قضية المساواة في الإرث مع الرجل من قضايا المرأة التونسية الشائكة والتي تسببت جدلا واسعا في تونس؛ لأن دولة تونس تتصدر قائمة الدول العربية والإفريقية من حيث اهتمامها بالمرأة والداعمة لها ولكثير من قضاياها المختلفة. وقد برز هذا الاهتمام منذ عهد الرئيس الحبيب بورقيبة، وبالتحديد بعد استقلال البلاد في مارس 1956. حيث نالت المرأة التونسية في ذلك الوقت جملة من الحقوق والامتيازات المدنية التي عززت مكانتها في العالم العربي والإفريقي، وقد زادت مكانتها أكثر بعد ثورة جانفي (يناير) 2011م حين قرر الرئيس الراحل الباجي قائد السبسي مساواتها مع الرجل في الميراث، وهو ما أثار غضب الشارع التونسي.
وبناء عليه، يهدف هذا المقال إلى تسليط الضوء على قانون المساواة في الميراث الذي سبب جدلا واسعا، واستعراض آراء التونسيين حوله. ولتحقيق ذلك، سيجيب المقال على السؤالان التاليان:
- ما الغاية الحقيقية من هذا القانون -قانون المساواة؟
- ما موقف رجال الدين وعلماء الزيتونة من هذا القانون؟
جدول المحتويات
حقوق المرأة التونسية عبر التاريخ
منذ زمن قريب، وبالتحديد في عهد الرئيس الراحل الباجي قائد السبسي طُرِح موضوع المساواة في الميرات بين الرجل والمرأة. وتعتبر تونس أول بلد إفريقي-عربي تثار فيه مسألة المساواة في الميراث، الأمر الذي تسبب في جدل حادٍّ بين العلمانيين والإسلاميين (أو المسلمين المحافظين) حول مسار هوية الدين الإسلامي في البلاد التونسية، خاصة أن تونس بلد إسلامي محافظ ويستمد قوانينه الشرعية من القران الكريم والسنة النبوية حسب دستور البلاد.
ولا شك أنّ قضية الميراث تعتبر من الثوابت لدى السواد الأعظم من الشعب التونسي الذي يرى أنّ هذا الأمر محسوم بالنسبة لهم، بحكم أنها منصوص عليها في القرآن الكريم بنصوص قطعية وواضحة، ولا مجال لتغيير أو تحريف النص القراني.
في هذه المقالة سنبين موقف التونسيون من هذا المشروع. وموقف علماء الزيتونة أيضا منه، فهم رجال الدين في تونس وقد أدلو بدلوهم في هذا الموضوع.
حقوق المرأة في الإسلام
تعتبر المرأة نصف المجتمع وعنصر فعال فيه، إذ أن في صلاحها صلاح المجتمع بأكمله، والعكس صحيح. وقد اهتم الإسلام بها وأعطاها حقوقا لم تكن تعطى لها قبل الإسلام وجعلها في مرتبة أعلى وأسمى من المرأة في الجاهلية، وإن الإسلام أعطى حقوقا للمرأة لم تعطيها الديانات الأخرى لها، فحقوقها في الإسلام غير حقوق المرأة المسيحية أو النصرانية. ومن أبرز هذه الحقوق التي أعطاها لها الإسلام حق الحياة قال تعالى”وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ بِأَيِّ ذَنبٍ قُتِلَتْ”[1]
فالمرأة في الجاهلية كانت تقتل ولما جاء الإسلام أبطل هذه العادة وأعطاها حق الحياة، بل إن الاسلام جعل لمن يربي المرأة ويحسن تربيتها له جزءا من الجنة. ثم إن الإسلا لم يكتفي بذلك فقد أوصانا بالإنفاق عليها حتى لو كان عندها مال كثير وقادرة على الإنفاق على نفسها لابد من إنفاق الزوج على زوجته، والأب على ابنته قال تعالى” اسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنتُم مِّن وُجْدِكُمْ وَلَا تُضَارُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ ۚ وَإِن كُنَّ أُولَاتِ حَمْلٍ فَأَنفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّىٰ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ ۚ فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ ۖ وَأْتَمِرُوا بَيْنَكُم بِمَعْرُوفٍ ۖ وَإِن تَعَاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرَىٰ” [2]
علاوة على ذلك فقد أعطاها حق التعليم وأمرها بطلب العلم فالله عندما أنزل قوله تعالى إقرأ فهذا الخطاب كان موجها لكلا الجنسين المرأة والرجل على حد السوي، وقد كان النبي صل الله عليه وسلم يخصص من وقته لتعليم الصحابيات. وهناك نصوص كثيرة تثبت كل هذا الكلام، وفي العموم أن المرأة شريكة الرجل في هذه الحياة في مسألة إعمار الكون وشريكة الرجل في العبودية دون فرق بينهما من خلال مسألة التوحيد والإعتقاد، والإيمان، وفي الثواب والعقاب.
