركة قومية يتمثل نضالها في نقطتين خطيرتين :
- التمرد ضد الهيمنة العربية الإسلامية للبلاد
- العودة إلى السودان العلماني الإفريقي الأسود.
وذلك ما نتلمّسه في خطاب د. جون قرنق (مؤسس الحركة ) خلال المؤتمر الأول للحركة المنعقد في 1994 م، إذْ يقول:”وبالتالى فإنّ الأفارقة يمثلون (69%) من سكان السودان وفقاً لهذا الإحصاء- فطالما أنّ عرب السودان الـ (31%) من سكانه باستطاعتهم وفي إمكانهم الدعوة لسودان عربي-إسلامي موحّد، كما فعلوا عام 1956م ومازالوا- فلا أرى سبباً يمنع الـ (69%) الأفارقة السودانيين في الشمال والجنوب أنْ يدعو للسودان العلماني الأسود-الإفريقي.”(12)
وقد كانت منطقة جنوب السودان -التي تضم عددا من القبائل إفريقيالأفريقية الزنجية، من أشهرها الدنكا، والنّوبة هي منطلق هذه الحركة التحرّرية، وقد لاقت أفكار د. قرنق قبولا واسعا لدى الجنوبيين-ولاتزال- لدى المعتنقين في أغلبهم للمعتقدات التقليدية أو الروحانية إفريقيالأفريقية (كما يسميها البعض ). وإني لأُعْذر القوميين السودانيين في نضالهم ضد الهيمنة الإسلامية العربية؛ لكونهم غير ملْجَمين بلجام الإسلام في شيء، وبالتالي فلايوجد هناك رابط يجمعهم، لا بالإسلام ولا بالعرب المسلمين، اللهم إلا رابط الوطن والبيئة الجغرافية وهي عناصر لا تدخل في قائمة اهتمام القوميين بالقدر الذي يسعون جاهدين إلى إعلاء أنفسهم على الآخرين، وإن كانوا تحت مظلّة وطن واحد. فالفكر القومي ،كما يقول أبو الحسن الندوي، “لا يمكن لشعب أنْ يؤمن به ثم لا يتعدّى ولا يتطاول أو لا يريد أنْ يتعدّى ويتطاول على الآخرين، و يزدريهم. (13)
ومن أبرز القوميين السودانيين المعاصرين، البنافريقاني أبو بكر آدم اسماعيل،(14) وهو واحد ممن لهم نشاطات واسعة في مجالات زراعة الوعي في العرقيات الأفريقية في السودان لربطهم بجذورهم الأفريقية وحثّهم على إحياء الحضارات السودانية القديمة المتجذرة من الحضارة النوبية أو الكيميتية بتعبير أدقّ. وقد وجد شباب السودان -في ظل الأزمات الإنسانية التى يمربها السودان حاليا- في أحضان محاضرات وكتابات د. أبوبكر آدم اسماعيل، ملاذا آمنا، للهروب من واقعهم الأليم. ولهم جمعيات ونشاطات لا بأس بها في هذا المجال ،سواء في الواقع المعاش، أو المواقع الإلكترونية.
2. تشاد، “تتشارك تشاد والسودان الحدود على طول 1400 ، كلميتر. كما أنهما يتشاركان في نفس المجموعات العرقية التى تعيش على جانبي حدود البلدين تقريبا، (15) وعاشت دولة تشاد منذ فجر استقلاها من الاستعمار الفرنسي صراعات قبلية دامية مزقت النسيج الاجتماعي في البلاد، قديما وحديثا، إلا أنّ هذه الصراعات اقتصرت على محاولة أطراف النزاع، بسط نفوذهم العشيري الذي له دور كبير في تشكيل الحكم في تشاد.
