تركّز هذه المقالة على مفهوم “صورة الزنجي في المتخيّل العربي” وتستعرض كيف تشكّلت صورة نمطية سلبية تجاه الزنوج في التراث العربي، متأثرة بخرافات توراتية ونظريات يونانية قديمة، ما أدى إلى تبني نظرة دونية تجاه ذوي البشرة السوداء، رغم مبادئ المساواة التي أسسها الإسلام. وتناقش المقالة أيضًا تناقضات بعض الفقهاء الذين وقعوا تحت تأثير هذه النظرة، كما ترصد ردود أفعال الزنوج، بما فيها المساجلات الشعرية، لإبراز فخرهم بأصولهم. وتختم المقالة بالدعوة لتعزيز الوعي بالتاريخ الأفريقي ومراجعة المناهج التعليمية لترسيخ قيم الاحترام والتنوع.
___________
جدول المحتويات
المقدمة: صورة الزنجي في المتخيّل العربي
في إحدى مقالاته الرائعة، تحت عنوان: “الفقه العنصري” يبدي الدكتور عمر وندي كوندي الغينى، استغرابه جرّاء بعض الآراء الفقهية التي تحمل في طياتها معاني التحيّز، والتحامل السافر ضد العرق الزنجي، مثيرا بعض التساؤلات الشائكة في قوله: “لا ينقضي عجبي عندما أقرأ حديث نبي العدالة، بأبي هو وأمي صلوات ربي وسلامه عليه، وهو يقول: “لا فضل لعربي على أعجمي، ولا لأعجمي على عربي، ولا لأبيض على أسود، ولا لأسود على أبيض إلا بالتقوى، كلكم من آدم، وآدم من تراب، إن الله قد أذهب عنكم عُبيّة الجاهلية وفخرها بالآباء، الناس إما مؤمن تقي أو فاجر شقي.”
وأقرأ تنديده لأبي ذر الغفاري (غفر الله له) عندما عيّر بلالاً بأمه، قائلا له: “يا ابن السوداء.” فقال له نبي العدالة: “يا أبا ذر إنك امرؤٌ فيك جاهلية”. ثم أتفاجأ بفقهٍ عنصريّ ممن يُسمَّون بالفقهاء، يقولون في كتبهم الفقهية: إنّ غير العربي ليس بكفءٍ لامرأة عربيةٍ، وإنّ السواد من العيوب. ما لهم كيف يحكمون، وإلى أيّ فقهٍ يُنتسَبون؟(1)
قلت تعقيبا: إنه لمحرج حقا، أنْ نجد مثل هذه النصوص المتناقضة لمنهاج الرسالة النبوية السمحة، تُنسب إلى فقهاء أجلّاء، منْ هم بحجم إمام دار الهجرة “مالك ابن أنس”، والمجدّد شيخ الإسلام ابن تيميّة وغيرهم. ولعل ما نحتاجه حيال هذه القضية، ليس مجرّد تفنيد هذه الفرّية، وتبرئة الإسلام منها، ثم نمرّ مرور الكرام؛ بل أنْ نتساءل أيضا عنْ:
- ما جذور هذه النّظرة الدونية تجاه ذوي البشرة السوداء؟
- ما هي دوافعها، وسياقها التاريخي في التراث العربي الإسلامي؟
- وكيف تفاعل الزّنوج وقتئذ مع هذه النزعة الاستعلائية، وهذا التّحيّز الجائر ضدّهم؟
- وماهو المنهج الأمثل الذي ينبغي على المستعرب الأفريقي (الزّنجي) سلوكه في التعامل مع عنصرية العرب عموما؟
فلكل حدثٍ، كما يقول أ. محمد البشير، مفهومان: مفهوم حين يقع، ومفهوم آخر ينتج من السؤال، لماذا وقع ؟
وللإجابة على السؤال الأخير (لماذا وقع؟)، وبقية الأسئلة المطروحة، نقسم هذه الدراسة إلى أربعة أقسام أساسية. ففي القسم الأول، سنسلّط الضوء على جذور التحيّز العربي ضد الزنوج، المتجذّرة من التراث اليوناني القديم والخرافات التّوراتيّة السحيقة، وكيف تأثرت العرب بهذه النظريات المنحازة ضدّ الزنوج، ابتداء من العصر الجاهلي، إلى العهد الإسلامي، الذي لم يسلم من تأثيرات هذه النظريات المنحازة المتناقضة لبيضة الإسلام. وهو جوهر مفهوم “صورة الزنجي في المتخيّل العربي”.
وفي العنصر الثاني سنقف مليّا لنتسائل عن دوافع اختلاق بعض العلماء في أحاديث كاذبة، تسوّغ الصورة السلبية المتحيزة ضد الزّنوج، مع علمهم أنّ من كذَب على النبي متعمّدا فليتبوّأ مقعده من النّار. ثم سنناقش ظاهرة المفاخرة على أساس اللون، التي اتّسمت بها علاقة العرب والزنوج قديما وحديثا، والتي تحدث غالبا في شكل مساجلة شعرية. وأخيرا سنصل إلى العنصر الرابع والأخير، وفيه نطرح رأينا عن الأسلوب الأمثل الذي ينبغي أن يقابل به المستعرب الأفريقي الزنجي عنصرية العرب عموما.
