فئة الشباب هي الفئة العمرية التي تتمتع بالحركة والحيوية والديناميكية، وكل نهضة أو برامج تنمية تعتمد عليهم في الدرجة الأولى من شرائح المجتمع. تُعتبر جمهورية مالي من ضمن أكثر دول العالم التي تتمتع بنسبة شباب مرتفعة؛ إذْ تبلغ نسبة الشباب 67 % من التعداد السكاني. (1) وتجدر الإشارة هنا إلى أنه لا يوجد تعريف متفق عليه يحدد الفئة العمرية لمرحلة الشباب؛ حيث يختلف ذلك من مجتمع لآخر. ومن هنا وجب تناول بعض التعريفات في الدول المختلفة قبل الخوض في الموضوع.
يرى البروفيسور جوليان دامون -أستاذ مشارك في كلية العلوم السياسية في باريس- أن الفرنسيين يرون أن نهاية فترة الشباب هي 42 من العمر، بينما في مالطا تُحَدّد فترة الشباب ب 36 من العمر، وفي اليونان يحددونها ب 51 عاما، أمّا في هنغاريا يحددونها ب 58 عاما (2). كل هذا يثبت على أنّ تحديد الفئة العمرية للشباب تختلف من مجتمع لآخر.
أما في جمهورية مالي، لقد تغير تعريف الشباب أربع مرات بمعدل مرة لكل نظام سياسي، والتعريف المعتمد اليوم عند وزارة الشباب هو: أن فئة الشباب هم من تتراوح أعمارهم بين 15 إلى 35 عاما (3). ولكن الواقع الاجتماعي يختلف عن ذلك، فالمتعارف عليه في الأوساط السياسية خصوصا وفي المجتمع عموما؛ أنّ الشاب كل من يتراوح عمره ما بين 18 الى 49 عاما، وعلى هذا التعريف سأتناول هذا الموضوع.
جدول المحتويات
دور الشباب في السياسة المالية
لعب الشباب في السياسة المالية منذ تأسيس الجمهورية دورا بارزا؛ حيث إنهم من قادوا عملية التحرير ضد المستعمر الفرنسي. فقد كان الرئيس موديبو كيتا شابا عند الاستقلال في 45 من العمر وكذلك كان رفاقه شبابا، كالسيدة حواء كيتا التي كانت في 47 من عمرها، وسيدو باجان كوياتي كان يبلغ في 32 من العمر، وجان ماري كوني في 47 سنة. والعساكر الذين أسقطوا حكم الرئيس المؤسس موديبو كيتا عام 1968م كانوا شبابا أيضا، حيث كان عمر القائد الانقلابي الجنرال موسى تراوري 32 عاما، وكاسيم دوكارا 34 عاما، وتيروكورو بغايوغو 31 عاما.
وأثناء ثورة 1991م التى أدت إلى إسقاط الرئيس موسى تراوري كان قواد الثورة شبابا؛ حيث تتراوح أعمارهم ما بين 40 و45 عاما. فالسيد أمادو توماني توري كان في 43 من عمره، والسيد عمر ماريكو كان في 31 من عمره، والسيد مونتاغا تال كان في 35 من عمره، والسيد الرئيس ألفا عمر كوناري كان في 45 من عمره. وفي عام 2012م، كان الإنقلاب على الرئيس أمادو توماني توري -أيضا- مقادا من قبل الشباب؛ فالقائد الإنقلابي الجنرال أمادو هايا سانوغو كابتن آنذاك كان في 40 من عمره، والجنرال موسى سينكو كوليبالي كان في 40 من عمره، والجنرال إبراهيم داهيرو دامبيلي كان في 45 من عمره.
تغيير الدور التقليدي للشباب في الحكم
بعد مجيء الديموقراطيون إلى سدة الحكم عام 1991م تشبثوا بالسلطة خلال 30 عاما، وكانوا المحركين الرئيسيين والفاعليين الأساسيين في السياسة دولة مالي؛ حيث خرجت الأحزاب الثلاثة الكبرى التي تسيطر على سياسة الدولة من نفس الحركة الديموقراطية. وتميزت فترة إدارتهم للبلاد بتهميش الشباب في الشأن السياسي واستغلالهم فقط كآلات انتخابية يُسْتعان بها أثناء الانتخابات ويتم نسيانها بعد الانتخابات تمام، أو يتم تعيينهم في مناصب ثانوية، ولم يكن الشباب طوال تلك الفترة تُسنَد إليهم بعض المناصب السياسية العليا في البلاد لتمسك قادة الحركة الديموقراطية بها. فقد كان من الشبه المستحيل سياسيا أن يشغل الشاب بعض المناصب، مثل رئيس البرلمان أو رئيس الحكومة أو بقية المناصب الاستراتيجية.
