فعل القراءة وبناء المعنى في الشكل اللغوي في رواية الأديب السوداني الطيب صالح، للكاتب د. منير الدين الرياضي بن صلاح الدين*
ملحوظة: هذه المقالة قٌسّمت إلى جزئين، بين يديك الجزء الأول، والجزء الثاني يمككنك قراءته منه هنا. وستجد المقالين في ملف واحد بصيغة PDF هنا.
جدول المحتويات
المقدمة
اللغة، هي التي تشكل اللبنة الأولى الأساسية في الإبداعيات الأدبية، فلا يعد أي عمل أدبيا ولا لسانيا ولا نقديا؛ إلا إذا تميزت لغته، وتعددت أساليبه، ويتحلى بالأسلوبية المفاجئة والمستفزة للقارئ حتى ينهض لفهم معانيها الخفية، ويحاول الربط بين أجزائها المتوقعة واللامتوقعة، وملء فراغاتها. وكانت رواية موسم الهجرة إلى الشمال للطيب صالح السوداني غنية بالأساليب اللغوية التي تثير القارئ، وتستفزه إلى القيام بتتع الفجوات الكامنة في نصوصها ليصل إلى معانيها، وتتناول أهم المظاهر الأسلوبية التي اشتملت عليها الرواية التكرار، والتضاد،والتشكيل الاستعاري، والمسافة الجمالية، ومفهوم اندماج الأفق (Fusion de horizon).
ونركز في هذه المقالة على عتبات النص والمداخل النصية التي أحاطت بنصوص وأحداث رواية موسم الهجرة إلى الشمال؛ لأنها تؤثر في بناء المعنى وتشكل أفق توقع القارئ، ولأنّ هذه العتبات “هي أول ما يصدم القارئ به شكل النص وكيفية إخراجه وطريقة توزيعه على الصفحة، ومن خلال تحديد عدة انطباعات هامة ومؤثرة على المتلقي تصل إلى حد التأثير في الدّلالة”.[1]
وهي مدخل مهم لمعرفة فحوى النص الذي يفجر دلالات النصوص، وتمثل المدخل الذي يركز عليه القارئ للولوج إلى أعماق النص، وتهيئ له صورة مبدئية عمّا سيلقاه في صميم النص ليستوعب معانيه من خلال المعطيات السياقية.ولقد تم اختيارنا لبعض النصوص المزاوية من رواية موسم الهجرة إلى الشمال لما اشتملت عليه من أنواع مساحات نصية، لتتبع عناصر جمالية التلقي التي تهتم باشتراك القارئ في استيعاب مقصدية النص وجماليات. ففيما يأتي نحاول تحليل العتبات النصية التي تتمتع بها رواية موسم الهجرة إلى الشمال، والتي اتضحت جليا، ولعبت دورا مهما في تلقي هذه الرواية.
حياة الطيب صالح وإسهاماته الأدبية
الطيب صالح (1929م-2009م) هو الطيب محمد صالح أحمد، أديب عربي سوداني مبدع، مؤلف موسم الهجرة إلى الشمال. ولد في شمال السودان وعاش طفولته وفتوه فيه، كما عاش في الجنوب واكتسب ثقافته منه، فهو إذن؛ ابن التخالط الحضاري والعرقي؛ العربي الإفريقي مولدا، والشرقي البريطاني ثقافة. إذ قال: “أنا جنوب يحن إلى الشمال والصقيع”.[2]
مولد الطّيّب ونشأته
ولد الطيب صالح في أسرة زراعية في قرية “كرِمكول” في إقليم “مروى” شمال السودان بالقرب من الدبة (منطقة مروي)، وهي مدينة صغيرة على منحنى نهر النيل في شمال السودان.[3] كان الطيب صالح ثالث أولاد أبويه؛ أحمد زكريا وزوجته عائشة (رحمهما الله). وقد رزقا بذكرين قبله لكنهما توفيا في سن الرضاع، فوهبهما الله الطيب صالح في صيف عام 1929م، ولذلك أصرت والدته أن تسميه (الطيب) تفاؤلا بالصحة وطول العمر.[4]
ولد الطيب صالح في المنطقة الريفية، وهي أرض مفتوحة ترقد على جانبي ضفاف النيل ومحاطة بالصحاري من الجانبين، وتمت تربيته في بادئ الأمر في الريف وسط البسطاء والمناظر، والأصوات اليومية لحياة المزرعة، وهذا ما جعل عقله يتأثر بتأثيرات متنوعة للخلفية الريفية.كانت تعيش في المنطقة التي ولد فيها الطيب صالح ثلاث قبائل؛ الركابية والبديرية والشايقية، وهي قبائل عربية متمازجة ومتداخلة متكاملة بعضها لبعض. واعتاد أهل هذه القبائل على زراعة القمح والشعير والذرة والبرسيم والنخيل، وأقاموا زرائب للضأن والبقرة، والنيل عندهم هو الحياة.
