تسلّط هذه المقالة الضوء على تداعيات انقلاب الغابون وتأثيرها على مستقبل السياسة الفرنسية في إفريقيا. يُسلّط التحليل الضوء على التحديات التي يثيرها الانقلاب وكيف يتداخل هذا التأثير مع العلاقات الإقليمية والتوجهات الدولية. يستعرض المقال دور فرنسا في المنطقة والتحولات المتوقعة في السياسة الفرنسية المستقبلية تجاه القارة الإفريقية.
تحقق نبأ انقلاب عسكري في الغابون، أوثق حليف لفرنسا في منطقة وسط إفريقيا، ما هي القصة؟
أعلنت وسائل إعلامية عديدة أنّ ضباطًا في الجيش الغابوني أعلنوا إلغاء الانتخابات، وحل مؤسسات الدولة والاستيلاء على السلطة ضد الرئيس علي بونغو.
تعتبر الغابون دولة في وسط أفريقيا، وهي عضو في مجموعة “سيماك” أي المجموعة الاقتصادية والنقدية لدول وسط أفريقيا (CEEMAC)، وهي دولة غنية بالنفط، الخشب، أراضي صالحة للزراعة ومنفذ بحري استراتيجي، وثروة الغابات، لكن تمكنت عائلة واحدة من إدارة البلاد لمدة 57 عامًا بدعمٍ من فرنسا .
جدول المحتويات
الأزمة الراهنة التي أدت إلى الانقلاب
في يوم السبت 27 أغسطس 2023 ذهب نحو 850 ألف شخص من الغابون للإدلاء بأصواتهم لاختيار رئيس البلاد وأعضاء البرلمان. في هذه المرة أيضًا ترشّح الرئيس علي بونغو وريث والده، والذي خدم لفترتين متتاليتين مدة كل منهما سبع سنوات، لولاية ثالثة.
وتجدر الإشارة إلى أنّ عائلة بونغو الذي يحكم البلاد منذ 57 عامًا، تعمّد حذف حدود لفترة الولاية في الجابون، لذا إذا استمر الرئيس بونجو في الفوز بالانتخابات، فقد يصبح رئيسًا مدى الحياة، كما فعل ولاده بتوسيع سيطرة عائلته على الدولة الواقعة في وسط إفريقيا.
وفي الانتخابات التي جرت تاريخ 27 أغسطس الجاري، ترشًّح علي بونغو ممثلاً ل ” الحزب الديمقراطي الغابوني” الحاكم، وهو الحزب الذي أسسه والده عمر بونغو الذي حكم بقبضة حديدية من عام 1967 إلى عام 2009. وبعد وفاته، تولى مكانه نجله، علي الذي كان وزير الدفاع آنذاك. كرئيس ويحكم منذ ذلك الحين.
وحتى الأسبوع الماضي، كان من المقرر أن يتنافس 19 مرشحاً للرئاسة في الانتخابات الراهنة. لكن في 18 أغسطس، فاجأ ستة مرشحين بتشكيل ائتلاف سمّي ب “البديل 2023″، حيث اختاروا المرشح المستقل “ألبرت أوندو أوسا” كمرشح مشترك للتحالف.
مؤكدين أنّ: “الجابون ليست ملكًا لعائلة بونغو”.
المنافس ألبرت أوندو أوسا، هو أستاذ الاقتصاد ووزير التعليم في عهد عمر بونغو، كان أيضًا أحد المتنافسين في انتخابات عام 2009، وقد كان متأكدًا من الفوز هذه المرة، لأنّ الغابون دولة في غاية الغنى لكن سيطر عائلة بونغو على كل شيء، والشعب بحاجة إلى التغيير.
إنّ الغابون التي لم تعرف رئاسة خارج عائلة بونغو، ينتقد فيها المواطنون إرث هذه العائلة، رغم أنّ الرئيس علي بونغو يحاجج أنّه حقق بعض النجاحات في الحفاظ على البيئة وتنظيم الموارد الطبيعية وكذلك بناء ميناء أويندو التجاري في فترة ولايته المنتهية.
