جدول المحتويات
استيقظ سكان واغادوغو عن إطلاق نار من القواعد العسكرية الموجودة في العاصمة، وقد بدا الأمر في البداية كتمرد او خلاف كما أكده بيان الرئاسة في النهار؛ لكنه سرعان ما تأكد الخبر وعرف بانقلاب بوركينا فاسو. حيث نشر في صفحة الرئاسة بالفيسبوك بأنه مجرد سوء تفاهم وأن المفاوضات جارية لإيجاد حل توافقي [1]. وبعد غروب الشمس ظهر على شاشة التلفزيون جماعة من العسكر بقيادة الكابتن ابراهيم تراوري معلنا الانقلاب على رئيس المرحلة الانتقالية الملازم بول دامبيبا واتهامه بالخيانة العظمى[2].
وهذا هو ثاني انقلاب عسكري تشهده بوركينا فاسو في غضون 9 أشهر، إذْ انقلبت اللجنة العسكرية بقيادة المقدم بول دامييبا على الرئيس المنتخب روك مارك كابوري، وهو الإتقلاب الأول، وها هو دامبيا يُنقَلَب عليه في 30 سبتمبر 2022م.
أسباب انقلاب بوركينا فاسو
وعن الأسباب فقد ذكر المحلل السياسي موسى جومبانا في منشور له، بأن سبب الانقلاب يكمن في بعض اعضاء اللجنة العسكرية (mpsr) بالتهميش من قبل الرئيس بول داميبا ، وبسبب رفض الرئيس دامبيا بالإفراج عن قائد وحدة (Mamba vert ) في القوات الخاصة ايمانيول زوغرانا (Emanuel zongrana )، بينما يرى اغلبية الجيش بأنه لم يذنب حينما المحاولة الفاشلة للانقلاب على الرئيس الاسبق روك كابوري السيناريوهات المتوقعة [3]، كما أن ازياد سوء الاوضاع الأمنية، من أهم مسببات هذا الانقلاب ،وخاصة بعد الهجوم الارهابي الاخير، حيث أن الحلول الأمنية التي اقترحتها الرئيس دامبيبا.
وقد ساهم السخط الشعبي ضد إدارة دامبيبا للملف الأمني، حيث أنه ينظر اليه كالرجل النائم مقارنة بالقادة الانقلابيين في دول الجوار في مالي وغينيا حيث القرارات التي تتخذ فيها توصف بالشجاعة أو الشعبوية على اختلاف الناس، فالرأي العام الافريقي تتطلب رئيسا شعبويا في الوقت، وخاصة أنه ينظر إلى الرئيس دامبيا كالقريب من فرنسا بينما هناك دعوات إلى التقارب مع روسيا بعد التقدم الأمني التي تشهده جمهورية مالي.
من هو قائد انقلاب بوركينا فاسو الجديد؟
هو الكابتن إبراهيم تروري، ابن 34 عاما، دخل في السلك العسكري في عام 2010، وتدرج ليصبح ملازما في عام 2014، ثم نقيبا في 2020، كان من ضمن الضباط المنقلبون على الرئيس روك كابوري في يناير 2022، وعين يعدها قائدا لقوات المدفعية الواقعة في المنطقة كايا، منصب الذي بشغله إلى انقلاب منذ ابريل الماضي [4].
سبق أن شارك في عمليات عسكرية عدة في شمال وشرق البلاد منذ بداية العمليات العسكرية ضد الجماعات الإرهابية في البلاد.

هل هناك بُعْدٌ جيوسياسي لهذه الأزمة وصراع قوى دولية لفرض الهيمنة؟
الموقف الفرنسي المشبوه
في البيان الذي أصدره القائد الانقلابي الجديد في التلفزيون الوطني، ذكر فيه بأن القائد الانقلابي السابق يقبع في قاعدة كابوسين الفرنسية في ضواحي العاصمة، وفي تصريح له في اذاعة Omega ذكر بأن المعلومات التي في حوزتهم تؤكد ذلك، وفور إعلان هذا الخبر في التليفزيون الرسمي، نزل الشباب إلى الشارع، غاضبا ومعلنا دعمه للقائد الانقلابي الجديد. وعلى إذر ذلك، أُحْرِقتْ بعض الممتلكات والمؤسسات الفرنسية في البلاد، كالسفارة الفرنسية في واغادوغو، والمعهد الفرنسي في بوبو جولاسو بعد أن نُهِبَتْ محتوياتها.