ولم ترتق الصراعات إلى مستوى نضال إلى جانب ضد هيمنة الثقافة الإسلامية العربية على البلاد-كما هي الحال عند جارتها السودان -على الرغم من وجود عرقيات في البلاد تدين بديانات غير الإسلام. ويمكن إعادة سبب ذلك إلى كون “تشاد” بطبيعتها دولة علمانية، ينصّ دستورها على احترام حريّة الدين والمعتقدات. مما أسْهم على مدار السنين في خلق ظاهرة التعايش السلمي بين مختلف الأديان في البلد. غير أننا يمكننا التنبؤ بحدوث وحدات جزئية من بين مختلف القبائل إفريقيالأفريقية بتشاد أخذت بعين الاعتبار العامل الثّقافي واللغوي والهوية الإثنية، مثل قبيلة “مساليت” التى نلحظ نشاطات لبعض شبابها في مواقع التواصل الاجتماعي ترمي إلى التّحرر من هيمنة الثقافة العربية المسيطرة على البلاد والعودة إلى الثقافة “المساليتية” القديمة. (16)
ثانيا: إفريقيا الغربية
ونخص منها دولة، مالى وشقيقتيها “بوركينا فاسوا” و”غينيا” بالذكر، وتجدر بالإشارة إلى أنّ تخصيصنا لهذه الدول كمناطق انتشار الفكر القومي لايعني انحصار الفكر فيها دون غيرها من بقية بلدان غرب إفريقيا، إنما هو حرصا منا على أنْ نقدّم في حدود معلوماتنا، مع مراعات الموضوعية التى نسعى إلى الإلتزام بها في هذا المقال.
1-مالي، أصبحت دولة مالي منذ سقوط نظام “معمر القذافي ” في أكتوبر تشرين الأول 2012 ولجوء المقاتلين الطوارق المحمّلين بمُعدّات عسكرية لايستهان بها، إلى أراضيها بؤرة للإرهاب ومسرحا لعمليات العنف البالغة القساوة.وقد تحالفت الحركات الأزوادية التحرّرية مع الحركات الجهادية التى كانت تنشط في شمال مالى” كحركة أنصار الدين بقيادة القيادي الطارقي “إياد اغالي” الذي كان الجهادي الفلاني محمد كوفا يحارب في صفوفه قبل أن يؤسّس حركته المستقلة تحت مسمى “كتيبة ماسنا”،ضد الحكومة المركزية في بماكو، أدى إلى سيطرتهم الكاملة على منطقة شمال مالى سنة 2012.(17)
وقد بدأت الوضعية تأخذ منحى خطيرا منذ ذلك الوقت، حيث شهدت منطقة وسط مالى عمليات شبه تطهير عرقي استهدفت جميع الأعراق بما فيهم “قبيلة الدغون “ذات الأغلبية المسيحية والوثنية. ونظرا للحضور القوي لعرق الفلان في صفوف مقاتلي “كتيبة ماسنا ” التى كانت تسيطر على منطقة وسط مالى، فقد أثار ذلك حفيظة القبائل الأخرى المجاورة للفلان في نفس المنطقة وفي مقدمتهم “الدغون ” الذين كانوا يشيرون بأصابع الاتهام إلى جيرانهم من الفلان، على أنهم حلفاء للإرهابيين الذين دخلوا المنطقة باسم الإسلام.
“فرويدًا رويدًا، اتجه الوضع منذ سنة 2013، إلى إنشاء لجان للحماية وتوفير الأمن في القرى والتجمعات القروية للدوغون،يقُودها مجموعات القناصة والصيادين البريين التقليديين، ولكن التحول الكبير حدث في شهر يونيو/حزيران 2016، عندما منحت الحكومة المالية ترخيصًا لرابطة القناصة البريين باسم “دانام آمباساغو” التي تعني باللغة المحلية “القناصة المتكِّلون على الرب” لترقية ثقافة القنص”.18)
ظلت الحرب بين القبيلتين، سجالا، وإنْ كان الفلان هم الجانب الأكثر تضررا وخسارة، من المعارك، ويعود سبب ذلك كون حركة “دنام آمباساغو” الدغونية كانت تتمتّع بدعم من الحكومة المركزية في بماكو وتأطير من الجيش المالي.وفي خضمّ هذه المواجهات العنيفة بين الحركات الجهادية وبين الجيش المالي من جهة، ومليشيّات “دنام آمباساغو ” من جهة أخرى، أُهلك الحرث والنسل في البلاد، وشُرّدت العديد من الأسر عن ديارها، كان دعاة القومية في العاصمة يعملون سرا على نشر أفكارهم القومية العنصرية المناوئة للإسلام، باعتبار الإسلام السبب الرئيسي لجميع الأزمات التى تمربها مالى والأفارقة عموما.