وهذه القبائل مجتمع متساكن مفتوح، يتمتع أهله بذكاء فطري شديد الوضوح، يعيشون في توادد وتراحم، وكانت حياتهم هيئة وسهلة، وكانوا يتولون بأنفسهم نسج ملابسهم، ويصنعون أدواتهم المنزلية بأنفسهم، حتى “جاءت سنوات لم يكن فيها الناس يحتاجون في أمورهم الحياتية إلى شيء من خارج المنطقة، سوى الشاي والسكر”.[5]
لم تعرف هذه المنطقة التعليم بمعناه الحديث إلا في سنوات متأخرة؛ لكنها عرفت بالمقابل تعليما دينيا من خلال الخلاوي والمساجد؛ حيث كانت الدراسة تقتصر على الخلوة، ولم تظهر أول مدرسة ثانوية في المنطقة إلا مع مطلع الستينيات، فكان الأطفال يحفظون القرآن الكريم، ويتعلمون مبادئ القراءة والكتابة في الكتاتيب، وقد خلق هذا النوع من التعليم ثراء لغويا ملحوظا، كما أنه رسخ روح التسامح بين الناس.
نفهم هذا من حكاية مصطفى سعيد عن زيارته الأولى للمدرسة الرسمية الحكومية في السودان: “كان ذلك الوقت أول عهدنا بالمدارس، أذكر الآن الناس كانوا غير راغبين فيها، كانت الحكومة تبعث أعوانها يجوبون البلاد والأحياء، فيخفي الناس أبناءهم. كانوا يظنون شرا عظيما جاءهم مع جيوش الاحتلال. كنت ألعب مع الصبية خارج دارنا، فجاء رجل على فرس، في زي رسمي، ووقف فوقنا. جرى الصبية وبقيت أنظر إلى الفرس وإلى الرجل فوقه. سألني عن اسمي فأخبرته. قال لي: كم عمرك؟ فقلت له لا أدري. قال لي: هل تحب أن تتعلم في المدرسة؟ فقلت له: ما هي المدرسة؟…”.[6]
كانت القبائل الركابية والبديرية أهل علم وحملة قرآن، في وقت كانت القبائل الشايقية أهل فروسية؛ وهم ثلاث فئات، مجموعة تقول الشعر، ومجموعة تُغني هذا الشعر احترافا أو هواية، ومجموعة ثالثة تتذوق الشعر وتنتشي بالغناء. يمارسون شعائرهم الدينية دون غلو في الشعر، فكأنهم أقرب إلى المتصوفة من غيرها من الأحزاب الدينية، وكان حديثهم يتميز بحس شاعري، ويطلق على الذين يمدحون الرسول منهم اسم “المداحين”.