وهذا الموقف، ناجم عن رغبة الشباب البوركينابي في قطع العلاقات مع فرنسا وتكوين شراكة مع قوى أخرى، وبالذات الروس أسوة بالقادة الانقلابيين في جمهورية مالي؛ لأن الجيش المالي حاليا في وضعية الهجوم بدلا من وضعية الدفاع السابقة. وكذلك التأثير السنكاري (نسبة الى توماس سنكارا ) على الشباب البوركينابي يعزز هذا الموقف؛ حيث أن هناك شعور بأن فرنسا هي المسؤولة عن قتل الزعيم توماس سنكارا الذي قُتِلَ منذ عام ١٩٨٧م.
وبما أن القائد الانقلابي الجديد استخدم ورقة فرنسا، فإنه يعلنها صراحة بذهابه إلى معسكر روسيا، وإن لم يكن قد يقصد ذلك، إلا أن الدعم الذي يتلقاه في الشارع البوركينابي سيكون مشروطا بموقفه من فرنسا مما سيجعله يتجه نحو المعسكر الروسي طائعا أم كارها. وهذا ما حدث مع الحالة المالية بعد الانقلاب العسكري الثاني في مايو ٢٠٢١م؛ حيث لم يجد القادة الانقلابيين نقطة رجعة أخرى بسبب الحجة التي استخدموها اثناء الانقلاب.
أما عن الموقف الرسمي، فإن فرنسا أعلنت عن عدم اتخاذها موقف محدد في الأزمة البوركينابية الجارية، وأنها لم تستقبل الملازم بول داميبا كما صرح به المتحدث باسم القائد الانقلابي الجديد.
الدور الروسي
أما عن دور روسيا، فمن المرجح ألا تصدر السفارة الروسية بيانا حول الوضع، بينما قد يكون لها دور في حال استتب الأمر للكابتن إبراهيم تراوري كونه اتخذ طريقا لا رجعة فيه. وعلى الرغم من أن الأزمة بدأت كصراع داخل اللجنة العسكرية (MPSR) التي تحكم البلاد منذ يناير الماضي؛ إلا أنه وبمجرد الإعلان عن وجود الملازم داميبا في القاعدة الفرنسية، جعلت الأزمة تأخذ منحنىً جيوسياسيا ذو صبغة معقدة؛ حيث أعلن بعض المؤثرين الأفارقة المعارضين للسياسة الفرنسية دعمهم للكابتن إبراهيم تراوري. وفي الوقت نفسه، تسعى كل قوة خارجية فاعلة أن يكون الرجل القوي في بوركينا فاسو حليفا لها.
السيناريوهات المحتملة
للانقلاب العسكري في بوركينا فاسو خصوصيته والذي يكمن في صعوبة احكام السيطرة على الجيش، حيث أن كثير من المراقبين يرجحون بضرورة التريث خلال يومين قبل الحكم بنجاح أو فشل الانقلاب، وقد ساهم الانقلاب الفاشل الذي حدث في عام 2015 تعزيز هذه الفرضية ، وهذا ناتج عن طبيعة التوزيع العسكري للجيش في بوركينا فاسو حيث أنه وبخلاف جمهورية مالي متوزع على مختلف انحاء الجمهورية فالسيطرة على العاصمة واغادوغو لا يعني السيطرة على البلاد ،مما يتطلب جهدا أكبر في التوفيق بخلاف الحالة المالية التي لا توجد تكافئ بين القواعد الموجودة في العاصمة والاقاليم الأخرى .