أولا: جذور التحيّز العربي ضد الزّنوج وتأثيراتها على التراث الإسلامي
ولمعرفة من أيْن انبثقت هذه النزعة العنصرية ضد الزنوج، التي عكّرت صفو العلاقة العربية الزنجية، قد نستعير مقتطفات من مقالة بحثية للدكتور محمد المختار الشنقيطي، حملت عنوان: “نرجسية الريادة ولِجام الإسلام“، وفيها يُميط اللّثام عن جذور التحيّز العربي تجاه الزنوج، مؤكدا أنّ أصلها راجع إلى التّقليد البليد لخرافات توراتيّة، أو نظريّات عرقيّة يونانيّة، تتناول أصل الزنج وصفاتهم.
مثل القصّة التي وردت في نصوص التّوراة المحرّفة، مفادها: “أن نوحا شربَ فَسَكِر، وتعرّى في خيمته، فرأى حامٌ أبو كنعان عورة أبيه، فأخبر أخويه، وهما: خارجا، فأخذ سامٌ وياقث ثوبا، وألقياه على أكتافهما. ومشيا إلى الوراء ليسترا عورة أبيهما. وكان وجهاهما إلى الخلف، فما أبصرا عورة أبيهما.
فلما أفاق نوحٌ من سُكره، علم بما فعل به ابنه الصغير، فقال: ملعون كنعانٌ، عبداً ذليلا يكون لإخوته. وقد اتّخذ اليهود والنصارى في الماضي من هذه القصة تفسيرا لسواد السودان، ودليلا على أنهم أولاد حامِ بن نوحٍ، وأنّ استرقاقهم قَدَرٌ إلهيّ، لا اعتراض عليه!.(2)
أما الجذور اليونانية لهذه النظرة العنصرية ضد الزنوج، فهي جزء من حصاد العلوم البُدائية في تصنيف البشر وطبائعهم إبّان العصر اليوناني القديم. وذلك ما يرويها لنا القزويني بقوله: “زعم الحكماء[من اليونان] أنهم [أيْ الزنوج ] شرّ الناس، ولهذا يقال لهم سباع الإنس. وقال جاليوس: الزنج خُصّصوا بأمور عشرة: سواد اللون، وفلفلة الشَّعر، وفَطْس الأنف، وغلظ الشفة، وتشقُّق اليد والكعبين، ونتن الرائحة، وكثرة الطّرب، وقلّة العقل، وأكل بعضهم بعضا.(3)
ثم تأثّرت العرب بهذه النّظريّات اليونانيّة، والخرافات التّوراتيّة، المتحيّزة ضدّ العرق الزنجي، قبل بزوغ شمس الإسلام، وفسّروا السواد بالشّؤْم. وكانوا يَئِدون من البنات من كانت زرقاء أو شيما [سوداء]..تشاؤما منهم بهذه الصفات(4). أمّا إذا كان للرجل منهم ولدٌ من أَمَةٍ سوداء استعبده، ولعل أبرز انعكاس لهذه الظاهرة المشينة ما نجده في قصائد عنترة بن شدّاد، الذي لم يتوانَ عن التّعبير عمّا يلاقيه من أفراد قبيلته، من الاستبعاد والجفاء؛ بسبب سواد بشرته. زمن ذلك قوله(5):
لَايَحمِلُ الحِقدَ مَنْ َتعْلوا ِبه الرُّتَبُ وَلَايَنَالُ الْعُلَا منْ طَبْعُه الْغَضَبُ
وَمنْ يَكُنْ عبد قوٍم لايُخَالِفُهمْ إذا َجَفوْهُ ويَسْترضِي إذَاعَتَبُوا.
هذه كانت في أيام الجاهلية، وتلك كانت عقلية أهلها تجاه الزنوج، وقد مضى زمنُ الجاهلية وانقرض، ولها ما لها، وعليها ما عليها. لكن الكارثة الكبرى، هي تسرّب هذه الخرافات في التراث العربي الإسلامي، ويعكس ذلك بوضوح، بعض الصّور النّمطية السلبيّة تجاه الزنوج، التي زخِرت بها بعض الكتب الأدبية، والقصص العربية، في العصر الذّهبي للإسلام، ما يمكن إجمالها فيما يلي:
1. في الأدب العربي
ونجد نماذج من الشعر العنصري ضد الزنوج في أشعار بعض العرب، كتلك العبارات المسيئة لكرامة الإنسان التي ردّدها صاحب “منظومة الفراسة”(6) في قوله:
وفي الزّنج غِلظ الطّباع وفيهمُ ميْل إلى البضاعِ.
مافيهمُ لناكحيهم منية ولا لقانيهم غدا من بغية
إلا لأهل الرّيف والرستاق وكلّ ذي أمر شديد شاقِ.
بَرهمُ لذاك ربّ النّاس فلا تكن عليهم بالآسي
ولاريب أنّ أبيات المتنبي الاستنقاصية العنصرية ضد ملك مصر، كافور الإخشيدي، لهي منْ أقسى ما عُيّر بها الزنجي، وأشدّها وقعاً في نفوس السود،(7) إذْ يقول:
من علّم الأسود المخصيّ مكرُمة أقَوْمُه البيض أم آباؤه الصّيد
أم أذنه في يد النّخّاس دامية؟ أم قدره وهو بالفلسين مردود
وذاك أن الفحول البيض عاجزة عن الجميل فكيف الخصيّة السود
بَيْدَ أنّ أبيات المتنبي العنصرية، وإنْ قالها في كافورٍ بعدما يئس من عطاياه، وهو الذي شبّه كافورَ عندما كان طامعا فيه بالشّمس المنيرة السوداء، التى تخجل أمامها الشمس البيضاء، إلا أنّه لم يتعدَّ كونه عبّر عن تلك الثقافة العنصرية ضد ذوي البشرة السوداء، التي كانت تسود في الجزيرة العربية. وقد قيل: إنّ الشعر هو مرآةُ المجتمع وقضاياه.