قضى الطيب صالح ظفولته في هذه المنطقة الريفية بين أولئك العرب السودانيين، ولعل ما حكى عن طفولته بين أولئك العرب في العبارات الآتية يخبرنا عن طبيعتهم أكثر:
“هؤلاء العرب كانوا يتسمون بالغرابة، يجيئون إلى المنطقة مع آلاف الإبل خلال الصيف، وبعد ذلك يختفون وكأنهم يجيئون من اللامكان ويذهبون إلى اللامكان. كانوا يدخلون على قرانا حيوية شديدة، لأن أعراسهم وأسلوبهم في الفرح والرقص يختلف عن أسلوب أهل المنطقة. فهم يرقصون رقصة نطلق عليها اسم (الجابودي) رقصة يشارك فيها الرجال والنساء، يقف الرجال على شكل نصف دائرة، ثم يحمحمون بأصوات مكتوبة… ثم تدخل النساء ويرقصن رقصا بديعا ومثيرا.
وأما الحلب أي الغجر، فكانوا أناسا متفتحين إلى حد الإباحة أحيانا لا يتحرجون، يجيئون إلى قرى منطقة مروي؛ ليبيعوا الناس العطور والملابس والأواني، كما أن بعضهم كان يعمل في مجال الحدادة، يصلحون أدوات الزراعة. كانوا يقيمون في أطراف القرى، تأتي الأسرة بكامل أفرادها، ينصبون خيمة من الصوف أو الوبر، ويتكلمون لهجة أهل البلد، وكان الأطفال يرافقونهم حين يجيء وقت رحيلهم. وهم كذلك كانوا بالنسبة لأهل المنطقة يجيئون من اللامكان ويذهبون إلى اللامكان”.[7]
بدأ رحلته مع الكتابة في خمسينيات القرن العشرين، وأسهم في نشر الأدب والثقافة السودانية في مختلف أنحاء العالم من خلال مؤلفاته، حتى استحوذ على مكانة عالية في الكتابة والإبداع، وأنجز إسهاما جديا في بناء الرواية العربية، ودفعها إلى آفاق جديدة؛ مما حدا بالكثير من النقاد إلى تسميته بــــ”عبقري الراوية العربية”. يمتاز الفن الروائي للطيب صالح بالالتصاق بالأجواء والمشاهد المحلية الواقعية، والخالية من الرتوش والاستعارات، وكان يختار نماذجه الإنسانية من شمال السودان بين الرجال والنساء والأطفال.
كان حُبُّه للموسيقى فائقا؛ حيث كان يستأنس بالموسيقي في فراغه. يقول في أحد أحاديثه الصحافية: “عندما أتعب من الكتابة أستمع إلى الموسيقى ولا أستطيع أن أكتب وأنا أستمع إليها؛ حيث إنها تفقدني التركيز، وكثيرا ما آخذ إجازة قصيرة من الكتابة لساعة أو ساعتين، وأتحدث مع زوجتي وبناتي…”.[8]
ومن الأسف أن الطيب صالح سقط تحت تأثير سيغموند فرويد،[9](Sigmund Freud) فصار عقله ذا انحناءة لفرويدية ونفسية فاحشة، الأمر الذي صيره متأثرا بعالم الحسية والشهوانية التي قد تسربت إلى مخه، فهو يحاكي الغربيين ويتبني أسلوبهم الروائي ويركز على تسخيف الدين وقيمه ورموزه في معظم كتاباته، وخاضعا لنظام التعليم الغربي. فقد قدم عرضا فاضحا للجنس في موسم الهجرة إلى الشمال إلى مدى أفقدها الكثير من مغزاها الأدبي.[10] وهو يعترف بهذا التأثر الفرويدي في أحد أقواله؛ إذ يقول: “وقعت تحت تأثير فرويد، وقرأت الحضارة وقلقها” أكثر من مرة”، وبذلك، فإن الرواية موسم الهجرة إلى الشمال، في حقيقة الأمر هي عرض لرؤاه الفرويدية. إنها تحتوي على الكثير من الفلسفة والرؤية الفرويدية للحياة”.[11]
