في السنوات الأخيرة، زادت وتيرة تطبيع المثلية الجنسية في أفريقيا بشكل ملحوظ، وهو نوع جديد من الاستعمار يعرف بـ “الاستعمار الأخلاقي“. هذا الاستعمار يتمثل في سعي مجموعة ثقافية أو أخلاقية، باستخدام كل ما تملك من قوة، لفرض قيمها وأخلاقها وممارساتها على المجتمعات الأقل قوة، مما يزيد من تأثيرها وسيطرتها على الآخرين.
وقد تصدر اليسار المتطرف في الغرب في هذا النوع من الاستعمار بعد سيطرتها للمشهد السياسي والاقتصادي والإعلامي، وهذا الاستعمار لا يختلف عن الاستعمار السياسي الذي سلب الهوية، أو الاستعمار الاقتصادي الذي نهب الثروات، وما يحصل الآن هو استعمار أخلاقي لوأد الفضيلة[1].
فاليسار المتطرف في الغرب يتزايد نفوذه يوما بعد يوم، ويحقق مكاسب سياسة عديدة في الغرب، كالسماح بالإجهاض وزواج المثليين، وتدريس التنوع في الجنس للأطفال، والسماح لإجراءات تعديل الجنس منذ سنوات مبكرة ودون تدخل الأهل، وتجريم من يعترض على ذلك الأمر[2][3].
فتلك القوى المتطرفة المتحالفة مع قوى الشر من الجن والإنس تسعى لتنفيذ أجندة إبليس في قوله تعالى ” فلآمرتهم فليغيّرن خلق الله “، ويفكر في تصدير تلك الفواحش إلى الدول الإفريقية، التي يعتبرها الغربيون سوقا رائجة للأفكار المنحرفة والآراء الشاذة، مثلما أنها سوقا استهلاكية لصناعتهم، لرفع مكاسبها المادية وبسط أماكن نفوذها.
لا شك أن موضوع البحث واسع ومتشعب، ويغطي ميدانًا كبيرًا، لكن سأحاول في هذه الدراسة تسليط الضوء على جزء من موضوع تطبيع المثلية الجنسية في أفريقيا، وذلك من خلال استعراض جهود الحكومات الغربية ومنظماتها الحكومية وآلياتها لنشر رذيلة المثلية الجنسية في إفريقيا. كما سأتناول ردود أفعال شعوب وحكومات القارة، مع التركيز على البلدان الإفريقية الواقعة جنوب الصحراء الكبرى دون غيرها.
جدول المحتويات
خطورة المثلية الجنسية على الشعوب الإفريقية
إنّ مشروع تطبيع المثلية الجنسية في أفريقيا له خطر عظيم على حياة الناس لا يمكن تقديرها، ففي انتشار فاحشة المثلية تهديد للدين والأسرة التقليدية والصحة والأخلاق، وسبب في قلة الإنجاب وبالتالي قلة السكان في القارة، وتدمير النقاء الأفريقي، وفي نهاية المطاف إبادة شعوب إفريقيا[4] كما عبر عن ذلك رؤساء الكنائس الإفريقية.
وأما خطره على الدين والعقيدة فإن النصوص في القرآن الكريم والسنة الصحيحة، تجرم هذا الفعل المنكر، وتقرر عقوبات صارمة على من ارتكبها في الدنيا والآخرة، وأما الديانة النصرانية فقد نصت على أن الزواج تكون بين الرجل والمرأة فقط[5].
وتجدر الإشارة إلى أن هذه الفاحشة لها دور كبير في انتشار الأمراض الجنسية كالإيدز، فوفقًا لتقديرات سلطات كوت دي إيفوار، التي وردت في الخطة الوطنية الاستراتيجية لمكافحة الإيدز عام 2019م، فإن معدل انتشار فيروس نقص المناعة البشرية بين الرجال، الذين يمارسون الفاحشة مع نفس جنسهم يبلغ 11.57% و22.6% للنساء المتحولات جنسيًا، مقابل 2.39% في عموم السكان (البالغين الذين تتراوح أعمارهم بين 15 و49 عامًا)[6]، إلى غير ذلك من الأخطار المدمرة.