مؤسسات المجتمع المدني وحقوق المرأة التونسية
قبل أن تثار قضية الميراث في تونس، فقد تمتعت المرأة التونسية بعدة حقوق لم تتمتع بها المرأة العربية في بقية المجتمعات؛ حيث قام الحبيب بورقيبة في عام 1964 بقانون يسمى التنظيم العائلي بحث أن على كل امرأة أن تنجب عدد محدد من الأولاد وقد كان لهذا القانون فوائد كبيرة على صحة المرأة، هذا إلى جانب مطالبتها بإلغاء التعدد.
حيث كانت هناك حركة نسائية تطالب بإلغاء التعدد وقد كانت حبيبة المنشاري هي التي تقود الحركة وكان ذلك سنة 1924 وقد لاقت هذه الحركة تفاعلا من قبل العنصر النسائي، ولعل أبرزهم الحبيب بورقيبة الذي أقر بهذا القانون حيث منع الحجاب ومنع التعدد الذي لازال إلى اليوم قائم في دولة تونس، هذا قبل الثورة. بعد الثورة لم تتحسن ولم تتغير الأوضاع في مسألة مكاسب المرأة وحقوقها، بل زادت الأمور تعقيدا وخاصة لما أعلن الرئيس الباجي قائد السبسي قانون المساواة بين الجنسين في الميراث وقد كان ذلك في عيد المرأة.
ومن أعظم ما كرم به الإسلام المرأة حق الميراث قال تعالى” لِّلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِّمَّا تَرَكَ ٱلْوَٰلِدَانِ وَٱلْأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَآءِ نَصِيبٌ مِّمَّا تَرَكَ ٱلْوَٰلِدَانِ وَٱلْأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ ۚ نَصِيبًا مَّفْرُوضًا ” [3] هذا الموضوع وأقصد موضوع الميراث وفي علاقته بالمرأة التونسية وفي سنة 2017 أثار جدلا كبيرا في الشارع التونسي حيث أصدر رئيس البلاد التونسية الباجي قائد السبسبي قرارا ينادي بتطبيق المساواة بين الرجل والمرأة، حيث لاقى هذا الموضوع بين مؤيدا ورافضا سواء داخل تونس أو خارجها وكان في وقت من الأوقات محل حديث الشارع والقنوات التونسية.
وقد كان هذا البرنامج مجرد اقتراح من بعض الأطراف العلمانية التي تسعى إلى ضرب الهوية الإسلامية في البلاد التونسية. وقد تم تشجيع هذا المشروع من بعض الأحزاب السياسية وعلى رأسهم حزب نداء تونس الذي كان يترأسه رئيس الجمهورية الباجي قائد السبسي، أيضا الشبهة الشعبية هي الأخرى نادت بمبدأ تطبيق المساواة بين الجنسين.
وقد سعت جاهدة إلي تطبيق هذا القانون على أرض الواقع وجعله قانونا ضمن مجلة الأحوال الشخصية، هذا إلى جانب بعض الأشخاص المستقلين الذين أيضا هم بدورهم اعجبوا بهذا القانون ومن بينهم رئيسة لجنة الحريات الفردية بتونس وعضو الجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات بشرى بلحاج التي ردت على لجنة علماء الأزهر في هذا الموضوع وقالت ليس لها الحق في التدخل في القوانين التونسية وتشريعاتها واعتبرت أن هذا القانون هو رد الاعتبار للمرأة التونسية معتبرة أنه لا فرق بين الرجل والمرأة في هذا العصر وأن ما يقوم به الرجل تستطيع المرأة القيام به، فلا داعي إلى اعطاء الرجل في نصيب الميراث أكثر من المرأة، وكل هؤلاء معتبرين أن النص القراني قابل للتغيير والتطور وفق الزمن، بمعنى كل ما تقدم الزمن وتطور يمكن اعادة مراجعة النص القراني وقراءته قراءة تتماشى والعصر الذي نكونو فيه.