رحلاته العلمية وحبه للغة الإنجليزية
بدأ الطيب صالح تعلمه- في طفولته المبكرة أولا – بالالتحاق بالخلوة؛ مؤسسة تعليمية دينية، وبعد ذلك التحق بالمدارس العلمانية التي تم تأسيسها بواسطة الحكم البريطاني في السودان،وتلقى تعاليمه الأولى والوسطى في مدارس المديرية الشمالية، وأكمل تعليمه الثانوي بـــ(وادي سيدنا أم درمان). ولقد بدأ الدراسة الإنجليزية أثناء المرحلة الثانية من حياته المدرسية في السودان، وكان محبا لهذه الدراسة ومتبرعا فيها، بشعور أنه دخل عالما جديدا مليئا بالرموز التي تحتاج إلى تفكيك. [12]
فتفوق على زملائه في الفصل؛ الأمر الذي سبب اختياره لإلقاء كلمة باللغة الإنجليزية بمناسبة الترحيب بحاكم استعماري، ونجح في تقديمه، فوُعد بواسطة مدير المدرسة بمنحه للتعليم العالي في الخارج نتيجة امتيازه بين أقرانه الطلبة. يقول الطيب صالح:”ولأنني كنت من الممتازين في الإنجليزية، فقد أبلغني “مستر لانغ” ناظر المدرسة بأنه في حالة حصولي على امتياز في الامتحان النهائي، سيتم إيفادي للدراسة الجامعية في كمبريدج أو أكسفورد. [13]
كانت للطيب صالح رغبة في دراسة الآداب والزراعة، بسبب الارتباط الوثيق بين الزراعة والبيئة السودانية التي ولد وترعرع فيها؛ فالتحق بكلية العلوم بالخرطوم ليدرس الزراعة والآداب، لكنه لم يكمل دراسته حتى تم قبوله في كلية العلوم فانسحب. وكان الطيب صالح يعبر عن الارتباك الذي حصل له في حياته الدراسية قائلا: “والواقع أنني كنت أرغب في دراسة الآداب، وحتى “مستر لانغ” ناظر مدرسة وادي سيدنا شجعني على دخول كلية الآداب…لكن كانت تستهويني دراسة الزراعة”.[14]
فأخيرا؛ لم يدرس الآداب ولا الزراعة. وكان أيام دراسته في كلية العلوم، يحضر محاضرات الأدب في كلية الآداب، ويشارك في المناقشات الأدبية عن الشعراء الرومانسيين، حتى اكتشفه هارت- محاضر إنجليزي في الشعر الرومانسي- بوصفه غريبا يظهر في محاضراته، وعلى الرغم من غربته وكونه طالب علوم؛ حصل على درجات عالية في مواد المساق الأدبي، فاقترح هارت عليه الانتقال إلى كلية الآداب، فهذا الميل العميق لدراسة الأدب هو الذي وازاه عدم قدرته على مسايرة دراسة العلوم.[15]
فارتبك كما يعترف هو بنفسه في عبارة له،”حدث لي اختلاط في ذهني، بين رغبتي الدقيقة وربما تجاوبي مع المواد الأدبية، وبين مسألة تشريح الصراصير والفئران في كلية العلوم”.[16]حاول الانتقال من مجال العلوم إلى مجال الأدب، لكن عاقت دونه قوانين الجامعة التي كانت تمنع مثل هذه النقلة من العلوم إلى الآداب وأفشلت محاولاته. ثم حصل على درجة بكالوريوس في العلوم من كلية الخرطوم الجامعية.[17] ثم هاجر إلى إنكلترا سنة 1953م، لمواصلة تحصيله الجامعي بجامعة”كانغركولدرج” بلندن، متخصصا في الشؤون الدولية.