وفي عام 2013 أسّستْ أول جمعية قومية تدعو إلى إحياء التّقاليد والثّقافة إفريقيالأفريقية القديمة والتّخلّص من الأديان الوافدة، ويؤكد ذلك الباحث المختصّ في الشأن الإفريقي ، “محمد جزار” قائلا: “وقد صرّح البعض أنّ لديهم في دولة مالي نحو 100 جمعية مُرخَّصة يقومون من خلالها بالتّرويج لأفكارهم بطريقة غير مباشرة، ومن بين تلك الجمعيات المعروفة في مالي، جمعية إعادة تأهيل الدين الإفريقي الزنجي، والتي أسّست في عام 2013م.(19)
ويترأس هذه الجمعية الكاتب المالي “دومبي فاكولي” الذي صرّح خلال مؤتمرٍ للقوميّين الأفارقة، عُقد في متحف بماكو بتاريخ من 9 إلى 10 ديسمبر/2016 قائلا:” مادمنا لم نرجع إلى عهدنا القديم فلا يمكننا التطوّر، فالتّطوّر يحتاج إلى إعمال العقل والتّنوير المستمر، فكل الأمم المتطورة من الهنود والصينيين، لقد فعلوها بذكائهم ومسؤوليتهم.20) ويرى القوميون الماليون أنه لكي يتم إحياء الديانة الزنجية يجب إيضاح أنّ الأديان القادمة من خارج القارة ليست للسود، رغم أنها شغلت مساحة واسعة، وأنّ دينهم الزنجي هو الأسبق في الوجود ويجب العودة إليه. (21 )
غير أنّ نشاطات الجمعية المذكورة، ظلت طيلة هذه المدة منحصرة في نطاق ضيق وهامشي، إلى أنْ اندلعت ثورة 5 يونيو 2019 التى كانت بالنسبة ل”دومبي فاكولي” فرصة على طبق من ذهب؛ لكي يعتلى على المشهد الإعلامي المالي، وينشر أفكاره القومية -وإن كانت بطريقة غير مباشرة -التى من المحتمل أنها وجدت آذانا صاغية في صفوف القادة الانقلابين. وهو رأي أغلب المراقبين والخبراء، ومنهم الداعية الإمام “عمر كوليبلي” الذي أكد لقناة “كاتي24” ردّا على سؤال وجّهه إليه الصحفي وهو: “لماذا تفاقمت نشاطات القوميين وهجومهم الشرس على الإسلام في هذا الوقت بالذات؟
فكان جواب الإمام : “لقد استغلّوا الأزمات الإرهابية التى تشهدها البلاد، وأقنعوا السلطات الحالية بأنّ الإسلام هو أساس مشكلة مالى، وبالتّالي يجب إحياء الديانات الوثنية القديمة باعتبارها سبيلا للوقوف أمام مدّ حركات العنف، ونفوذ الإسلام الاجتماعي- السياسي.(22)
لم تكن السلطات الحالية وحدها التي توصّل القوميون إلى اقناعهم بهذه الفكرة القومية العنصرية المناوئة للإسلام؛ بل وجدت أفكارهم قبولا لدى جل القبائل المتضرّرة من عنف الجهاديين. ونتيجة لذلك، فقد استفحلت في الآونة الأخيرة موجات الإلحاد ومحاربة الإسلام -باعتباره دين العرب ولا يمثل ديانة الأفارقة-، على نطاق واسع جدا في مالي.