ولقد استمر الوضع هكذا -الحركة السياسية في مالي- إلى مجيء الرئيس السابق إبراهيم بوبكر كيتا إلى سدة الحكم في عام 2013 حيث إنه عين الشباب في بعض المناصب الرفيعة في البلد كمنصب رئيس الوزراء، وسكرتير رئاسة الجمهورية. وفي عام 2017م حينما أراد الرئيس إبراهيم بوبكر كيتا تعديل الدستور كانت حركة (Trop Ce Trop) الشبابية النواة الأساسية لتحالف (Ante Abana)، التحالف الذي أجبر الرئيس على تعليق مشروع تعديل الدستور بعد مظاهرة حضرها الآلاف المواطنين.
وكان الشباب موجودون في هذه الحركة بشكل فعال جدا، مثل أمادو تيام (33عاما)، ويوسف باشيلي -الملقب بـ “راش باش” (43 عام)، وإسماعيل دوكوري -الملقب بـ “ماستر سومي”- (34 عاما)، وخديجة فوفانا ( 33عاما). وبسبب الثورة التكنولوجية واهتمام الشباب بمواقع التواصل الاجتماعي وانتشار الوعي السياسي لدى الشباب، بدأ الناس يكتشفون أمور كثيرة كانت من قبْلُ محصورة فقط على المتخصصين والمثقفين، وبدأ الشباب يطالبون بحقوقهم ومشاركتهم في الحكم.
ولقد ساهم الانتشار الواسع للفساد إلى دفع الناس بمطالبة ضرورة تغيير الطبقة السياسية في البلاد، مما جعل القادة السياسيون مضطرون إلى جعل موضوع إشراك الشباب في الحكم محورا أساسيا في برامجهم الانتخابية عام 2018م؛ حيث إنّ الرئيس إبراهيم بوبكر كيتا وعد بأن يجعل مأموريته الثانية (مأمورية الشباب) وبعد إعادة انتخابه تم إشراك الشباب بشكل أكبر في إدارة البلاد؛ بل وفي أعلى مستويات السلطة في الدولة؛ حيث عَيّنَ -بعد إعادة انتخابه- السيدة كاميسا كمارا وزيرة خارجية كأول شابة ترأس الدبلوماسية المالية (دولة مالي)، والدكتور بوبو سيسي في منصب رئيس الوزراء، ودعم وبقوة موسى تمبيني (رئيس شباب الحزب الحاكم)؛ ليصبح رئيسا للبرلمان، ليتحدى بذلك قادة حزبه الذين كانوا يعارضون ترشيح موسى تمبيني، والسيدة كاميسا كمارا في منصب السكرتير العام لرئاسة الجمهورية، ولقد صار الشباب هم الركيزة الأساسية لنظام الرئيس إبراهيم بوبكر كيتا.
دور الشباب في حركة 5 يونيو التي أسقطت الرئيس.
كانت حركة 5 يونيو تدار من قبل ما يمكن أن نسميهم بمجموعة 1992م؛ لأنهم كانوا القادة للحراك، ولكن الشباب لعبوا دورا محوريا فيها. فأثناء إعلان العصيان المدني لم ينزل كبار السياسين في الشوارع؛ بل كان الشباب هم من أدّووا هذه المهمة، وهذا يعتبر تطورا جديدا مهما جدا في الساحة، فلعب الشباب دور القوى الضاغطة على الكبار؛ لكيلا يتراجعوا. ولقد كان الشباب من يشاركون في الحوارات التلفزيونية؛ بل حتى في الإدارة العليا للحركة أيْ في دائرة اتخاذ القررات كان هناك تمثيل شبابي كبير. كما أن انقلاب 18 اغسطس 2020م تم بتدبير وتنفيذ شبابي خالص. فالعقول المدبرة لهذا الانقلاب شابة كالعقيد آسيمي غويتا (38 عاما) والعقيد مالك جاو (42 عاما) والعقيد ساجو كمارا (٤١ عاما) والعقيد اسماعيل واغي (45 عاما).
دور الشباب في مالي الجديدة (الفترة الانتقالية)
تتميز حكومة المرحلة الانتقالية بارتفاع نسبة الشباب فيها مقارنة بالحكومات السابقة؛ حيث يوجد فيها تسعة قيادات شباب مما يساوي 36 % من أعضائها،(4) وهذا التغير المهم الذي حصل في تركيبة أعضاء الحكومة الانتقالية والانجازات الرائعة التي يقدمها الشباب. حسب موقع بارومتر الإحصائي الشهير لقد أصبح أربع وزارء شباب من أصل سبعة وزراء الاكثر كفاءة في الأيام ال100 للمرحلة الانتقالية؛ أي 57% (5) .
فضلا عن التوجه السائد بين الأحزاب السياسية للترويج على مشاركة الشباب في المراكز القيادية فيها؛ يؤكد على أنّ الشباب سيلعبون دورا رئيسيا؛ بل محوريا في مالي الجديدة. فكل الاحتمالات تشير الى أن سياسي مجموعة 1992م يلعبون جولتهم الأخيرة في انتخابات 2022م، والاستطلاعات الأولية لا تضعهم في المقدمة وخاصة بعد وفاة سومايلا سيسي الذي كان يعتبر الأوفر حظا في الانتخابات القادمة. وفعلا لقد استطاع كثير من الشباب أن يفرضوا أنفسهم كأرقام صعبة في الساحة السياسية، وستشهد الانتخابات التشريعية والرئاسية مشاركة شبابية واسعة.