الوظائف والمسؤوليات
كانت خبرة الطيب صالح المهنية مرتبطة بالتنقل والترحال بين عدة مناصب مهنية في الشرق والغرب والشمال والجنوب، وأدت هذه التنقلات العملية دورا كبيرا في اكتسابه خبرة واسعة وتكوينا ذاتيا في سوق العمل، و التحق بمهنة التدريس في نفس العام الذي تخرج فيه، وعمل معلما في مدرسة متوسطة في رفاعة جنوب شرق الخرطوم. وبعد ذلك التحق بمعهد تدريب المعلمين في بخت الرضا بالدويم؛ حيث تم اختياره لوظيفة في هيئة الإذاعة البريطانية، وسافر إلى لندن في عام 1953م. اشتغل بالكتابة الصحفية أثناء إقامته في لندن؛ حيث شارك بمجلة المجلة العربية الأسبوعية على مدى عشرة أعوام سماها “نحو أفق بعيد”، وعمل في القسم العربي لهيئة الإذاعة البريطانية، فترقى إلى منصب الرئيس لقسم الدارما خلال فترة قصيرة. وتزوج من امرأة بريطانية في لندن، وهي امرأة شديدة الحساسية والذكاء، قادرة على فهم مشاكله، وأنجب منها ثلاث بنات: زينب وسميرة وسارة.وبعد أن استقال من “بي بي سي” (British Broad casting Corporation) عاد إلى السودان ليعمل مستشارا للإذاعة السودانية؛ حيث اشتهر بسرده لسيرة ابن هشام، وتقديم مقالات مع رواد سودانيين في الأدب. ثم ارتحل إلى دولة قطر ليعمل في وزارة إعلامها وكيلا ومشرفا على أجهزتها،وعمل بعد ذلك مديرا إقليميا بمنظمة اليونسكو في باريس، وممثلا لها في الخليج العربي بين عامي 1984 و1989م. وهو يحكي عن اغترابه قائلا:
“كان يمكن أن أظل في السودان وأتابع دراستي هناك وأعمل في بلدي، وأقنع بما أحصل عليه، لأنني لم أتغرب أبدا لأجمع المال أو أبني منزلا وما إلى ذلك. خرجت في وقت لم يكن فيه الناس يخرجون، وهكذا لازمني إحساس أنني تنكرت لبيئتي… ولدي اعتقاد أن معظم المتعلمين السودانيين خانوا الأمانة بشكل أو بآخر، إذ أننا لم نوف أهلنا حقهم. فإذا تأملنا الخرطوم الحديثة سنلاحظ أنها بنيت بواسطة أناس جاؤوا من القرى، تعلموا ومكثوا هناك… جيلنا وربما الجيل الذي جاء من بعدنا باستثناء قلة، انشغل بنفسه لذلك اكتفوا ببناء دور لأنفسهم وركبوا سيارات فخمة لكنهم تنكروا لجذورهم… تولد لديّ هذا الإحساس وربما أكثر من غيري… وربما بسبب الغربة، وربما أيضا بسبب انتمائي…”.[18]
انتماءاته السياسية
كان الطيب صالح رجلا ليبراليا لم ينتسب إلى أي حزب سياسي، فضلا عن غيابه عن السودان أثناء التجارب الديموقراطية التي مرت في السودان في الفترة الأولى (1958-1955م) ولا في الفترة الثانية (بعد ثورة أكتوبر الشعبية 1964م). وهو يقول مبرئا نفسه من الحزبية والتحزب:
“قدري أن أ كون مواطنا لا أحمل ولاء للحكم القائم (نظام الجبهة القومية الإسلامية) ولا للذين ينازعونه الأمر ويطلبون أن يحلوا محله. ولائي… للوطن في صيرورته الأبدية. وما أصعب ذلك من ولاء”. [19]
وهو يعرض علينا صورة حركاته السياسية كاملة في الخطاب الآتي:
“والواقع أنني، ومنذ المرحلة الثانوية، ابتعدت عن التحزّب، ورغم أن ذلك لم يكن في تلك الفترات أمرا سهلا. فعندما كنا ندرس في مدرسة وادي سيدنا الثانوية، كان الصراع ينحصر على أشده بين الشيوعيين والإسلاميين (الإخوان المسلمين فيما بعد)، كنت آنذاك أقوم بأداء الفرائض، وأحافظ على الدين؛ لكن لست متدينا بالمعنى السياسي والأيديولوجي للكلمة. كنت أحضر اجتماعات الإسلاميين والشيوعيين، وأميل إلى الحديث في الجمعيات الأدبية، وفي الوقت نفسه أنفر من المناظرات السياسية، والانطباع السائد لدى أقراني من الطلاب أنني طالب شاطر له اهتمامات أدبية.”[20]
تجربته الأدبية
دخل الطيب صالح في مجال الكتابة في عمر متأخر، بأسلوب ميكانيكي، ويتيميز من معاصريه الروائيين العرب باتسام أسلوبه بالقدرة الباهرة على تأهيل الكلمات، وحسن توظيفها وانتقائها، وتنسيق بعضها مع بعض في الجرس والنغم، وعنايته باللغة؛ الأمر الذي جعل أعماله الأدبية تُستقبل بالترحاب وتنال إعجاب القراء العرب وغيرهم.[21] كان يشغف بالشعر إلى حد كبير، نتيجة قراءته للشعر العربي وتذوقه له تذوقا كاملا. فأسلوبه كان أقرب إلى الشعر منه إلى النثر، ويكتب أشعارا في أعماله الروائية دون أن ينسب كتابتها إلى نفسه.
أما بالنسبة للقصة والرواية؛ فإن الأفكار تأتيه عن طريق الصدفة، وهو يعترف بذلك قائلا: “لم أرغب أن أكون كاتبا في يوم من الأيام، مثل ما لم تكن لدي أية رغبة في نشر ما كتبته. وقبل أن أغادر السودان إلى لندن كنت قد كتبت محاولتين في القصة القصيرة أو شيئا من هذا القيبل ومزقتهما وانتهى الأمر عند ذلك الحد. وعلى رغم أن ميولي كانت أدبية فقد دخلت كلية العلوم-كما أسلفت- خاصة أن مجتمعنا السوداني في تلك الفترة كان يحتاج إلى أناس يساهمون في حل مشاكله، وهي مشاكل التنمية والبناء. كان الناس يفهمون لماذا تصبح طبيبا أو مهندسا أو بيطريا أو زراعيا أو عالما، لكن أن تصبح كاتبا فهذا غير مفهوم…[22]
الفرويدية وتمثلاتها في كتابات الطيب صالح
الفرويدية مدرسة في التحليل النفسي، أسسها اليهودي سيجموند فريد (Sigmund Freud 1856-1939)، وهي جزء من مؤامرات خبيثة تستهدف الدين والتدين، وكذلك الإنسانية جمعاء، وبما أنه جزء من حملات المجمومة التي يتم تنظيمها بواسطة العديد من الدوائر الاستعمارية ضد الدين لتضليل عباد الله، وإبعادهم عن الصراط المستقيم، وذلك من مكائد الصهيونيين ضد المسلمين، فقد قدم الإعلام الصهيوني والماسوني ادعاءات فرويد للناس بطريقة تغري ضعاف النفوس على التخلص من القيم والأخلاق، وإن هدف الفرويدية الأساسي هو الإشباع غير الشرعي للغرائز الجنسية.
يرجع تأثر الطيب صالح بفرويد إلى سقوطه تحت قبضة أفكاره بعد أن تلقى تعليما قليلا من نظرياتهواطلع على ادعاءاته. ومن ملامح تأثير الفرويدية فيه احتواء رواية موسم الهجرة إلى الشمال على لغة غير أخلاقية وتركيزها على تجسيد النفسية الفاسدة والظنون الفرويدية المنحرفة، الكامنة في تمثلات مصطفى سعيد، والراوي، وبعض الشخصيات الأخرى في الرواية.