تباين مواقف الدول الإفريقية حول مشكلة المثلية الجنسية
هناك تباين واضح في المواقف والتشريعات بين الدول الإفريقية حول مسألة المثلية الجنسية، فهناك حوالي ثلاثين دولة إفريقية تحظر المثلية، وتجرم زواج المثليين في بلدانها وتعاقب من يفعل ذلك بعقوبة الإعدام ومن تلك الدول السودان وموريتانيا والصومال وفقًا للجمعية الدولية للمثليين والمثليات.[7]
فيما تم إلغاء تجريم العلاقات الجنسية بين المثليين في عدد قليل من البلدان فقط، وهي الرأس الأخضر والغابون وغينيا بيساو وليسوتو وموزمبيق وسيشيل، وفقًا للجمعية الدولية للمثليين والمثليات (ILGA)[8]، وهناك دول لا تسمح بالمثلية الجنسية ولا تجرمه ككوت دي إيفوار[9]،
وتعتبر جنوب أفريقيا هي الدولة الوحيدة في القارة الأفريقية التي تسمح بزواج المثليين، حيث أنها أصدرت قانونا في ذلك عام 2006م[10]، أمّا دول شرق أفريقيا، التي ينتشر فيها التبشير الإنجيلي تُعدُّ الأكثر تشدداً في التعامل مع قضية المثلية على عكس دول غرب أفريقيا التي تنتشر فيها الكاثوليكية[11].
آليات الغرب المؤثرة على تطبيع المثلية الجنسية في أفريقيا
إن الحكومات الغربية ومؤسساتها تستخدم آليات وسائل عديدة، لتمرير مشروع المثلية الجنسية في القارة الإفريقية، تنوعت تلك الآليات ما بين آليات دبلوماسية واقتصادية وإعلامية وغيرها، ومن تلك الآليات:
أولا: الدبلوماسية
وذلك باستغلال المؤتمرات والزيارات الرسمية بين زعماء الدول الغربية وزعماء الدول الإفريقية، فالأمين العام السابق للأمم المتحدة بان كي مون كان دائما في زياراته الإفريقية ينصب نفسه محاميا للدفاع عن المثليين الأفارقة، ففي عام 2012م طالب في خطابه في القمة الثامنة عشرة للاتحاد الأفريقي في أديس أبابا من الدول الأفريقية احترام حقوق المثليين [12]، وتكرر منه ذلك أيضا في زيارته في بوركينافاسو في عام 2016م[13].
وقد كان الرئيس الأمريكي باراك أوباما خلال فترات حكمه دائما يستغل زياراته الإفريقية لدعوة البلدان الإفريقية، وحثها على تقبل هذا المثلية والمثليين، وإلغاء تجريمه، إلا أن طلبه قوبل بالرفض القاطع من الرئيس السنغالي السابق ماكي سال[14]، كما طالب أيضا خلال زبارته لكينيا بتحقيق المساواة للمثليين في إفريقيا[15].
ثانيا: هيئات الأمم المتحدة ومؤسساتها
ومن أبرزها مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، فهو أداة من أدوات ممارسة الضغط على الدول الأعضاء بشدة لقبول مقرراته في هذا الشأن[16]، وإبطال القوانين المجرمة للمثليين تحت غطاء حماية حقوق الإنسان [17].
ثالثا: المساعدات التنموية للدول الإفريقية
فالوكالة الأمريكية للتنمية الدولية (USAID) تستخدم مساعداتها لإلغاء تجريم المثلية الجنسية في العالم[18]، و في عام 2014م قام البنك الدولي بإيقاف قرض لأوغندا بسبب قوانينها ضد المثليين في البلاد، وهدد رئيس البنك الدولي أوغندا أيضا بإثناء الشركات الدولية الراغبة في الاستثمار أو بدء أنشطتها في أوغندا[19]،
كما طالب البرلمان الأوربي من الاتحاد الأوربي إعادة النظر في استراتيجيتهم للمساعدات في التعاون الإنمائي تجاه أوغندا ونيجيريا ومنح الأفضلية، لإعادة توجيه تلك المساعدات نحو المجتمع المدني ومنظمات أخرى[20].