لكن من الجانب الآخر. هو بلد، معروف بأنه ذو اقتصاد قائم على النفط، ويُنظر إلىها على أنها دولة ذات إمكانات اقتصادية كبيرة، لكنها تعاني من الفساد المستشري بسبب عائلة بونغو المدعوم من فرنسا.
مثلاً في عام 2022، صنفت منظمة الشفافية الدولية الجابون في المرتبة 124 من بين 180 دولة على مؤشر الفساد. بجانب البطالة.
طورت عائلة بونغو نفسها في سلسلة من الفضائح الكبرى، آخرها لائحة الاتهام الصادرة في يوليو 2022 ل5 من أشقاء بونغو في تحقيق فرنسي بشأن اختلاس وغسل الأموال.
بينما، يعيش ثلث سكان الجابون في فقر، رغم التقارير التي تزعم بأنها تتمتع بواحد من أعلى الناتج المحلي الإجمالي للفرد في القارة.
نتائج الانتخابات الأخيرة
فيما يدّعي الرئيس علي بونغو الفوز بولاية ثالثة، أعلن معسكر المعارضة مع زعيمه “ألبرت أوندو أوسا، المنافس الرئيس للرئيس ” بونغو، يوم الاثنين فوزه، ودعا رئيس الدولة إلى “تنظيم سلسٍ لنقل السلطة”.
وكان السيد أوندو أوسا، الذي اصطفت خلفه أحزاب المعارضة. الرئيسية، قد ندد بالفعل “بالتزوير” من قبل الحزب الحاكم يوم السبت، قبل ساعتين من إغلاق مراكز الاقتراع، وطلب “إعلان فوزه”.
وطالب مواطنو الغابون إلى “الانحناء بتواضع أمام إرادة الشعب الجابوني”. وقبول السيد أوندو أوسا، كرئيس للبلاد، بدل علي بونغو.
في هذا النزاع بين معسكر الرئيس على بونغو، ومنافسه ألبرت أوندو أوسا على الفائز بالانتخابات، وقع خبر فجر اليوم تاريخ 30 أغسطس، أنّ ضباطًا من الجيش الغابوني يعلنون إنهاء نظام بونغو وإلغاء الدستور ونتائج الانتخابات الرئاسية التي وصفوها بالمزورة. هل الانقلاب نهائي؟ لست متأكد لسببين:
تداعيات الانقلاب إقليميًا
نذكّر بأنّ الغابون عضو ضمن مجموعة “سيماك” دول وسط أفريقيا، وتضم : الكاميرون، الغابون، تشاد، أفريقيا الوسطى، جمهورية الكونغو، غينيا الاستوائية.
وهي منطقة هشة سياسيًا، فمثلاً عرفت تشاد انقلابًا دستوريا من ابن ديبي بعد مقتل والده.
كما أنّ دولة كاميرون يحكمها الرئيس بول بيا وهو في الحكم منذ عام 1982، أي قرابة 41 عامًا، وهو أيضًا في خطر الانقلاب.
تمامًا كما تعيش أفريقيا الوسطى – حليف روسيا الجديد- اضطرابات لتعديلات دستورية يقوم بها الرئيس ” أركانج فوستين تواديرا”.
كما تعاني دولة الكونغو برازافيل للرئيس، دينيس ساسو نغيسو الذي يحكم البلاد منذ عام 1997، أي قرابة 26 عامًا في الحكم. وهو وكذلك الرئيس الكاميروني صارا من حلفاء روسيا مؤخرًا، بينما كانا حليفين لفرنسا في السابق.
وأخيرا غينيا الاستوائية هي الأخرى دولة هشة سياسيًا، فرئيسها ” تيودورو أوبيانج نغويما مباسوغو” في السلطة منذ عام 1979، هو ثاني رئيس للبلاد وهو الرئيس الأطول خدمة في غينيا الاستوائية منذ 3 أغسطس 1979. وهو أقدم رئيس لأي بلد على الإطلاق، وثاني أطول زعيم وطني غير ملكي في العالم (بعد بول بيا في الكاميرون).
أي إذا كان بول بيا يحكم منذ 41 عامًا، فإنّ الرئيس مباسوغو يحكم منذ 44 عاما.