2. في القصص العربية
ويؤكد لنا الجاحظ هذه الفلسفة الاستعلائية التي كانت تعاني منها الزنوج من قبل العرب في إحدى رسائله التي ردّ من خلالها على من طالبه بالكتابة عن مفاخر السودان، قائلا له:
“ذكرتَ -أعاذك الله من الغش- أنك قرأت كتابي في مُحاجة الصحراء للهجناء، ورد الهجناء، وجواب أخوال الهجناء، وأني لم أذكر فيه شيئا عن مفاخر السودان.(…)، وقد ذكرت أنك أحببت أنْ أكتب لك مفاخر السودان، فقد كتبت لك ماحضرني من مفاخرهم.(8)
وماذكره الجاحظ هنا، دليل على ماكان الزّنوج يتعرّضون له من الحيف الاجتماعي في الصحراء وقتذاك. ففي رسالته المذكورة آنفا، يستعرض لنا الجاحظ أمثلة من مظاهر هذا الحيف الاجتماعي الجائر، كقوله في الرد على من وصم الزنجي بضعف الذاكرة:
” وقد قال ناس: إنهم صاروا أسخياء لضعف عقولهم، ولقصر روياتهم، ولجهلهم بالعواقب.”
فقلنا لهم: بئس ما أثنيتم على السخاء والأثرة، وينبغي في هذا القياس، أنْ يكون أوفر الناس عقلاً، وأكثر الناس علماً(9)، غير أنّ الأخير ذاته لم يسلم من نقل بعض الترّهات عن السود. ففي نفس الرسالة “فخر السودان على البيضان” التى من المفترض أنها مفاخرة منهم [أيْ الزنوج] على غيرهم، يذكر مثلاً: أنّ الزنجية تلد نحوا خمسين بطناً، في نحو خمسين عاما، في كل بطن اثنين. كما زعم الجاحظ في كتاب الحيوان، أنّ الزنج نوعان: أحدهما يفخر بالعدد، وهم يسمّون النّمل، والآخر يفخر بالصّبر وعظم الأبدان، وهم يسمّون الكلاب(10).
وحتى ابن خلدون، ذو العقل الواسع، والذّهن الوقّاد، وقع في هذا التحيّز العرقي، فكتب: إنما تذعن للرق في الغالب أمم السودان؛ لنقص الإنسانية فيهم، وقربهم من عرض الحيوانات العجم(11). وعلى خُطى الأخير سار الإدريسي، الذي وصف الزنوج بالشهوانية، والبيهيمية، والبلادة، على نحو ما نجد في قوله: “وهذا الأمر الذي جئنا به من سرقة قوم أبناء قومٍ في بلاد السودان، طبعٌ موجودٌ فيهم، لايرون به بأساً. وهم أكثر الناس فساداً، ونكاحاً، وأغرزهم أبناءً وبناتاً، وقلّما توجد فيهم المرأة إلا ويتبعها أربعة أولادٍ، أو خمسة، وهم في ذاتهم كالبهائم(12).
3. في الفقه الإسلامي والحديث النبوي
ومن الواضح أنّ الاستهتار في التحيّز ضدّ الشعوب السودانية، قد بلغ حدّ اختلاق أحاديث، ونسبتها إلى النبي صلى الله عليه وسلم، تُسوّغ هذه الصورة السلبية المتحيزة. وقد أجمل الدكتور عمر وندي كوندي، في مقالة أخرى تحت عنوان: “تعريب الأسماء” عددا من هذه الأحاديث المختلقة، التى تنبع بالعنصرية، وتشوّه صورة الإسلام. وولقد فنّدها، وبيّن فريتها بالحجج الدامغة، وبنظرة أصولية ثاقبة.
منها، حديث: “أُحِبّ العرب لثلاث: لأني عربي، والقرآن عربي، وكلام أهل الجنة عربي.” وحديث: “من أحبّ العرب فبحبّي أحبّهم، ومن أبغض العرب فببغضي أبغصهم.” ومن ذلك أيضا حديث: “حُبّ العربِ إيمانٌ، وبغضهم كفر.”(13)
ويبدو أنّ هذه المختلقات، أثمرتْ آراءَ فقهيّة غريبة، وقد خصّص الفقيه الشيعي الكليني، من كتابه الكافي بعنوان: “باب من كُره مناكحته من الأكراد والسودان وغيرهم.” وظهر كذلك في الفقه السنيّ رأْيٌ غريبٌ، هو منْع مِنْ “أكل ذبيحة الزنجي” الذي رواه ابن حزم، عنْ أحد فقهاء التابعين، وهو طاووس بن كيسان (33_106ه/65-724م) (14).