وفي عام 2014م رفضت غامبيا مساعدات الاتحاد الأوربي التي كانت مشروطة بتخفيف الحملة المناهضة للمثليين في غامبيا[21].
رابعا: دعم المنظمات المدافعة عن حقوق المثليين في إفريقيا
فقد تعهدت وزارة الخارجية الأمريكية بدعم المنظمات غير الحكومية والجمعيات ومنظمات المجتمع المدني، وتمويل برامجها وأنشطتها المتعلقة بالمثليين وحماية حقوقهم [22] .
وفي 11 يناير 2011م أعلن الاتحاد الأوروبي عن منح مساعدة بقيمة 300،000 يورو لمنظمة مثليي الجنس في الكاميرون ، تم على إثره استدعاء ممثل الاتحاد الأوروبي في الكاميرون من قبل وزير الشؤون الخارجية، للإعراب عن استياءها من منح هذا التمويل[23].
خامسا: البرامج الإعلامية
يتم عن طريقها بث برامج إعلامية من أفلام وغيرها ذات منحى مثلي، ففي الكاميرون مثلا أمر المجلس الوطني للاتصالات (CNC) بإيقاف بث قناة “كانال بلس إيل CANAL + ” بسبب بثها برامج “ذات اتجاه مثلي”، وأعرب المجلس عن استياءه من البرامج التي تروج لممارسات فاضحة ذات اتجاه مثلي وتنتهك القوانين والقيم السائدة في البلاد[24].
سادسا: التربية والتعليم
يعمل الداعمون لفاحشة المثلية الجنسية الشاذة وعولمتها على التبشير بها من خلال المناهج الدراسية والكتب والمجلات والمواقع الإلكترونية بشكل مباشر أو غير مباشر، كما يعملون على نشرها في المدارس والجامعات والمكتبات، وتقديم الأموال الطائلة في إعداد البرامج الدراسية التي تزيّن الفاحشة، واستغلال موضوع التثقيف الجنسي الصحي أو مادة التربية الجنسية في بعض البلاد لتطبيع المثلية،
وبفعل تيقظ بعض الدول وانتباهتها قد أفشلت تلك المحاولات، وأو قفتها قبل فوات الأوان، بسبب ضغوطات داخلية أو غيرها، ففي سنة 2018م تخلت حكومة مالي عن إعداد كتيب مدرسي تم تصميمه بدعم مالي من هولندا، لاحتواء الكتيب على فصل بعنوان “التوجّه الجنسي”، بعد حملة بدأت قبل بضعة أيام من قِبَل محمود ديكو رئيس المجلس الإسلامي في مالي [25].
وفي شهر أكتوبر سنة 2003م أثار نشر مقتطف من برنامج التثقيف الصحي الجنسي، الذي يجري تجربته في مدارس بنين منذ عام 2017م جدلاً حادًا في كوتونو، حيث قال باحث بينيني: ‘لا لإدخال المثلية الجنسية في التعليم في أفريقيا بشكل عام وفي بنين بشكل خاص’[26].
وقامت تنزانيا في عام 2003م التي تعتبر المثلية الجنسية جريمة، بمنع عدة كتب للأطفال في المدارس، بما في ذلك الكتب التي تتناول التثقيف الجنسي[27].
وفي التعليم الجامعي يتم نشر الإباحية والشذوذ في قالب علمي، وفكري، وفلسفي،
وأحيانا بطرق غير مباشرة، وأحيانا أخرى بطرق مباشرة جدا ولا تخلو المدارس والجامعات الحكومية من هذه اللوثة، لكنها بشكل أكبر في المدارس والجامعات الأجنبية والعالمية ويجب الانتباه لما يرد فيها من أفكار مادية إلحادية[28].