لجميع ما سبق، يعتبر هذا الانقلاب مصدر قلق لدن دول وسط أفريقيا التي يعيش رؤسائها في السلطة كأنهم في أحكام ملكية، حيث الواحد منهم يعجز حتى المشي مستقيمًا.
وكل انقلاب في هذه الظروف قد يسرّع وتيرة الدومينو لدى باقي ضباط الجيش وقد يدعم شعبيًا خاصةً أنّ الشعوب سئموا حكمهم الفاسدة.
تداعيات المحاولة الانقلابية دوليًا ( السياسة الفرنسية في إفريقيا)
يجادل الخبراء في الشأن الأفريقي أنّ هنالك 4 دول أساسية تمثل رئة السياسة الفرنسية في القارة الأفريقية، وخسارتها تمثل نهاية النفوذ الفرنسي وسياسة (فرنسا-أفريقيا)، وتلك الدول هي: السنغال، ساحل العاج، الغابون، تشاد.
- السنغال: لأنّها تمثّل رئة النظام الاقتصادي والمالي لسياسة فرنسا-أفريقيا من حيث البنوك والمؤسسات المالية الفرنسية في أفريقيا، التي تدير العملة الفرنسية “فرنك سيفا”، المؤسسة التي تعرف ب “بيسياو ” (BCEAO).
- ساحل العاج: لأنها فيها تدار كل الشأن السياسي الفرنسي بأفريقيا،
- تشاد: هي دائرة العمليات العسكرية الفرنسية بأفريقيا، فنظام عائلة ديبي والجيش التشادي في المنطقة والمدرّب بتميز مع شجاعة التشادي جعل منها محور كل عمل عسكري فرنسي بأفريقيا،
هذا الذي يفسر سرعة اعتراف فرنسا بالانقلاب الدستوري في تشاد من قبل ابن ديبي. رغم اعتراض الشعب التشادي، 4-) أما الغابون الدولة التي تشاهد محاولة الانقلاب الراهنة، والتي تهمنّا، هي محور ومصدر الموارد الطبيعية وأوثق حليف استراتيجي لإدارة النزاعات الاقليمية في المنطقة بما يخدم مصالح فرنسا .
وهذا الذي يفسّر وجود الفرنسي الطاغي في هذا البلد. ومن الأقوال التي يُعرف بها بونغو.
أن “للغابونيين وطنا هو الغابون، وصديقا هو فرنسا”. حتى وفاته عام 2009، كان بونغو أحد رموز “فرانس-أفريك”، التي شابتها فضائح أحيانا بين فرنسا ومستعمراتها السابقة والتي أدارت قرابة 60٪ من 200 انقلاب دعمته فرنسا في أفريقيا.
القاعدة الفرنسية في الغابون: معسكر ديغول إنه معسكر ديغول، إحدى أكبر القواعد الفرنسية في إفريقيا والتي تضم ما بين 400 -500 عسكري.
لا يجب الاستهانة بهذا العدد، فقد كانت في البلاد منذ الاستقلال وتحمي مصالح فرنسا من النفط واليورانيوم وكذلك الثروات في الغابة، عطفًا على أنّها العقل المدبر لمعظم تدخلات فرنسا في القارة.
لجميع ما سبق، وكذلك السياق الدولي المضطرب وفرنسا التي تخسر حلفاؤها. لن تسمح باريس بفقدان حليف أفريقي آخر، وخاصةً أنها بصدد خسارة النيجر مع حليفها الرئيس المعزول، محمد بازوم.
فإذا أخفقت المخابرات الفرنسية في النيجر، ستفعل كل شيء كي لا تخسر الغابون، إلا إذا كانت فرنسا ورائها.
مع الإشارة على أنّه إن كانت روسيا هي المنافسة الكبرى لفرنسا في الساحل، فإنّ الصين هي المنافس الاقتصادي لفرنسا في الغابون منذ فترة، وبدأت الدولة تبدي بعض التباعد عن فرنسا. لكن سياسيًا لا تزال حليفة قوية لفرنسا في المنطقة