وأبرز مثال لذلك ماقاله “موريكي كوليبالي،” وهو الكيمتي الذي تطاول على ذات الإله سبحانه بألفاظ تجديفية في مارس2024 – وبالأمس القريب، وبالتحديد في 26أغسطس 2024/ أثناء مثوله أمام المحكمة بتهمة سبّ الله وتكذيب كون القرآن الكريم كلام الله، إذ قال الرجل للقضاة بالحرف الواحد: “أنه ارتدّ عن الدين الإسلامي بسبب ما تعرّض له هو وأهل بيته وأقرباؤه من قبل المسلحين إبان هجومهم على قرية “جابلي” القريبة من قريته الأصلية “دوغوفري” عام 2012م وهم بصنيعتهم الشنيعة هذه؛ من قتل وتشريد يستندون إلى الآيات القرآنية.
وهذا ما لا يقبله عقل بشري كيف يمكن للخالق أن يأمر في كتابه بقتل خلقه” ؟ (23 ) وهذه شهادة حيّة لواحد من بين المئات الذين تأثروا بهذه الأفكار الرّابطة بين الإسلام وصنيعة الجهاديين اللإنسانية، والتي هي من ثمرة أفكار كبير القوميين في مالي وأبوهم الذي علمهم السحر الكاتب “دومبي فاكولي “.
2-بوركينا فاسوا، “كما يوجد القوميون المتطرفون في مالي، فإنّ لهم جمعيات كذلك في بوركينا فاسو؛ حيث صرح أحد زعمائهم في بوركينا ويُدعى باسم سيرج بيالا، ولقبه بايالا ليانهوي إمحوتب، أنهم قاموا بإنشاء حاضنات أفكار وجمعيات لمساعدة هؤلاء الذين يريدون تحرير أنفسهم من الديانات الاستعمارية، والعودة إلى الدين الزنجي القديم، كما يدعو هذا الشخص السلطات في بوركينا فاسو إلى الاعتماد على تقويم كيميت؛ بوصفه تقويمًا إفريقيا وأفضل لبوركينا فاسو”.(24)
3-غينيا، أما القومية الأفريقية المتطرفة في غينيا فقد ظهرت بطابعها الإسلامي الشعبوي، فهي-كما يقول الشاعر والكاتب المالي، شيخ باي دكوري- تكرار للشعبوية التى أطلّت برأسها في العصر الأموي، وقوِي عودها في العصر العباسي، والتى بسبب حقدها على العرب ترفض كل ماهو عربي ولا يستثني من ذلك حتى القرآن الكريم.(25)
وغني عن البيان، أنّ الجماعة التي تدعوا إلى الصلاة باللغات المحلية في غينيا بقيادة المدعو “نانفو جابي” أحدثت بلبلة واسعة في صفوف مسلمي غينيا منذ ظهورها في مطلع العشرينات القرن الجاري، وحطّمت بذلك السكنية التى كانت ينعم بها الإسلام الغينى بعض الشيء، وانقسم الناس حولهم ما بين أنصار وخصوم .
ومن خلال تتبّعنا للقضية والبحث عن جذورها وأبعادها، توصّلنا إلى نتيجة مفادها: أنّ رأس الفتنة في غينيا (نانفو جابي ) قد انطلق في صلاته باللغة المحلية “الماندنكية” من منطلقات قومية بحتة؛ حيث حاول تبرير فعلته، بكونه منذ صغره كان يكره اللغة العربية واللغة الفرنسية كذلك؛ لذلك اختار أنْ يخاطب الله في صلاته بلغته الأمّ التى يفهمها.
وعلى الرغم من أنّ هذه الجماعة ظلت تعُدّ نفسها من ضمن المسلمين، وتمارس جميع طقوس الإسلام من صلاة وصيام وحج، إلا أنّ جمهور المسلمين في غينيا ينظرون إليه كجماعة خارجة عن دائرة الإسلام، استنادا إلى ماهو مشهور في المذهب من أنّ المصلي بلغة غير القرآن مع القدرة على قراءته، فصلاته باطلة. لأنّ أساسها بُني على شفا جرفٍ هارٍ فانهاربهم في الزيغ عن جادّة الإسلام. وجدير بنا إذاً أنْ نكرّر وللمرة الثالة وإنْ كان بصيغة مختلفة : القومية والدين كالضرّتين، كلما أرضيت إحداهما أسخطت الأخرى.