سابعا: تجنيد الأشخاص وتحويلهم إلى مثليين
أكدت بعض المنظمات النشطة للحقوق المثلية في أوغندا أن نشطاء المثلية الغربيين يدفعون أموالًا لشباب أوغنديين لـ “تجنيد” الأشخاص وتحويلهم إلى مثليين[29].
ثامنا: استهداف أفارقة الشتات (في الغرب)
إنّ الأفارقة المقيمين في الدول الغربية وأبناءهم مستهدفون ببرامج تقبل المثلية الجنسية عن طريق تيسير منحهم حق اللجوء السياسي والإقامة الدائمة أو الحصول على الجنسية، ليكون هؤلاء أدوات للدول الغربية في نشر المثلية.
تاسعا: استغلال المؤتمرات الكنسية
فقد تم عقد مؤتمر بين الأساقفة الغربيين والأساقفة الأفارقة عن الأسرة استمر لمدة عامين من أجل محاولة تمرير مشروع قبول المثليين ومباركة زيجاتهم في الكنائس من قبل القساوسة الأفارقة، إلا أن هذا المؤتمر أظهر في السطح اختلافات عميقة بين الفريقين[30]،
وقد فشلت تلك المحاولة فلم تحقق الهدف المرجو من خلاله، حيث اصطدم بمعارضة عدد من الأساقفة في إفريقيا وغيرها، اعتبروا أن الغرب يرغب في فرض رؤيته للمثلية الجنسية على الأفارقة[31].
عاشرا: منظمات حقوق الإنسان الدولية والإفريقية
من آليات الضغط على الحكومات الإفريقية وشعوبها لتطبيع المثلية الجنسية، ما تقوم به تلك المنظمات من دفاع عن المثليين في القارة الإفريقية تحت غطاء الدفاع عن حقوق الإنسان، فبمجرد تحرك الناس للتنديد بالمثلية وأصحابها، أو تتحرك حكومة إفريقية وأجهزتها التشريعية لتجريم المثلية وحماية الشعوب منها، تتحرك تلك المنظمات فورا لإصدار بيانات استنكار لذلك، مطالبة بحماية المثليين ورفع القوانين المجرمة لأفعالهم، ومن أبرز تلك المنظمات منظمة العفو الدولية (AMNESTY) والفيدرالية الدولية لحقوق الإنسان (FIDH) واللجنة الأفريقية لحقوق الإنسان والشعوب ( CADHP ) وغيرها من المنظمات الدولية والمحلية.
ردود الأفعال الإفريقية على مشروع تطبيع المثلية الجنسية في أفريقيا
بالنظر إلى الجهود المبذولة للغرب ومؤسساته لتطبيع المثلية الجنسية، ونشرها في إفريقيا نلحظ أنها لم تحقق كل أهدافها في أرض الواقع، بل لقيت تلك الجهود استنكار شديد ومعارضة قوية من مختلف أطياف المجتمع الإفريقي، ورأت في المحاولات الغربية لنشر المثلية تهديدا حقيقيا لعقيدتها وثقافتها وعاداتها وتقاليدها، وأن محاولة فرضها على المجتمعات الإفريقية هو نوع من استعمار أخلاقي، لا يقل شأنا عن الاستعمار السياسي والاقتصادي التي تمارس ضدهم.