الكاتبة رجاء بن سلامة هي الأخرى كانت مؤيدة لهذا القانون، حيث وافقت الرئيس على ذلك واعتبرت أن القانون فيه حركة تنموية في الإقتصاد طالما أن المرأة التونسية اقتحمت القطاع الفلاحي، وقد كتبت على حسابها الفايسبوكي: “800 ألف امرأة تعمل في القطاع الفلاحي نساء هذه البلاد الكادحات يطعمننا، وتموت الكثيرات منهن في شاحنات النقل و62 بالمائة من هؤلاء النسوة يعملن في أراض لا يمتلكنها” وقد ذكرت في اخر كلامها حان الوقت لطي صفحة المظلمة، ونادت بتمرير هذا القانون.
بعض النواب في المجلس مع هذا القانون، لكن لا يعتبرونه مساواة تامة مطلقة وسيكون اختياري في حال إقراره، ويسمح للورثة في اختيار تقسيم تركتهم بحسب القانون الشرعي، لكن في حال اعتراض الورثة فإن الدولة تنصف المرأة.
في المقابل كان هناك جزء كبير من الشعب التونسي رافضا لهذا الموضوع وخاصة النساء، فرغم أن موضوع الميراث كان يصب في صالحهن إلا أن جزء كبير منهن رفضن المساواة في الميراث واعتبر بالنسبة لهن أمر مخالف للشرع وأن ماجاء به النص القراني هو الأصل ولا مجال للتغيير في قانون الميراث في هذه المسألة.
موقف علماء الزيتونة من قضية المساواة في الإرث مع الرجل
أما عن أهل الإختصاص وأقصد علماء الزيتونة ورجال الدين في تونس فهم بدورهم استنكروا ورفضوا رفضا قاطعا هذا القانون واعتبروه ضربا للهوية الإسلامية داخل البلاد التونسية، حيث كتب علماء جامعة الزيتونة عريضة مفادها أن هذا القانون يتعارض مع النص القراني إلى جانب أنه يزلزل أركان الأسرة التونسية ويهدد العلاقات الإجتماعية ويهدد الأمن الإجتماعي.
التنسيقية الوطنية للدفاع عن القران الكريم والدستور والتنمية العادلة بدورها تدخلت وحاولت منع تمرير هذا القانون واعتبرته مخالفة صريحة للقران وهو قانونا يمكن أن يؤدي إلى انقسام المجتمع التونسي وقالت أن القران أعدل من هذا القانون بالنسبة للمرأة، وقد تعهدت بالتصدي لهذا القانون ولأي قانون يمكن أن يمس من القران الكريم.
الأستاذ الدكتور نورالدين الخادمي مدرس بجامعة الزيتونة وعضو التنسيقية ووزير الشؤون الدينية سابقا قد اعتبر هذه المبادرة لا تجوز شرعا وهي مخالفة لنص القران وقال أن أي شخص يطبق أحكام الارث بغير ما جاء به القران فهو عاص لله.
وعلى هذا الأساس قرر علماء الزيتونة ومعهم وزير الشؤون الدينية عزمهم على اصدار فتوى في ذلك الوقت تقر بتحريم انتخاب أي شخص أو أي حزب أقر بالمساواة في الميراث، وأن أي شخص ينتخب هؤولاء يعتبر اثم.
ما يمكن الإشارة إليه والتأكيد عليه أن هذا القانون لم ولن يقبله الشعب التونسي المعروف بتدينه، وأن المرأة التونسية بنفسها لاترضى تجاوز النص القراني باعتبارها امرأة متدينة عالمة بالنص القراني، ويمكن الإشارة إلى أن قانون المساواة في الميراث قد استغلة الرئيس في ذلك الوقت ربما لكسب الأصوات الإنتخابية من طرف العنصر النسائي نظرا لعددهم الكبير داخل المجتمع التونسي ما سيسمح له البقاء في المنصب لأكثر وقت ممكن. وهذا الفكر أيضا قد دعا إليه من قبل الرئيس الحبيب بورقيبة الذي كان دائما يشيد بدور المرأة في المجتمع ويسعى إلى تحقيق المساواة بينها وبين الرجل.
-
عوامل عدم تطبيق قانون المساواة بين المرأة والرجل في الإرث
- أما بالنسبة لمدى تطبيق هذا القانون من عدمه في تونس فهذا أمر مستبعد إن لم يكن مستحيلا، وهذا راجع لعدة عوامل، نذكر منها:
- أولا؛ بسبب تدين المجتمع التونسي ومدى وعيه بخطورة هذا القانون سواء على الأسرة أو على المجتمع.