رابعا: الخاتمة: استنتاجات وتوصيات
الاستنتاجات
وبناءا على ما اسْتُعرِض من معلومات في هذه الدراسة، يمكننا استنتاج مايلي:
- يعتبر الفكر القومي، من أقوى الأفكار الغربية التى نتجت عن الظروف الاستثنائية التى مرّت بها أروبا خلال القرنين الثامن عشر والتاسع عشر.
- أثر الفكر القومي على العالم الإسلامي، وظهر أول الأمر في أواخر القرن التاسع عشر، وأوائل العشرين، عن طريق حركات سرية في عاصمة الخلافة العثمانية، ثم ألقى بظلاله على الوطن العربي، مثل مصر ودمشق وبيروت.
- يستغل القادة الامبرياليون غالبا الأزمات في الدول التي يريدون بسط سيطرتهم عليها، فيوقظون في شعوبها روح القوميات بواسطة عمالائهم، كالقومية الطورانية والقومية العربية والأمثلة تطول ولا يسعها هذه السطور.
- الفكر القومي، عقيدة استعلاء ، فلايمكن لأمة اعتناقها من غير أن يتعدّى على الآخرين، والواقع خير شاهد، لذلك كان موقف الإسلام من القومية واضحا، منذ فجر الإسلام. هذا والرسول يخاطب أصحابه: “ليس منّا طمن دعا إلى العصبية، وليس منا من قاتل على عصبية وليس منا من مات على عصبية “(سنن أبو داوود )
التوصيات
على الحكومات الأفريقية في الدول التي بدأت تنتعش فيها أفكار القوميّة بين شبابها، أنْ تكون يقظة، وأنْ لا تكون لقمة صائغة لدعاة القوميين الذين يعملون على خدمة أجندات خارجية تحت ثوب القومية الأفريقية. وأنْ تعتبر بالدول التي مزقتها الصراعات القبلية ودمرت نسيجها الاجتماعي قديما وحديثا.مما سنح للإمبرياليين بسط سيطرتهم عليها .والاسيلاء على خيراتها.
وعلى الهيئات الإسلامية في الدول المذكورة تحمّل كامل مسؤولياتها حيال هذه الأفكار ا الهدّامة الوافدة، من خلال تكثيف التوعية خلال خطبهم الأسبوعية عن ظاهرة القومية وأضرارها على ديانة الفرد وعقيدته قبل المجتمع، مع الأخذ بعين الاعتبار موضوع الحركات الجهادية التى اجتاحت منطقة الساحل، وإفهام المواطنين العزل أن الإسلام الذي يدّعون الانتساب إليه بريء من أعمالهم اللإنسانية براءة الذئب من دم ابن يعقوب. وبالتالي ، فعلى الباحثين كذلك من حملة الثقافة الإسلامية العربية ضرورة عمل دراسات واسعة توضّح الظاهرة من مختلف جوانبها مع بيان موقف الإسلام منها.
وأخيرا، يجب على شباب مسلمي إفريقيا توخي الحذر من بعض الأفكار والقضايا الوافدة إلى القارة؛ والتى لا يعرفون مصدرها، بله توجهها. “فالمسلم ليس من ينجرف وراء التيار ويساير الركب كإمّعة.(كما يقول سيد قطب). ولا أظننى أبالغ إن قلت أن ما بين بعض الشباب المتحمسين لقوميتهم وما بين الارتداد عن الإسلام، كما بين قاب قوسين أو أدنى .