ويمكن رصد بعض ردود الأفعال الإفريقية لنشر فاحشة المثلية من خلال ما يلي:
أولا: الكنائس النصرانية في إفريقيا
حيث وقفت صفا واحدا ضد المثلية الجنسية عندما نشرت مؤسسة العقيدة والإيمان (le dicastère pour la doctrine de la foi) ، التابعة لبابا الفاتيكان رئيس الكنيسة الكاثوليكية في يوم 11 ديسمبر 2023م، بيانا بموافقة الفاتيكان على مباركة زواج المثليين في الكنائس،
وقوبل البيان باستنكار شديد، ومعارضة قوية، وسارع رؤساء الكنائس الإفريفية في مختلف الدول بإصدار بيانات انتقاد القرار، خاصة في مالاوي ونيجيريا وزامبيا، جمهورية الكونغو الديمقراطية، وعبر رؤساء الأساقفة في إفريقيا ومدغشقر (SCEAM) في يوم 11/1/ 20024م في اجتماع خاص لذلك في أكرا بغانا، بأن مباركة الزواجات من نفس الجنس خروج عن الطقوس الكنسية وانحراف عن التقاليد المسيحية المتبعة، واختراق للقيم والتقاليد الدينية المتبعة،
وهذا فيه تجاوز للموقف الرسمي للكنيسة الكاثوليكية، وطلب المجتمعون في هذا المؤتمر من مسيحيي القارة بعدم التأثر بقرار الفاتيكان ووجوب الثبات على العقيدة المسيحية[32]،
وتعد هذه المعارضة سابقة تاريخية في تاريخ الكنيسة المسيحية، فلم يسبق أن ابتعد جميع الأساقفة في قارة واحدة علنا بهذه الطريقة عن توجيهات الكنيسة في روما[33]، وأظهرت انقساما عقائديا، شكّل في حد ذاته انشقاقًا على المستوى الإيديولوجي، حتى وإن لم يحدث انقسام رسمي أو انفصال بين الفريقين حتى الآن[34].
ثانيا: الحكومات الإفريقية والمؤسسات التشريعية
عبرت العديد من الحكومات الإفريقية، ورؤساء الدول في لقاءاتهم الثنائية مع نظرائهم الغربيين معارضتهم الشديدة للمثلية الجنسية في بلادهم، وقد ذكرنا سابقا بعضا من تلك المواقف المعارضة بشدة للمثلية والمثليين في بلادهم، ومن أشدهم رئيس بورندي إيفاريست ندايشيمي، الذي قال في لقاء صحفي: أن قبول المثلية يجذب اللعنة للبلد، وأن عقوبة المثليين هو جمعهم في ملعب ورجمهم بالحجارة[35].
ولقد سعتْ بعض برلمانات الدول الإفريقية جاهدة، رغم الضغوطات الغربية، وسنتْ قوانين صارمة تجرم المثليين وأنشطتهم في القارة الإفريقية، حفاظا على الدين ومفهوم الأسرة،
وقد قامت العديد من المؤسسات التشريعية في بعض البلدان، التي لم تكن فيها قوانين تجريم المثلية بسنّ قوانين صارمة ضد المثلية، ومعاقبة كل البرامج والأنشطة لنشر المثلية، ففي مالي مثلا صوت المجلس الوطني الانتقالي (CNT) في شهر أكتوبر الماضي (2024)، على قانون يجرم العلاقات الجنسية المثلية بالإضافة إلى ترويجها أو الدفاع عنها[36]،
واعتمد البرلمان الغاني مشروع قانون لتوسيع نطاق العقوبات الجنائية يوسع نطاق العقوبات الجنائية ضد الأشخاص من مجتمع الميم (LGBT+) ومؤيديهم، بالإضافة إلى ترويج وتمويل الأنشطة المتعلقة بذلك، مع عقوبات تصل إلى 3 و5 سنوات من السجن و10 سنوات إذا تم تعريض القاصرين لذلك[37].
وفي غينيا أكد رئيس البرلمان الانتقالي خلال عرض مشروع الدستور الجديد أن الزواج هو عبارة عن اتحاد بين رجل وامرأة، وبالتالي لن يتضمن الدستور الجديد قانونا يسمح بالمثلية الجنسية[38].