وقد حملت القيم الإسلامية بعض أهل الحديث على رفض التنميط لهذه الأقوام المسلمة، وردّ الأحاديث المختلَقة التي تسيء إليهم؛ لتناقضها مع بدئَه التصوّر والخُلق الإسلامي (15 ). على أنّ دكتور نادر كاظم برأيه، أنّ مجرّد القول بكذب هذه الأحاديث؛ لا يُنهي المشكلة، فلما تضطرّ الثقافة (يعنى العربية) إلى الكذب؟ ولماذا تكذب على الرسول وهي تعلم أنّ من كذَب عليه متعمّدا فليتبوّأ مقعده من النّار؟ (16)
ثانيا: دوافع اختلاق أحاديث تسوّغ الصورة النّمطية السلبية المتحيزة ضد الزّنوج
يجيب الدكتور الشنقيطي على السؤال السابق معلِّلاً: “أنّ سبب ظهور هذه الصور النمطية السلبية ضد الزنوج، هو تراجع قيم المساواة الإسلامية في النّفوس، وهيمنة الثقافة الإمبراطورية. فالنّص الإسلامي اهتمّ بمسألة النظرة الدونية، والحيف الاجتماعي المسلّط على الزنوج، في فترة مبكّرة من تاريخ الإسلام. فقد أكّد النبي (صلى اللّٰه عليه وسلم) مبدأ المساواة بين الأسود وغيره بصراحةٍ لا لبس فيها في خطبة حجّة الوداع التى تضمّنت قيماً اجتماعيةً تأسيسيةً(17).
فكانت صورة الزّنج في مُخيلة المسلمين الأوائل، تتجاذب بين آليتين متصارعتين، عبر عنهما دكتور نادر كاظم بـ “آلية الدمج والاحتضان وآلية الطرد والاعتزال“. وهكذا، فإنّ الأولى تخلق هويّة ثقافية منفتحة ومتسامحة، بفعل رسوخ قيم الإسلام في النفوس، فيما إنْ تراجعت تلك القيم وانطفأت جذوتها في النفوس، تغلّبت الآلية الثانية التي تصنع هوية مغلقة، ومتوحّشةً، ومتصارعة مع الآخر.
ولعل الحضور القويّ لهؤلاء السود على مشهد الأحداث في عهد الرسول (صلى الله عليه وسلم) يكفي دليلاً على ما نسمّيه هنا بآلية الدمج والاحتضان. وفي المقابل، فإنّ اعتزالهم الحياة العامة بعد وفاة الرسول (صلى الله عليه وسلم) يعكس بوضوحٍ مدى الغلبة التى تمتعت بها آلية الطّرد في ثقافة العرب(18).
فبلال بن رباحٍ، اختار الخروج إلى الشام بعد وفاة الرسول، وآثر حياة العزلة هناك حتى توفي عام 20 أو 21 هجرية. وقيل إنّ أبابكرة مولى الحارث بن كلدة الثقفي، نزل البصرة ولم يُسمع عنه شيءٌ حتى مات. وذهب وحشي بن حرب إلى حمص في آخر حياته، وظلّ بها حتّى مات.”(19)
وزاد الطينة بلّة؛ تزامُن هذه الاختراقات لقيم المساواة بين العرب والزنوج، مع انطلاقة حركة الفتوحات الإسلامية، وماصاحب ذلك من سيادةٍ عربيةٍ إسلاميةٍ على عالم العصر الوسيط، وتجارة المحيط الهندي بما فيه الساحل الأفريقي الشرقي والغربي. ومن المعروف، أنّ تجارة الرّقيق تعاظمت مع انتشار الفتوحات الإسلامية، […] ومع هذا التّعاظم في تجارة الرّق، خرج الرّق عنْ مفهومه كما حدّده الإسلام، […] وعندئذ كان لزاماً على الثقافة ( أي العرب) أنْ تشتقّ تبريراتها للفصل الاجتماعي الهائل بين العبد وسيّده.
وذلك من خلال إشاعة تلك الصور النّمطية عن السود والزنوج، مما يسمح للسيد العربيّ باستعبادهم واسترقاقهم(20). وفي هذه اللحظة من القرن الثالث الهجري على وجه التقريب، تشكّلت أضخم صورة نمطيّة عرفتها الثقافة العربية عن السود، بوصفهم بهائم هائمة، أو سباعاً هائجة، أو مخلوقاتٍ في مرتبة بين البشر والحيوانات. فهكذا كان الرّقيق الأسود في أدنى مرتبةٍ في السّلّم الاجتماعي، وعلى مكانة هؤلاء الرّقيق المتدنّية، قيستْ مكانة شعوبهم بالكامل!(21).
ومما يصوّر هذه الحقبة التي توارت فيها القيم الإسلامية، وهيمنت الثقافة الإمبراطورية على النفوس تصويرا بارعاً، ما نجده في قول أبي الحسن الندوي، وهو يصف استبداد بعض الأشخاص بالملك ممن كانوا يسمون بالخليفة بقوله: “لقد أتى على العالم العربيّ عهدٌ في التاريخ، كانت الحياة فيه تدور حول فردٍ واحدٍ، وهو شخصُ الخليفةِ أو الملك، […] وكانت البلاد تعتبر مِلكا شخصيا لذلك الفرد السعيد، والأُمّة كلها فوْجاً من المماليك والعبيد […]، فلأجل هذا الفرد، يتعب الفلاح، ويشتغل التاجر، ويجتهد الصانع، ويؤلّف المؤلّف، وينظّم الشاعر، […] هذا هو العهد الذي ازدهر في الشّرق طويلاً، وترك رواسبَ في حياة هذه الأمة ونفوسها، وفي أدبها وشعرها، وأخلاقها واجتماعاتها، وخلّف آثاراً باقية في المكتبة العربية(22).
وبالتالي، فإنّ هذا العهد الذي يمثّله كتاب “ألف ليلة وليلة” بأساطيره وقصصه، وكتاب “الأغاني” بتاريخه وأدبه، لم يكنْ عهداً إسلاميّاً، ولا عهداً طبيعيّاً معقولاً، فلا يرضاه الإسلام، ولا يقرّه العقل(23).
