من يتتبع نهضة الأمم يجد أن للعلوم العقلية دوراً مهما في نهضتها. وإذا كنا نتكلم عن العلوم العقلية فنجد في رأس هذه العلوم، علم الفلسفة التي هي بيت الحكمة. علم الفلسفة كان له أثره في إثراء الحياة وتحقيق ما ينشده الإنسان من سعادة وتقدم. ومن نظر إلى موضوع الفلسفة يجد أنها تناولت الوجود والقيم والمعرفة؛ عرفت الوجود وبينت مكانة، وحاولت الإجابة على الأسئلة التالية: هل الوجود مشترك لفظي أو معنوي؟ وهل الوجود زائد على الماهية أم لا؟ وما شابه ذلك. كل هذا من أجل أن تعطي الإنسان نظرة كونية متكاملة تلازم الوجود الإنساني الباحث عن ذاته وانتمائه الحقيقي.
كذلك تبحث الفلسفة عن موضوع القيم والجمال؛ لأن الإنسان من غير قيم توجهه كسفينة بلا شراع في بحر الحياة الصاخب. فالفلسفة ترى أن هناك ثلاث قيم رئيسة توجه حياة الإنسان، هي: الحق، والخير، والجمال. الحق هو القيمة التي يسعى إليها الإنسان في حياته العقلية وهو قيمة المعرفة والخير هو القيمة التي يسعى إلى تحقيقها بسلوكه وهي قيمة لحياته الأخلاقية. أما الجمال فهو القيمة التي يسعى إلى تحقيقها في كل ما يصنعه ويرتقي بشعوره وذوقه وهو غاية الفنّان في إبداعه وتذوقه للفن. هذه القيم الجمالية يحتاج إليها كل مجتمع حتى يبني مدينته الفاضلة. وما من مجتمع راعى هذه القيم وطبقها في حياته الفردية والاجتماعية إلا وصل إلى الهدف الذي يهدف إليه. إن المجتمع لا يكون مجتمعا إلا بفضل تمسكه بهذه القيم.
إن هذه العلوم العقلية تساعد في نهضة الثقافة العقلية. وكلما كان المجتمع ثقافته العقلية قوية كان مجتمعا محبا للفضيلة متجنبا للرذيلة. نحتاج إلى تثقيف المجتمع بالثقافة العقلية؛ لأن لهذه الثقافة دوراً في صياغة سلوك الإنسان، وتهذيبه. إن الفلسفة إذا كانت بيت الحكمة فمنها ولدت علوم كثيرة. مثل علم المنطق الذي يهتم بتهذيب فكر الإنسان، وعلم الأخلاق الذي يهتم بسلوك الإنسان. وكذلك العلوم الإنسانية مثل علم الاجتماع، وعلم النفس. لأنها علم العلوم، لأنها تضع للعلوم أسسها النظرية وروابطها وتحدد آفاقها ومعالمها، فهي إذاً ليست مختصة بالعلوم الإنسانية وحدها؛ بل تشمل جميع معارف الإنسان ومباحثه.
لماذا الاهتمام بهذه العلوم؟ نتيجة ما توصلنا إليه نجد أن هذه العلوم الإنسانية هي العلوم التي تكوِّن الفكر. فما أحوجنا إلى مفكرين وإلى أدمغة مفكرة تُسْهِم في التخطيط والبناء، وتنقذ البلاد من الفقر والجهل والتفرقة. إن العلوم الإنسانية تعلمنا معنى الحرية، والديمقراطية، والعدالة الاجتماعية، والواقع، والعلم، والتعددية، والمحبة، والتنمية، وبناء الوطن، وكل ما يشفي غليل الإنسان. تُعلِّمنا الثقافة الوطنية وكيف نطورها ونبرزها للعالم.
هذه العلوم تجعلنا نفهم مشاكل الواقع، والاستعمار الفكري، والتخلف، والقهر، وضياع الهوية، وسلبية الناس. لا بد من إيجاد حل لهذه المشاكل التي نعاني منها سياسيا، واقتصاديا، واجتماعيا. هذه العلوم تُعَلِّمُنا كيف نصوغ نظريات جديدة تساعد في إيجاد حل لما نحن فيه.
لابد من الاهتمام بهذه العلوم. نريد أن نرى مفكرين من أبناء القارة الإفريقية يهتمون بقضايا القارة ويجدون حلولا سريعة لها، وهذا لا يتم على حسب نظري إلا بالاهتمام بالعلوم العقلية والإنسانية التي موضوعها الإنسان.
________________________________________________
المراجع والإحالات
آدم عبد العزيز: باحث ماجستير في قسم العقيدة والفلسفة، المعهد العالي للدراسات الاسلامية، جمهورية مصر العربية. من جمهورية إفريقيا الوسطى.
-
فصول في الفلسفة ومذاهبها، الفيلسوف جود ، ترجمة د.عطية محمود هنا و د. ماهركامل، ٢٠٠٣ مكتبة الأسرة، القاهرة، جمهورية مصرالعربية
-
الفلسفة المعاصرة في أوربا، إ.م .بوشنسكي، ترجمة د. عزت قرنى، اصدار رقم ١٦٥، عالم المعرفة
-
تطورالفكرالسياسي، جورج سباين، ترجمة حسن جلال العروسي، الهيئة العامة للكتاب، القاهر،جمهورية مصرالعربية
-
رسائل الفارابي، أبونصرمحمد الفارابي، مكتبة الأسرة، القاهرة، جمهورية مصرالعربية