تجولت في إحدى المرات عبر منصات العالم الافتراضي كالآخرين، (فيسبوك، تويتر…) فما من دار أو دكانا أغشى إلا وأقف على لوحات، تم تقييد أسماء عليها: اكتئاب، حزن، تشاؤم – مستحيل – هزيمة وغيرها الكثير، لم ترق لي أبداً، فقررت أن:
أضع قلمي على سفح هذه الوريقة قبل أن يصيبه الملل أو أن تغازله إحدى تلك الأسماء التي من أجلها سال لعاب هذا المَطرق، فاخترت لينجز ما أنيط به قبل أن ينفد حبره، فسطر حروفا لأولئك الذين لا يرون في الحياة إلا ظلاما دامسا، ومع كل هذا لا تجد أشرهَ منهم يصبو لتنفس الهواء، فلم لا يتجرعون بياض الكلمات ليرتَـووا منها ؟!، ويرحبوا بكل ما هو جميل، كـ “استبشار، فأل – مسرة، ابتهاج، جَذَل – اكتساح، غلبة انتصار، الممكن المستطاع التحقيق”، فهل يضيرك في شيء ؟!،
أتعرف لماذا؟!
لأنّ الواقع الذي تشكو منه ليس أبكما، إنه بليغ فصيح، يحتاج منك إلى استنطاقه وخربشته؛ ليدُرّ عليك بحلوله المخبأة، وحروفه المنيرة، اِجرِف مسارك المظلم الثابت المتجمّد إلى مسار ثوري حاد بـــ “لا مُقام لك أيتها الأفكار السوداء اليوم، بل الساعة”، تنجم أن تفتح أبواب قصرك (عقلك) للأفكار الأصلح؛ ليسطع نجمها وتقلدها زمام المناصب العالية الناصعة البياض، والنور؛ لتتخذ القرارات المعينة على العودة والنظر في الدواء المسكن (الأفكار المظلمة)، وتغييره بعلاج فعّال ليكون ثابتا متمكنا كأعمدة إنارة راسخة في بيئة المجتمع تضيء الطريق، ولئلا ترحب بكل فكرة زائرة فوق ظهرها السواد كـ“الحزن، الأسى…، وأن نـزُجّ بها بعيدا كمرمى أولاد يلعبون الكورة في الشارع، فإذا ما أوشكَ الهدف أن يصيب مرماهم ركَـلوا الأحجار التي تحدد المرمى.
من هذه الزاوية يجب أن نسمح للأفكار الآفلة بالصعود إلى معالم الصحف، التي يرتادها المئات كل يوم لعلها تهدي أحدنا وتنير عتمته، ففي قصر مدينة العقل هناك الكثير من الأفكار القاطنة، لكن أين المفر؟ افتحوا لها الأبواب الموصدة، واستحضروا لها قوله سبحانه: {لا تيأسوا}، {لا تحزنوا}، {لا تقنطوا}، بدل قبعك الدائم لتلك الألفاظ التي سبق ذكرها في مطلع النص، وهي ذاتها قتمة، فما بالك وأنت حبيسها كل يوم؟! مع أنك عليها بجَبّار، احزم أمرك ولَملِم شتاتك، فإن “خير البر عاجله”.
أزِل الثقل والانطفاء والظلام الحالك بداخلك، واستبدله بالخفة والنور الساطع لتستنير حالُك. أدِرْ مَصلاك صوب الصباح(القِبْلَة)، وكبّر، ثم قف منتصباً خاضعاً، ناجِهِ كثيراً ولا تخجلْ، فإنّه يعلم كيف حالك!
حينها ستشعر بدفْءٍ عظيم، لا كالدفء في الشتاء عند التحليق حول النار أو التلذذ بنفثات التدفئة الحديثة. إن هذا الدفء عجيب، ترى من نافذته كيف مجرى حياتك يسير بسلاسة! ستَحِسُّ حتْماً أنّ هناك من يهتم لأمرك، متقبلا لك في كل هيئة، لا يوصَد بابه أبدا، ليل نهار، يترقّب عودتك إليه في كل حين؛ لأنه تعالى جواد كريم. إنْ صَدقت في ذلك، تجد نفسك تقول: {الحمد لله الذي أذهب عنّا الحَزَن}،
واتّجِهْ لكتاب ربك، ففيه قوله تعالى: {وإنه لهُدىً ورحمة للمؤمنين}، إنه النور الهادي المبين إلى الصراط المستقيم، المصباح الأول الذي ينفض عنك الأتربة والبقع التي سودت لديك الحياة، واترك اختلاط الأفكار في المواسم، فإن كل شيء بقدر.
قيل: “إن المرء إذا حزن، استدعى كل أحزانه السابقة، كأن حزناً واحداً لا يكفيه”!
فَلِمَ تـنـخـارُ وتستسلم لكل هذا؟! ولديك رب كريم، رحمته وسعت كل شيء، حيث يقول: {ادعوني أستجب لكم}.