وبمعرفتنا لماسبق؛ فلن تعود هنالك دواعٍ للاستغراب، إنْ وُجد من بين علماء السّلاطين في هذا العهد بالذات؛ مَنْ كذَب على الرسول بأحاديثَ لا تستقيم، مع تسامح الإسلام واعترافه بكرامة الإنسان، ولدوافعَ سياسية، وأخرى اقتصادية، كوضع أحاديث تسوّغ استرقاق الزنوج مثلا!.
ولا يظنّن ظانٌّ، أنّ كلّ من ورد عنه من السلف نصوص ذات دلالات عنصرية ضد السود يسيغ إدراجه في دائرة علماء السّلاطين، واضعي أسس الأحاديث العنصرية؛ لهدف إقصاء السود واستعبادهم؛ بل إنّ بعضهم قد يقع في فخوخ هذه النّصوص المتناقضة منْ حيث لا يدري. كما رأينا سابقا، كيف أنّ الجاحظ نقل بعض الترّهات عن الزنوج في رسالته التى كتبها دفاعا عنهم وبيان فضلهم.
وقد ذكر الشنقيطي، وهو يتحدّث عن تمحور العرب حول ذواتهم خلال فترة تصدّرهم لتاريخ البشرية، “أنّ ابنَ القيم نسب إلى بعض الفقهاء تحريم العمائم على غير المسلمين، وعلّلوا ذلك بحجّة غريبة، لا صلة لها بتعليل الأحكام الشّرعية، وهي: أنّ “العمائم تيجان العرب وعزّها على من سواها”(24). وإذا ثبت، إذًا، ما يُروى عن الإمام مالك -رحمه الله- أنه قال: “من تكلم بغير العربية في مسجدنا هذا -يقصد المسجد النبوي- أخرجناه”.
فإنه لا يتجاوز كونه وقع ضحيّة هذه النصوص المختلقة، وليس قصده في ذلك انتقاصا من شأن الأجناس غير الناطقة بالعربية بتاتا. وقس على ذلك ماورد عن ابن عرفة الدسوقي المالكي (1230 هـ / 1815 م) في حاشيته على الشرح الكبير للدردير على مختصر خليل؛ حيث اعتبر “السواد من العيوب في النكاح، ويفسخ به النكاح.” وقُل الشيء ذاته على ما روي عن ابن تيميّة قوله: “أنّ جنس العرب أفضل من العجم.” وهكذا دواليك.
ومهما يكن الأمر، فإنّ علماء الزنوج ونبغاءهم -قديما وحديثا- لم يقفوا مكتوفي الأيدي جراء هذه العقلية الاستعلائية العنصرية ضدهم؛ بل اتسمت العلاقة العربية-الزنجية في كثير من الأحيان بالشدّ والجذب، والمساجلة الشعرية، حملت معاني التفاخر حيناً، والتّنابذ في بعض الأحيان.
ثالثا: ردود أفعال الزنوج تجاه التحيّز العربي
1. في العصر الذّهبي الإسلامي
وفي سياق هذا التفاخر بين العرب والسود، استفاض الجاحظ في الحديث، عارضاً نماذجَ من المساجلة الشعرية، وقعت بين بعض نجباء السودان، ونبغاء العرب، كتلك القصة التي دارت بين جرير (33ه110 هج /653-728م) والشاعر الزنجي الحيقطان. وقد رأى الأوّل الأخير يوم عيدٍ في قميصٍ أبيضَ، وهو أسودٌ، فقال هاجيا:
كأنه لما بدا للنّاس أير حمار لُفّ في قرطاس
فلما سمع بذلك الحيقطان ردّ على جريرٍ بقصيدة، وصفها الجاحظ بأنها “يحتجّ بها العجم والحبش (يعني السود) على العرب(25)، يقول في مطلعها:
لئن كنتُ جعد الرأس والجلد فاحم فإنّي لسبط الكفّ والعزّ أزهر
وإنّ سواد اللَّون ليس بضائري إذا كنت يوم الروع بالسّيف أخطر
فإذا كنت تبغي الفخر في غير كنهه فرهط النّجاشي منك في النّاس أفخر
إلى قوله:
ولقمان منهم وابنه وابن أمّه وأبرهة الملك الذي ليس ينكسر
غزاكم أبو يكسوم في أمّ داركم وأنتم كقبض الرمّل أو هو أكثر
وأنتم كطير الماء لما هوى لها ببلقعة، حجن المخالب أكدر
ويبدو أنّ جريراً لم يعِ الدّرس الذي تلقّاه من الحيقطان في قصيدته النّارية سالفة الذكر؛ حيث نجده في موطنٍ آخر يُعيّرُ الزنوج في أبياتٍ هَجا فيها بني تغلب، وهو يقول:
لا تطلبنّ خؤولة في تغلب فالزنج أكرم منهم أخوالا
إلا أنّ شاعرا زنجيا آخر، يُدعى سنح بن رباح شار، كان له بالمرصاد في هذه المرة؛ حيث ردّ عليه بقصيدةٍ لا تقل قساوةً في ألفاظها من قصيدة الحيقطان(26)، وفيها يقول:
مابال كلبٍ من كليب سبّنا أن لم يوازن حاجيًا وعقالا
إن امرأ جعل المراغة وابنها مثل الفرزدق جائر قد قالا
والزّنج لو لاقيتهم في صفّهم لاقيت ثمَّ جحاجحا أبطالا
وحتى وصل عند قوله:
فلنحن أنجب من كليب خؤولة ولأنت أَلْأَم منهم أخوالا
وهكذا يتّضح أنّ العلاقات الزنجية العربية في ظلّ تراجعِ قيم المساواة الإسلامية في النّفوس، اتسمت بتوتّر دائم؛ بل ظلّت على هذا النحو حتى في العصر الراهن، الذي توارت فيه تلكم القيم النبيلة أكثر من ذي قبل.