صدرت رواية موسم الهجرة إلى الشمال باللغة العربية، إلا أنها في الحقيقة غربية موضوعيا في الجانب الأخلاقي وفي تصويرها الفني، وإظهارها غربية الانحناء العقلي لمؤلفها في دعايتها العلمانية. فـ”الرواية مفسرة للجنس غير المقيد واللسان المطلق العنان وقلة الاحتشام”.[23] حيث تضمنت محاكاة عمياء الأدب بحملها ثقافات غربية انتهازية وفلسفاتها الخالية من القيم الإنسانية، نقلا من الشوارع الأوروبية إلى المجتمع العربي بواسطة لغة شحلة ومثيرة للشهوة. ففيها تجاهل واضح لحرمة الإنسان، واستجابات مكثفة لرغبات الجسد، واعتبارات تافهة للغرائز الحقيرة، وتنشيط الرغبات الحيوانية الخارقة للمروءة في وصف العناصر المختلفة للتركيبة الجسدية للإنسان. ويجلو ذلك في بعض أحداث الرواية؛ مثل ادعاء بعض شخصيات الرواية أن الخمرة “لصحة السودان”، وإلماح الطيب صالح إلى أن الصوم والصلاة لم يمكناه من حماية نفسه مما واجهه في الغرب، ووصف ذكورة الرجل،[24] وتصوير فخذي المرأة بلغة فارغة فاحشة دون حياء ولا احترام.
الطيب صالح مع الواقعية السحرية
الواقعية بمفهومها الحديث تقوم على ثلاثة ارتباطات أساسية، هي: العجائبي، والأسطوري، والسيريالي. وتنقسم إلى الواقعية الاجتماعية، والواقعية النفسية، والواقعية السحرية والواقعية البنائية.[25] أما الواقعية السحرية؛ فتعد من أكثر الموضوعات شيوعا وكانت بدايتها في الثقافة الأميركية اللاتينية في عام 1953م، وأصبحت معروفة عالميا، وازدهر عصرها الذهبي بين أربعينيات وخمسينيات القرن العشرين. تمثل الواقعية أحد الاتجاهات المهمة في الرواية في أميريكا اللاتنية، وقد حظيت بشهرة عالمية. يقول “جورج لوكاتش” (George Lukacz): “كل ألوان الكتابة لا بد أن تتضمن قدرا معينا من الواقعية نعتقد معه ما يعتقده”.[26]
أعماله والجوائز والأوسمة
لقد أسهم الطيب صالح في مجال الأدب العربي بأعمال لا يجهل التاريخ قيمتها، فقد كتب بعض القصص والرويات القصيرة باللغة بالعربية، و”ترجمت أعمال الطيب صالح إلى تسع عشرة لغة تشمل: الإنجليزية، والفرنسية، والألمانية، والصينية، واليابانية، والروسية، والإيطالية، والإسبانية، والهولندية، والتركية، والبولندية، والنرويجية، والبلغارية، والسلافية، والتشيكية، والمجرية، والدانماركية، والكورية، والعبرية”.[27]
كان أول نص قصصي كتبه الطيب صالح هو نخلة على الجداول، ونشر في صفحات مجلة القصة السودانية (1953م)، ثم أذيع عبر الـ”بي بي سي”. فضلا عن ثلاث روايات: الأولى:عرس الزين، التي صدرت عام 1962م. والثانية:موسم الهجرة إلى الشمال، التي بدأها خلال إجازة له في الجنوب الفرنسي، وانقطع عنها مدة أربع سنوات، ثم أنجزها للنشر في مجلة حوار عام 1966م. والثالثة:بندر شاه في جزئين: الجزء الأول: ضو البيت (1971م)، والثاني: ميرود (1977م). ثم مجموعة قصصية، مثل: دومة حامد (1960)، بلح (1966)،الرجل القبرصي (1980)، رسالة إلى إبلين(1980).