ولا شك أنّ هناك قضايا عادلة كثيرة في هذا العالم تستحق التضامن، وقد يتحمّس لها الكثيرون، لكن قبل أن تتحمّسوا وتدافعوا عنها، فتّشوا عمن يتاجر بها ويستغلها لمصالحه الخاصة، كي لا تكتشفوا في النهاية أنكم كنتم فيها مجرّد وقود وأدوات “. هذا مقتطف من كلام الدكتور “فيصل القاسم ” وهي كلمات تستحق منا التأمل، وبها نختم هذه السطور
قائمة المصادر
(1)أبو الحسن الندوي: ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين،ط القاهرة-دار القلم للنشر والتوزيع، ص182
(2) أشيل مبيمبي: ما بعد الاستعمار، إفريقيا والبحث عن الهوية المسلوبة،ط،دار الروافد الثقافية، بيروت، مراجعة وتقديم أ.د. خالد قطب، ص10
(3) أبو الحسن الندوي: المصدر السابق، ص،182
(4)المصدر السابق، ص،184
(5) محمد واضح رشيد الحسني الندوي: من قضايا الفكر الإسلامي الغزو الفكري،ط2019دار العلم والمعرفة- القاهرة ص،141
(6)انظر محمد سامي: الأهرامات وكليوباترا السوداء، 20/7/2023، تم التصفح في 7/9/2024
(7) أحمد حيدرا: البان افريكانيون المستعربون وإشكالية فصل الدين عن العروبة، ط2024،مؤسسة عبد الرحمن لجميع خدمات الإشهار، انواكشوط، ص،31
(8)لماذا تنجح القوميةفي كل شعوب العالم
(9) محمد واضح رشيد الحسيني الندوي: مصدر سابق، ص138
(10) المصدر السابق، ص 139
(11) نفس المصدر، ص،140
(12) انظر منظمة البان افريكانيزم السودانية، صفحة/فيسبوك، تم التصفح بتاريخ 28/أغسطس/2024
(13) أبو الحسن الندوي، المصدر السابق، ص 189
(14) أبكرآدماسماعيل كاتب وروائي سوداني،ومؤلف كتاب جدلية المركز والهامش وأوراق دراسية حول قضايا السودان. كما ينشط كذلك في العمل السياسي والثقافي، وتعرض في كتاباته لقضايا الهامش ومشكلات الثقافة السودانية.
(15) انظر، ” لهذا السبب يخاطر الصراع في السودان بزعزعة استقرار تشاد أيضا “. موقع fides. Org/9/6/2023 تم التصفح بتاريخ 30/أغسطس/2024
(16) انظر : تاريخ قبيلة مساليت/صفحة/فيسبوك/ مقطع نشر في 25/5/2004, تحت عنوان: أول مرة يتم الاحتفال بلغة المساليت في تشاد وياعين لاحتفال في جميع أنحاء العالم،تم التصفح بتاريخ/8/9/2024
(17) محمود أبو المعالي: القاعدة وحلفاؤها في أزواد، مركز الجزيرة للدراسات ط1 2014.
(18)عبد الله مامادو با: العنف ضد قبيلة الفلان…إلى أين تتجه منطقة الساحل؟ موقع جزيت نت 12 أبريل 2019. تم التصفح
بتاريخ 30/أغسطس/2024
(19) محمد جزار: الفكر الكيمتي نشأته أفكاره انتشاره، موقع دراسات إفريقية 19يونيو/2023. تم التصفح بتاريخ 30/أغسطس 2024
(20) afribone, grande rencontres Panafricaine des confrèries traditionnels à Bamako : pour le retour aux avoirs ancestraux afin de développer l’Afrique. 14 décembre 2016
(21) محمد جزار:المصدر السابق.
(22) kati 24 : imam oumar coulibaly fait des révélation sur les coran et la kamite 2 مايو 2024 . تم التصفح /1/سبتمبر 2024
(23) انظر صفحة الصحفي المالي، حمدي جوارى.26 أغسطس/2024. تم التصفح بتاريخ 30اغسطس 2024
(24) محمد جزار: المصدر السابق
(25) شيخ باي دكوري:الصلاة باللغات المحلية تضليل وتدليس، ط2024،ص،8