2. في العصر الحديث
وإذا كانت العرب في القديم دأبت على إطلاق بعض العبارات ذات مدلولاتٍ تحقيرية للزّتوح، مثل “العلج” من العلوج، و”الغراب الأسود”، و”العبد الأسود”، أو “يابن السّوداء”، تلك الإطلاقات العنصرية التي كانت تنطلق كالشّرر من بين خلجات القوم في حالات التوتر والإثارة (27)؛ فإنّ بعض العرب في العصر الحديث مازالت تحتفظ برواسب هذا الإرث الجاهلي.
ففى بعض دول المغرب العربي (الجزائر، وتونس، وربما ليبيا)، يُطلق على الزنوج عبارة “كَحْلُوشْ” وهي كلمة ذات دلالاتٍ عنصريةٍ تُستخدم في تلك اللهجات المحلية للإشارة إلى ذوي البشرة السوداء. وتقال غالبا كأداة نداء مثل تعال “ياكحلوش”، وأمشي “ياكحلوش”. بينما في مصر على سبيل المثال، ينادون الزنوج بـ “السّمّارة” للإشارة إلى لون بشرة صاحبها.
ففي مَعرِض حديثه عن تجاربه أثناء رحلاته لطلب العلم، يحكي لنا الشيخ إبراهيم المالي، أنّه لما وصل إلى مصر، فوجئ بأنه يُنادَى “بالسّمّارة”، فسَأل عن معنى الكلمة، فقيل له إنّ السّمّارة تعنى ” الأسود “، فكانت ردّة فعل الشيخ حيال ذلك أنْ كتب منظومةً عَنْونَها بـ “مدّ يد العون لحلّ مشكلة اللّون“، يقول فيها:
وإني مــــــــدين للــــــــسّواد لأنـّــــه جمّــاع لكــل الخــير فــيما أشــاهد
كغــيم حديــد والمــداد مــع الـــمقل وأجـــود أنـــواع التّمُـــورالمـــسوّد
فلـــو فقـــد الخلـــق الـــسواد لأُقحطوا ولا أبصروا شيئا ولا العلـم أوجـدوا
ولولا سواد المسك والكحـل والحنـا لمـا اكتملـت هنـد ولا مـال أو غدوا
وفيها أيضا:
وما مسّني رقٌّ وإن كنت أسودا وما كان جدّي قطّ للشمس يسجد
فخذها على مهل كنفثة شاعر ولا ترميَنّ بالجهل من ليس يقصد (28 )
وعلى غرار إبراهيم المالي، سار شاعرٌ ماليٌّ آخر، وهو الشيخ أحمد حيدرا، الذي دفعته المضايقات التى كان يجدها أيام دراسته في مصر، إلى كتابة أبياتٍ بليغة يعتزّ فيها بزنجيته. وقد نالت تلك الأبيات شعبية واسعة، في أوساط المستعربين الأفارقة(29)، وفيها يقول:
زنوجٌ نحن لا نبغي بديلا وذلك إرثنا جيلا وجيلا
ولسنا من تميم أو كلاب وإنا لن نكون لها دخيلا
فما التّعريب نقبله صراطا ولن نرضى به دهرا بديلا
فإن الدّين دين عالمي كفى القرآن في هذا دليلا
خلقت الناس من ذكر وأنثى جعلتموه قبائل جلّ قيلا
نحب محمدا فهو الأمين ويا أهلا به فينا رسولا
والحقّ أنّ علاقة الزنوج بالعرب على مستوى الأفراد، تشهد في الآونة الأخيرة تدهوراً لم يسبق له مثيل، وأنّ ما نشهده من ظاهرة كُره العربِ المستشري بين شباب أفريقيا اليوم، أتت في سياق ردّة فعلٍ للممارسات العنصرية التى يتعرّضون لها أثناء إقامتهم في الدول العربية، أو مرورهم بها قصد الهجرة إلى أروبا.
وهذه هي الحقيقة التى ينبغي أنْ نتقبّلها على مرارتها. مما يفسّر تفاقم هذه الظاهرة في هذا العصر بالذات، الذي وصلت فيه إلى حدّ التعصب في بعض الأحيان، ويمكننا تفصيل ذلك في النقاط التالية:
- أنّ الإنسان الأفريقي المسلم مجبول على حب العرب، وإعطائهم انطباعا سياديّا على غيرهم من المسلمين غير العرب. وذلك نابعٌ عنْ حبّه للإسلام الذي قرأ، أو سمع، أنه وصل إلى أفريقيا بواسطة العرب، وأنّ رسول الإسلام كان عربيا، مما نتج عنه ربط الكائن الأفريقي-غالبا- كل ماهو عربي بالإسلام. وبالتالي فعندما يبدأ ذلك الأفريقي بالتّعرف على البلدان العربية والاحتكاك بالعرب، قد يتفاجأ ببعض التّصرّفات اللا إنسانية التى يتعرّض لها في الشارع العربي، مما يجعل العديد من الأفارقة (الزنوج)، الذين أقاموا في البلدان العربية- إما لغرض الدراسة أو العمل- يغيّرون الرأي تجاه العرب عموما؛ بل يذهب بعضهم إلى درجة كُره العرب وكل ماله صلة بهم. ولدينا أمثلة حية لذلك، وقد يذكر ذلك في محل آخر.