- ثانيا؛ تشبث علماء الزيتونة ووقوفهم أمام هذا القانون وأمام كل من يريد تطبيقه وإعتراضهم عليه ما جعله يفشل في فترة الحبيب بورقيبة، الأمر ذاته ما جعله يفشل في فترة الباجي قائد السبسي.
- ثالثا؛ وأهم شيء رفض المرأة التونسية لهذا القانون، فرغم أنه يخدمها إلا أن جزء كبير جدا من النساء خرجوا للشارع مطالبين بعدم تمرير هذا القانون واعتبروه ضربا للنص القراني.
كل هذه العوامل جعلت هذا القانون مجرد كلام ولم يستطع في ذلك الوقت أصحاب القرار تمريره ولا تطبيقه على أرض الواقع، وبقي مجرد حلم بالنسبة لهم أرادوا أن يدخلوا به التاريخ ويذكرهم به، فأخزاهم الله فمات الباجي قائد السبسي، ومن قبله الحبيب بورقيبة ومزال القران وتشريعاته ثابتة في تونس، وسيبق كذلك مدام هناك شعب مثقف وعلماء أجلاء أكفاء لا يخافون لومة لائم وخاصة إذا تعلق الأمر بالمسائل الشرعية التي يمكن أن تخرب البيوت والمجتمع، فكما قال الشيخ الطاهر بن عاشور حين أمره الحبيب بورقيبة بأمره إصدار فتوة تقر بإباحة الإفطار من أجل العمل فقد قال”صدق الله وكذب الحبيب بورقيبة” هو الأمر ذاته حين وقفوا علماء الزيتونة بالأمس أمام هذا القانون واقروا بحرمة انتخاب صاحب هذا القانون.
غاية الباجي قائد السبسي من تفعيل قانون المساواة في الميراث
لم تكن غاية الباجي من اثارة هذا القانون من مبدأ الشفقة على المرأة التونسية أو الإهتمام بها، وإنما وكما هو معلوم عند الجميع فقد كانت اثارته لهذا القانون وفي عيد المرأة بالتحديد الذي يكون في 13 اوت من كل سنة إنما هو محاولة كسبهن لمشروعه الانتخابي وخاصة بعد كسبه عدد كبير من صوت المرأة في انتخابات 2014 حيث بلغ عدد أصوات النساء أكثر من مليون صوت الذين صوتوا له. فأراد أن يستغل هذا القانون لمحاولة كسب المزيد من أصواتهم وأيضا لتغطية الفشل على حكومته التي لم تقدر حل المشاكل الإقتصادية والإجتماعية للبلاد.
ومن وجهة نظر خاصة أقول أن هذا الأمر محسوم منذ أن نزل القران الكريم، والله أعدل من كل البشر، وأن الحديث في هكذا مسائل ثابتة يؤدي إلى فتح مسائل دينية أخرى محسومة وثابتة في القران الكريم، وأن الحديث والجدال فيها يعتبر محاربة لشرع الله، بل إن من الأفضل النظر في أوضاع البلاد والعباد والعمل على حل مشاكل الوطن الإقتصادية والاجتماعية.
خاتمة
قانون الميراث ثابت بالنص القراني، ولا يحتاج إلى أي مراجعة، وفي تونس ومع أي رئيس يأتي يحاول تطبيق هذا القانون لكنه يفشل في تطبيقه. فقد حاول الحبيب بورقيبة وفشل ثم من بعده الباجي قائد السبسي وفشل، وحتى لو يأتي رئيس بعده ويحاول في ذلك سيفشل، بكل بساطة لأن الشعب التونسي شعب متدين، ولا يسمح لأي إن كان المساس بشريعتهم التي تربوا عليها. أما عن حقوق المرأة فهي محفوظة بما يمليه القانون الشرعي والقانون الدستوري التونسي.
الهوامش [1] سورة التكوير الاية 8 ،9 [2] سورة الطلاق الاية 6 [3] سورة النساء الاية 7
ملحوظة: المقال إعداد الطالب: مفتاح قاسمي، ومراجعة: أ.د. غوجهان اتمجان، أستاذ التفسير بكلية الالهيات في جامعة سكاريا، تركيا
الموادّ المنشورة في منصتنا تعبر عن آراء كتابها فقط، وليست بالضرورة تعبر عن منصة الإفريقي للمعرفة ومحرريها