التحديات التي تواجه الشباب
هناك جملة من التحديات قد تواجه الشباب في سياسة جمهورية مالي، يمكن إجمالها على النحو التالي:
- سرعة فقدان الثقة: حيث إنّ الشباب ما إن يحصلوا على منصب ما، حتى يغيّروا مواقفهم السياسية وينتقلوا مباشرة من المعارضة إلى الأغلبية، وهذا قد تكرر مرات كثيرة في فترة حكم الرئيس إبراهيم بوبكر كيتا. مثل: أمادو كويتا (2016م)، ومحمد يوسف باشيلي الملقب بـ “راش باش”، وخديجة فوفانا، وأمادو تيام.
- صعوبة الحصول على ثقة كبار السن أو القبول الاجتماعي: لأن المجتمع المالي مجتمع هرمي؛ حيث ينظر دائما الى كبار السن بأنهم الأجدر لإدارة الشؤون العامة، وخاصة في القرى والأرياف؛ حيث تنعدم هناك وسائل التواصل المرئية والشبكات الاجتماعية، وبالتالي لا يمكن التواصل معهم إلا بالطرق التقليدية لضعف الإمكانيات المادية، بينما القوة الانتخابية الحقيقية تكمن في القرى والارياف لا المدن الرئيسية.
- عدم وضوح الرؤية: أغلب الشباب رؤاهم السياسية غير واضحة ويلعبون على الطرق التقليدية، أيْ على نفس استراتيجية قادة حركة 1992م؛ حيث إنّ معظم الشباب لا يمتلكون مشروعا سياسيا يمكّنهم من إقناع الشعب، ويعتمدون على الطرق التقليدية التي يفعلها كبار السن من إعطاء الوعود بدلا من تحقيق إنجازات على أرض الواقع أو التقارب مع فئة الشباب التي تعتبر القوى الناخبة، وهذا يجعل الناس يضعون الشباب والكبار في نفس الدرجة ويرون أن الشباب مجرد نُسخ طبق أصل لأسلافهم الشيوخ. كما أن انخراط أسماء بعض الشباب أثناء إدارة الرئيس السابق إبراهيم بوبكر كيتا في ملفات فساد كبيرة مما كان ينظر إليها المجتمع على أنها من صفات سياسي 1992م لا الجيل الجديد.
- إفساد سلفهم سمعةَ الشباب في إدارة الحكم؛ حيث إن الشباب كانوا منخرطين في ملفات فساد كثيرة أثناء حكم الرئيس إبراهيم بوبكر كيتا، كالمدير السابق لديوان محمد كمارا – 37 عاما آنذاك- المتهم في ملف شراء الطائرة الرئاسية واختلاس مبالغ تصل 9 مليار فرنك سيفا وفي الافراط وتزوير مبلغ 29 مليار فرنك سيفا، وكذلك مصطفى بن باركا -السكرتير السابق لرئاسة الجمهورية بين عامي 2013 و 2015- 38عاما آنذاك في ملف الاختلاس لوزارة الدفاع (6)
وختاما، أتمنى من الجيل الجديد الاستمرار في نشر الوعي وأن يكون على قدر من المسؤولية وعلى موعد مع التاريخ لتحقيق حلم جمهورية مالي الجديدة. فالشباب الواعي -كما قال الرئيس توماس سنكارا- قوة تخيف حتى القنابل النووية.
_______
الهوامش والإحالات
-
Perspectives économiques au mali , site : groupe de la banque africaine de développement, lien : https://www.afdb.org/fr/countries/west-africa/mali/mali-economic-outlook
-
pr Julien damon, qui est vieux, qui est jeune ,carn.info ,date : 01/12/2016 ,lien : https://www.cairn.info/revue-regards-2015-2-page-25.htm
-
youssouf karambe , definition ,statuts, roles des jeunes au mali ,revues.ml
lien : http://www.revues.ml/index.php/rmll/article/download/1253/900/Gouvernement de la transition au mali, les ministres : ismael wague , sadio camara ,modibo kone , mme kadiatou konare ,mohamed salia toure ,moussa ag attaher , lamine seydou traore , dr mahamadou kone ,abdoulaye maiga .
4. Communque m 21-001/CN-BR relatif aux cent jours du gouvernement de transition , BAROMETRE , DATE : le 15/01/2021 .
5. aissatou diallo , CONTRATS DARMEMENT SURFACTURES AU MALI : les proches dibk dans le viseur de la justice ,jeune Afrique , le date : 02/04/2020
6. Le lien : https://www.jeuneafrique.com/919889/societe/contrats-darmement-surfactures-au-mali-des-proches-dibk-dans-loeil-du-cyclone/