فهذه البرلمانات وغيرها في بعض الدول الإفريقية تسعى جاهدة – رغم الضغوطات الغربية- لسن قوانين صارمة تجرم المثليين وأنشطتهم في القارة الإفريقية، حفاظا على الدين ومفهوم الأسرة، كما تدل على عدم ارتياح لفاحشة المثلية وأنشطتها، التي أصبحت تهدد العقائد الدينية للمجتمعات، وتقوض كيان الأسرة التقليدية.
ثالثا: الشعوب الإفريقية
هناك استياء شديد بين الشعوب الإفريقية بمختلف أطيافها الدينية والعرقية من فاحشة المثلية الجنسية، يؤكد ذلك تلك المظاهرات التي تخرج في أكثر من دولة، ومن مختلف المنظمات والديانات ضد فاحشة المثلية الجنسية، كما حصل في كينيا في أكتوبر عام 2003م[39] ، وخروج آلاف المتظاهرين في السنغال استجابة لدعوة 125 جمعية ضد فاحشة المثلية الجنسية[40].
وفي أغسطس عام 2024م شهدت وسائل التواصل الاجتماعي في ساحل العاج مبادرة رقمية، حيث قام آلاف من مستخدمي الإنترنت الإيفواريين بنشر رسائل للتنديد ومعارضة تطبيع المثلية الجنسية في البلاد، جاء ذلك بعد ظهور مقطع فيديو لشباب إيفواريون يلبسون ملابس نسائية[41]
فتلك التحركات من قبل شعوب القارة في مختلف الدول تؤكد رفضا قاطعا لفاحشة المثلية، وأنه سلوك مشين مخالف للدين والفطرة السليمة.
رابعا: منظمات غربية مناهضة لنشر المثلية الجنسية في القارة الإفريقية
ظهرت تيارات أخرى في الغرب تقاوم تمدد اليسار المتطرف الغربي وأنشطته في إفريقيا، فقد ذكرت وسيلة الإعلام OpenDemocracy في 20 أكتوبر 2020 م أن أكثر من 20 مجموعة دينية أمريكية تناضل ضد المثلية الجنسية وأنشطتها، قدمت ما لا يقل عن 54 مليون دولار لحكومات إفريقية مختلفة منذ عام 2007، بما في ذلك 20 مليون دولار لأوغندا. لسن قوانين صارمة لمحاربة المثلية الجنسية[42]، فالصراع محتدم بين التيارين الغربيين في بلادها وخارجها من أجل كسب المؤيدين لها، وتوسيع مناطق نفوذها في العالم وفي إفريقيا خصوصا.
استمرار الصمود الإفريقي المعارض للمثلية الجنسية أمام الضغوطات الغربية
إنّ المتابع لظاهرة نشر تطبيع المثلية الجنسية في أفريقيا، على الرغم من الإغراءات والضغوطات، يلحظ أنه لازال هناك مقاومة شرشة لهذا المنكر، ومعارضة شديدة لنشرها بين الناس، إلا أن السؤال المطروح هو: هل ستستسلم الأفارقة الذين مازالوا يعارضون فاحشة المثلية للضغوطات الغربية؟
هذا السؤال، ستجيب عليه السنوات القادمة في ظل حملة شرشة على المجتمعات الإفريقية، التي باتت تتأرجح ما بين المحافظة على تقاليدها الدينية وهويتها الثقافية، وبين الرضوخ للضغوطات الغربية، التي تسعى جاهدة للتأثير على تلك المجتمعات، وجعل المثلية الجنسية ثقافة من ثقافة تلك المجتمعات.
إلا أن استمرار الضغط والمراوغة في ذلك، قد يجعل الإقرار بها مسألة وقت، طالما لا يوجد قوة صلبة مضادة لهذه الحملة الغربية، خاصة هم الآن يركزون في المرحلة الأولى على إلغاء تجريم فاحشة المثلية الجنسية من كافة التشريعات والقوانين المحلية، تماشيا مع التوجه العالمي[43].