- دور منصّات التواصل الاجتماعي (فيسبوك-تيكتوك-) ذات التأثير القوي والسريع في تسليط الضوء على الجرائم العنصرية التي يتعرّض لها الأفارقة المهاجرين (الزنوج) في الدول العربية، ونشرها على نطاق واسع؛ حيث أصبح بوسع أيّ فرد- بفضل كاميرات الهواتف الذكية- أنْ يلتقط أيّ حدثٍ يمرّبه في اليوم، ومن ثمّ نشره ليطوف العالم في غضون 24ساعة، مما يثير استياء جلّ الأفارقة وهم يشاهدون إخوانهم يهانون يوميا في البلدان العربية.
- في ضوء هذه المعطيات، تشهد أفريقيا في الآونة الأخيرة ارتفاعا كبيرا في الوعي العرقي والقاري لدى أغلب أبنائها، وذلك بفعل تأثير خطاب القوميين الأفارقة، الذين تصدّروا المشهد في السّنوات الأخيرة، والذين تتمثّل طبيعة نضالهم في دعوة الأفارقة إلى التحرّر من هيمنة الثقافات الوافدة (الشرقية والغربية)، والعودة إلى الذات الأفريقية. الأمر الذي أيقظ شرارة الثورة ضد استعلاء العرب في نفوس أغلب الزنوج، ومنهم حملة الثقافة الإسلامية العربية، ما يطرح تساؤلات عدة حول مستقبل العلاقة العربية الزنجية.
رابعا: الطريقة المثلى في التعامل مع التحيّز العربي ضد الزّنوج
في خضمّ هذه الجدلية حول صورة الزنجي في مخيّلة العربي، فإنّ ما ذهب إليه الدكتور طه حسين توري الإيفواري، هو: “أنّ التاريخ الأفريقي (الزنجي) في تَملْملٍ بين أمّتين، تحاول إحداهما انتحال جميع نجاحات الأمّة الإفريقية لنفسها، بينما تسعى الأخرى إلى إلغاء تاريخ الرجل الأسود أساساً، وذلك بأنْ يصوَّر للرجل الأسود أنّه كان في القديم غوغائياً، لا يجتمع له شأنٌ حتّى إذا وصل هذا –الدّعي- ترحمّ، فتفضلّ عليه فجعل له تاريخًا !!.(30)
وتأسيسا على ما سبق، وبغض النّظر عن هوية الأمم المذكورة في كلام الدكتور، فيرى الكاتب أنّ المهمَّة التى يجب أنْ يضطلع بها المستعرب الأفريق في مقابل هذا الحيف المسلّط عليه من قبل الأمم، هو الاهتمام أولاً بتاريخ أفريقيا قرءاة وكتابة؛ والبحث عن القيم الأفريقية النبيلة، التي كان يتّسم بها الأسلاف قبل اتصالهم بالأمم الأخرى؛ لبناء الهوية الأفريقية المسلوبة، أو المشوّهة من جديد.
وبذلك يتوصّلون إلى دحض جميع المزاعم الدونية تجاه ذوي البشرة السوداء. وستعتزّ الأجيال القادمة بنفسها، وتاريخها المجيد. ولتحقيق ذلك يجب أخذ عدة أمور بعين الاعتبار:
- إدراج في المؤسّسات التعليمية العربية (المدارس والجامعات الأهلية) بأفريقيا جنوب الصحراء تاريخ الأفارقة (الزنوج) الصحيح في مناهجها التعليمية، وعلى القائمين عليها تعليم الجيل الجديد تاريخهم، وربطهم بجذورهم الأفريقية، مع زرع الوعي وإحياء روح الشجاعة والنّقد في هذا الجيل الجديد؛ بحيث يتمكّنون من مواجهة تلك الصور النمطية المشوهة لكرامة الإنسان (أحاديث كانت أو آراء فقهيّة) بالرفض والتكذيب، لا سيما إذا كانت مخالفتها لتعاليم الإسلام بادية للعيان.
- العمل على إنشاء مراكز بحثية ومنصّات إعلامية أفريقية مستقلّة، تديرها أيادٍ أفريقية، وتعمل على إيجاد الوعي في صفوف المستعربين الأفارقة (الزنوج)، وتعكس الواقع الأفريقي بكل دقّة وموضوعيّة، بعيدا عن الصّور النّمطيّة السلبيّة التى اعتادت المنصّات الإعلامية الأجنبية المنحازة، نقلها عن الأفارقة (الزنوج).
- ولا يتحقق كل ذلك ما لم يستقلّ المستعرب الأفريقي (الزّنجي) ماديّا وتعليميا؛ بحيث لا يكون همّ الشباب بعد الثانوية، مجرّد التقديم لمنحة يحصل عليها من الدول العربية؛ بل يجب على المستعرب الأفريقي أنْ يستغني عما لديهم، من تبرّعات وزكوات، كي يفرض احترامه على الآخر، ومكتفيا بذاته وبإمكانيته وإن كانت محدودة. ومادام المستعربون الأفارقة مستمرّين في التّطفّل على موائد الآخرين، والتّضارب والتّباغض من أجل مالدى الآخر، فإنّ تقدير الآخر لهم، يبقى طلبا بعيد المنال.