وعدم استطاعة العسكر في الإمساك بالرئيس دامبيبا جعل جميع السيناريوهات مفتوحة رغم أن السيطرة ستكون لمن يستطيع تكوين تحالف أكبر من الأقاليم الأخرى، وسيعتمد الكابتن إبراهيم تروري على قوات كوبرا (Cobra)؛ فضلاً عن وحدة Mamba Vert التابعة للمقدم “زونغرانا”، وكذلك على قواته في المدفعية والدعم الشعبي، بينما سيعتمد المقدم دامبيبا على كبار الجنرالات في الجيش الذين يفضلون الوضع القائم في الغالب، بالإضافة إلى رجاله في القوات الخاصة والدعم الإقليمي.
واستنادا إلى المعلومات والتطورات التي حصلت يوم أمس (السبت 1 أكتوبر الجاري)، حيث حصلت اشتباكات عسكرية بين أنصار الرجلين، فإن دعم القوات الأخرى المتمثلين في الشرطة، وقوات الدرك، وكذلك الدعم الإقليمي المتمثل في منظمة غرب افريقيا ودول الجوار كساحل العاج ومالي والنيجر وغانا ستكون مهمة في تحديد المنتصر، وخاصة إذا قررت إحدى هذه الدول التدخل العسكري لدعم طرف ما. ومن المستبعد أن تدعم فرنسا، التي لها مصالح حية وقاعدة عسكرية في البلاد، صراحة طرفا معينا أو تتخذ موقفا واضحا؛ إذْ يعني ذلك إطلاق رصاصة على نفسها بسبب السخط الشعبي من الوجود الفرنسي في منطقة الساحل.
وبما أنّ دامبيا هو المعترف به، فإنّ حظوظه في الاستمرار أكثر إذا طالت الأزمة وخاصة أنه لم يقدم استقالة رسمية بعد، بينما يجب على الكابتن تراوري إحكام سيطرته على بقية القواعد العسكرية في البلاد في أقصى حد لا يتجاوز يوم الأحد (2 أكتوبر)، ويمكنه الاعتماد على دعم الشارع وجعل الملازم داميبا أمام أمر الواقع، مما سيجعله يضطر لإعلان اللجوء السياسي. إن لم يتعجل دومبيا بحسم الأمر، سيدخل في تاريخ الانقلابات الفاشلة، ويخرج من لعبة الحكم العسكري في بوركينا فاسو، وأنّ المنتصر هو من يكتب تاريخ الأبطال الذين حرروا بوركينا فاسو في هذه الألفية. كما لا يمكن استبعاد دخول طرف ثالث يقدر على جمع كافة المنتسبين للجيش خلفه، ومن ثم اخراج البلاد من الازمة، وان كان سيحدث فسيكون من شخصية توافقية ذات صيت كبير وصاحب رتبة عالية.
وفي حال استمرت الازمة وفشلت الوساطة الداخلية في الجيش، فمن المرجح أن تتدخل بعض المؤثرات في خارج المؤسسة العسكرية، كالزعيم التقليدي للمور (موغو نابا) والذي يعتبر صوته مسموعا جدا، أو من خارج بوركينا فاسو كوَفْد من منظمة غرب افريقيا (إيكواس).
ومما يجب الحذر منه هو إطالة أمد الازمة مما يحولها إلى حرب أهلية داخلية تتدخل فيه القوى الإقليمية والدولية، كما يجب استبعاد هذه الازمة الداخلية عن أي صراع قوى وان كانت أطراف ستستخدم تلك الورقة، بينما ستحاول القوى العظمى أيضا من الاستفادة منها ي ظل الصراع الجيوبوليتكي الذي يدور بين الغرب والشرق.
جدول المحتويات
وأخيرا نسأل الله السلامة والاستقرار لبلد الرجال الأحرار.
المصادر: [1] Communique de la presidence du faso, direction de la communication de la presidence du faso , facebook post , link : https://fr-fr.facebook.com/Presidence.bf/ [2] Coup detat au burkina faso , declaration de larmee , Afrique media , link : https://fb.watch/fUtwF0Fx6J/ [3] Moussa, diombana. Post politics . [4] Le capitaine Ibrahim Traoré prend le pouvoir, omega media, video file, link : https://www.youtube.com/watch?v=BR_4x-A1s9M