الخاتمة والتوصيات
فمن خلال ما ذُكِر سابقا، يظهر أنّ محاولات نشر ثقافة تطبيع المثلية الجنسية في أفريقيا تتم بآليات ووسائل مختلفة، وعلى الرغم من تسامح بعض الدول الإفريقية بمسألة المثلية، إلا أن تلك المحاولات تصطدم برفض شديد لهذه الممارسة القذرة، وتتصاعد ردود الأفعال الرافضة في العديد من الدول، عن طريق قيام المجالس التشريعية بسن قوانين صارمة ضد المثلية وأنشطتها.
فرفض الشعوب والحكومات لمشروع تطبيع المثلية الجنسية في أفريقيا يؤكد على أن فاحشة المثلية لا تتوافق مع قيم المجتمعات الإفريقية وتقاليدها الراسخة ولا تحظى بقبول بين الناس، وهذا يدفع إلى التساؤل إلى متى سيظل الشعوب الإفريقية قادرة على الاستمرار في الصمود أمام الضغوطات والإغراءات الغربية؟
التوصيات
ولمنع انتشار فاحشة المثلية والتصدي لها في إفريقيا، يوصي الباحث بما يلي:
- التركيز على التربية الأسرية الإسلامية الصحيحة.
- توعية المجتمعات بخطورة فاحشة المثلية الجنسية وآليات نشرها.
- الوقوف مع كل من يحارب نشر فاحشة المثلية في القارة الإفريقية.
- إجراء دراسات ميدانية لكل دولة حول المثلية الجنسية في إفريقيا.
- تأييد الحكومات في خطواتها لمنع انتشار الفاحشة، وعدم تركها وحدها في مواجهة الضغوطات الغربية.
- القيام بدراسات علمية حول الجمعيات الإفريقية والغربية المدافعة عن المثليين.
- مراقبة البرامج الإعلامية ومواقع الانترنت ووسائل التواصل الاجتماعي التي تنشر المثلية الجنسية.
- الاهتمام بعلاج حالات الشذوذ، وتطوير الوسائل العلاجية التي تساعد الشاذ على التخلص من هذا الداء.
_________________________________ انتهى ______________________________
____________________
الهوامش والإحالات
___________________
[1] – شبسكي حسين، أوغندا… معركة وأد الفضيلة، صحيفة الشرق الأوسط، الثلاثاء – 16 ذو القِعدة 1444 هـ – 6 يونيو 2023 م.
[2] – المصدر السابق.
[3] – يلاحظ في الفترة الأخيرة قيام الحكومات الغربية وفي سبيل سعيها لفرض تقبل المثلية لدى المجتمعات في العالم، أصبحت تعين في المناصب العليا كرؤساء الحكومات أو الوزراء أو السفراء أشخاص مثلية، متبجحا بأن ذلك هو المساواة وعدم التمييز، ففي فرنسا تم تعيين رجل مثلي الجنس في منصب رئيس الوزراء في عام 2024م، وهناك أيضا عدد من حكومات الدول الغربية يوجد بها عدد من الوزراء مثليي الجنس، كما في حكومة الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترمب.
[4] – Moreau, Bettina, L’Afrique subsaharienne, une région à réputation LGBTI+phobe, 26/12/2023 Institut du Genre en Géopolitique, https://igg-geo.org/?p=14251.
[5] – ibid
[6] – https://www.lemonde.fr/afrique/article/2024/05/27/l
[7] – www.ilga.org/fr
[8] – ibid
[9] – www.lemonde.fr/afrique/article/2024/05/27/
[10] – Le Monde avec AFP ,Les évêques africains s’opposent à la bénédiction des couples homosexuels autorisée par le pape, 12 janvier 2024, www. journal.lemonde.fr.
[11] – شبسكي حسين، أوغندا… معركة وأد الفضيلة، صحيفة الشرق الأوسط، الثلاثاء – 16 ذو القِعدة 1444 هـ – 6 يونيو 2023 م.
[12] – https://www.20minutes.fr/societe/869158-20120129.