وتجدر الإشارة إلى أنّ ليس كل العرب من لديهم تلك الثقافة الاستعلائية ضد السود، وإنما يوجد غلاة من بينهم، لا سيما الذين تأثروا بأفكار “القومية العربية” ممن لا يزالون يحتفظون بتلك العقلية العنصرية، فتعميم الحكم على العرب في هذه الحالة غير مقبول، وإنما يؤخذ كل بما عمل أو قال.
الخاتمة
وفي الختام، على كلا الطرفين (العربي والزنجي) أنْ يعي أنّ تنوّع الألوان في البشرة، دليل على بديع صنع الله سبحانه، وأنّ ألوان البشرة أصلا ليس معيارا للتفاضل؛ إنما الكفاءات الفردية، هي التى تُحدث فوارق جوهرية بين البشر. ولحكمةٍ بالغة، خلق الله البشر على ألوانٍ مختلفة؛ لتعزيز التعارف والتواصل بينهم “… وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم”.
فيجب أنْ نعمل جميعا على تعزيز قيم المساواة الإسلامية في النّفوس، وأنْ نبني جسور التواصل والتعارف، لا التّباغض والتباعد، بيننا، ينتهي إلى التضامن والتكاتف من أجل العمل معا لسعادة بني الإنسان. نعم؛ قلت إنسان، وفقط إنسان، ومن ابتغى وراء ذلك، ولجأ إلى العصبية العرقية أو القبلية، فما علينا إلا أنْ نقول له ماقال الرسول عليه الصلاة والسلام: “دعوها فإنها منتنة.“
_____________________
الهوامش والاحالات
_____________________
- الدكتور عمر وندي كوندي، الفقه العنصري: صفحة أعلام أفريقيا السمراء/فيسبوك 24_8/2024/تم التصفّح بتاريخ 19 سبتمبر 2024
- الدكتور محمد المختار الشنقيطي، نرجسية الريادة ولِجام الإسلام: صورتان متضادتان عن الكرد والسودان والأمازيغ في التراث العربي، مجلة تجسير، المجلد الثاني ،العدد 2،2020، ص،25
- الشنقيطي،المصدر السابق: ص، 26
- أبو الحسن النّدويّ ، ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين: ط16،2005،دار القلم، القاهرة، ص69
- ديون عنترة بن الشداد ط١٨٩٣مطبعة الآداب ،بيروت، ص،12
- الشنقيطي، المصدر السابق: ص، 25
- المصدر نفسه، ص28.
- أبو عثمان عمرو بن بحر الجاحظ، (ت 255هج/868م) رسالة في فخر السودان على البيضان: ط2019،دار العلم والمعرفة القاهرة.ص، 371
- الجاحظ، المصدر السابق: ص،381.
- الشنقيطي، المصدر السابق:ص،25.
- لمصدر نفسه، ص،26.
- لمصدر نفسه، ص،24
- د.عمر وندي كوندي، تعريب الأسماء الأفريقية أو العزوف عن الأسماء العربية/صفحة أعلام أفريقيا السمراء (فيسبوك) 21/8/2024، تم التصفح بتاريخ 19/9/2024
- الشنقيطي، المصدر السابق:ص،27
- المصدر نفسه، ص، 35.
- د.نادر كاظم، تمثيلات الآخر: صورة السود في المتخيّل العربي الوسيط، ط،1، 2004، المؤسّسة العربية للدّراسات والنشر المركزي الرّئيسي، بيروت. ص، 130
- الشنقيطي، المصدر السابق:ص27
- د.نادر كاظم، المصدر السابق: ص، 18.
- المصدر نفسه، ص،88.
- المصدر نفسه، 90-91.
- المصدر نفسه، ص،89
- الندوي، المصدر السابق: ص،256
- المصدر نفسه، ص،257.
- الشنقيطي، مصدر السابق ص،12.
- الجاحظ، المصدر السابق: 373-378
- المصدر نفسه ص،377-378
- د. نادر كاظم، المصدر السابق:ص، 85
- أبو محمد معاذ أحمد عمر محمد ،الشهير ب إبراهيم المالي الفلاني الأفريقي: منظومة مدّ يد العون لحلّ مشكلة اللون ط،القاهرة، ص، 6-9
- الشيخ أحمد بن محمد العربي حيدرة، أديب مالي كبير، ومن خريجي جامعة الأزهر، اتّصلت به شخصيا عبر الهواتف (الوتس اب ) لأستفسر عن صحّة نسبة هذه الأبيات المتداولة بين الشباب في مواقع التواصل الاجتماعي إليه، وما المناسبة التى قيل فيها؟ واسم الديوان الذي وردت فيه؟، فكان ردّه الذي أورده هنا بالحرف الواحد، كالآتي: “إن وجدت لهذه الأبيات مناسبة فهي تلك المضايقات التى كنا نتعرّض لها في القارة بسبب لوننا. أوقل إنها من جنون المراهقة!. نعم الأبيات لي. وعنوانها (زنوج نحن) وليس لي ديوان. فأنا لا أعتبر نفسي شاعرا. إلا أنها نشرت في كتاب ” شتات من الأدب الأفريقي للأستاذ طاهر ميغا وقد حصل على الدكتورة الآن. وهو زميلي في الأزهر”. (دارت المحادثه بيننا عبر الواتس بتاريخ 17/9/2024.
- د. طه حسين توري، كيف تكتب و تقرأ تاريخ أفريقيا: الجزأ الأول، صفحة أعلام أفريقيا السمراء/فيسبوك، 30/8/2024. تم التصفح بتاريخ 19/9/2024.