[13] – RAMDE, Filiga Anselme, www.lefaso.net/spip.php?article70028
[14] – duhem, Vincent, 27/6/ 2013, www.jeuneafrique.com/169966/politique
[15] – Au Kenya, Obama réclame l’« égalité des droits » pour les homosexuels en Afrique, 27/07/2015. www.lemonde.fr/ameriques/article
[16] – طه أحمد، المثلية الجنسية بين الإسلام والعلمانية، الطبعة الالكترونية الأولى، 1442-2021م، الناشر: مدونة أمتي، .ص: 92.
[17] – موقع المقوضية السامية لحقوق الإنسان: www.ohchr.org/ar/sexual-orientation-and-gender-identity
[18] – The Biden-Harris Administration Is Advancing LGBTQI+ Human Rights at Home and Across the Globe, 17/5/20021, www.whitehouse.gov/briefing-room/statements-releases.
[19] – www.bbc.com/arabic/worldnews/2014/02/140228
[20] – seneplus.com
[21] –
[22] The Biden-Harris Administration Is Advancing LGBTQI+ Human Rights at Home and Across the Globe, 17/5/20021, www.whitehouse.gov/
[23]– تقرير منظمة ” AMNESTY INTERNATIONAL” يونيو 2013م، www.amnesty.be/IMG/pdf/rapport_homophobie_afrique pdf
[24] = Glez, Damien, Au Cameroun, Canal+ Elles suspendue pour programmes « à tendance homosexuelle » www.jeuneafrique.com/1486159/
[25] – www.voaafrique.com.
[26] – www. africa.la-croix.com.
[27] – www.voaafrique.com/a/tanzanie-des-livres-contraires-aux-normes-morales-bannis-
[28] – طه أحمد، المثلية الجنسية بين الإسلام والعلمانية، الطبعة الالكترونية الأولى، 1442-2021م، الناشر: مدونة أمتي، .ص: 188.
[29] – تقرير منظمة ” AMNESTY INTERNATIONAL” يونيو 2013م، www.amnesty.be/IMG/pdf/rapport_homophobie_afrique pdf
[30] – MBARDOUNKA , Chérif Ousman. Op.ct.
[31] – MBARDOUNKA , Chérif Ousman. Op.ct.
[32] – Koundouno, Sâa Robert, Bénédiction des couples homosexuels : les Évêques africains rejettent l’idée, 14/1/20024, www.mediaguinee.com.
[33] – de Senneville, Loup Besmond, Bénédictions des couples homosexuels : le « non » des évêques africains, 11/1/20024 .www.la-croix.com/
[34] – MBARDOUNKA , Chérif Ousman. Op.ct.
[35] – https://www.hrw.org/news/2024/01/19/burundi-president-stokes-fear-among-lgbt-people
[36] – https://www.stophomophobie.com/le-mali-adopte-une-loi-penalisant-lhomosexualite-un-tournant-legislatif-sous-le-regime-militaire
[37] – https://www.stophomophobie.com/le-ghana-durcit-sa-legislation-anti-lgbt
[38] – https://www.visionguinee.info/la-guinee-nautorisera-pas-lhomosexualite-le-mariage-cest-lunion-entre-un-homme-et-une-femme
[39] – https://www.rfi.fr/fr/afrique/20231007-kenya-manifestation-contre-la-communaut%C3%A9-lgbtq
[40] – https://www.francetvinfo.fr/monde/afrique/societe-africaine/senegal-quand-les-traditionalistes-manifestent-contre-lhomosexualite
[41] – https://www.adheos.org/cote-divoire-mobilisation-en-ligne-contre-lhomosexualite
[42] – تقرير منظمة ” AMNESTY INTERNATIONAL” يونيو 2013م، www.amnesty.be/IMG/pdf/rapport_homophobie_afrique pdf
[43] – طه أحمد، المثلية الجنسية بين الإسلام والعلمانية، الطبعة الالكترونية الأولى، 1442-2021م، الناشر: مدونة أمتي، .ص: 92.