وصدرت في السنوات الأخيرة مختارات الطيب صالح التي تضمنت العديد من المقالات المنشورة في الصحف العربية، وكما صدرت عن دار مدبولي في القاهرة ضمن تسع مجلدات: المنسي، خواطر الترحال، وطني السودان، ومضيئون كالنجوم، الذي جاء في مجلدين، أحدهما يتعلق بالغرب والشخصيات الغربية، والآخر يتعلق بالشرق والشخصيات الشرقية. والواضح أن رغبة الطيب صالح كانت حارة في الكتابة الروائية أكثر منها في كتابة المقال؛ لذلك كانت بعض مقالاته هي في الواقع ذات نفس روائي ومن ذلك؛ تلك السلسلة الطويلة التي كتبها عن صديقه منسي، والتي تعد بحق عملا روائيا متكاملا.
أظهرته روايته – موسم الهجرة إلى الشمال-كاتبا قوميا للشعب السوداني، فهو عند السودانيين مثل ساتر تشارلز جون هوفام ديكنز[28] (Charles John Huffam Dickens) عند الإنجليز.
حصل الطيب صالح على جوائز وأوسمة عديدة، منها:
- إطلاق لقب “عبقرية الرواية العربية” عليه.
- اعتبار الأكاديمية العربية في دمشق روايته الثانية موسم الهجرة إلى الشمال أفضل الروايات العربية في القرن العشرين.
- إطلاق جائزة الطيب صالح العالمية للإبداع الكتابي، الذي تزامن مع الذكرى السنوية الأولى لوفاته.
- في عام 2002م، تمّ اختيار روايته موسم الهجرة إلى الشمال ضمن أفضل مائة رواية في التاريخ الإنساني، وفق قرار اتخذه مائة من كبار الكتّاب الذين ينتمون إلى 54 دولة. وفي آذار- مارس 2007م، مُنح الطيب صالح جائزة ملتقى القاهري للإبداع الروائي.
- وحاز في عام 2005م جائزة ملتقى القاهرة الثالث لللإبداع، وقبل رحيله بنحو شهرين، كانت مجموعة من المؤسسات الثقافية في الخرطوم بينها اتحاد الكتاب السودانيين، ومركز عبد الكريم ميرغني الثقافي، قد بعثت برسالة إلى الأكاديمية السويدية ترشح الطيب صالح لنيل جائزة نوبلبامتياز”.[29]
وفاة الطيب صالح
عانى الطيب صالح من تعقيدات صحية في السنوات الأخيرة من عمره، وتوفي يوم الأربعاء 18 فبرايل 2009م، عن عمر يناهز الثمانين عاما، فنقل جثمانه إلى السودان يوم الجمعة 20 فبرايل 2009م، ثم دفن في مقابر البكريفي أم درمان في السودان.
المدخل التعريفي لرواية موسم الهجرة إلى الشمال
إن رواية موسم الهجرة إلى الشمال تصوير لواقع اجتماعي عربي عام، ومرآة انفتحت من زاويتها عقول القراء إلى عوالم جديدة، وقد اقتحم الباحثون من خلال ذروتها الحاسمة مناطق مخلتفة. فهي رواية عجيبة رائعة واقعية، متشعبة الجوانب، عميقة الجذور، بعيدة عن التقليد والتصنع، صغيرة الحجم، ولكنها غنية بدلالات ومستويات متعددة، تشد انتباه القارئ منذ الغلاف الأمامي إلى آخر الصفحة منها. وتمتاز هذه الرواية بتجسيد ثنائية التقاليد الشرقية والغربية بتصوير الطيب صالح رؤيا شمولية العالم العربي فيها تصويرا تاريخيا، وثقافيا، وسياسيا، واقتصاديا، ولا تزال تغمر إعجاب القراء، وتستقطب مشاعر النقاد منذ إصدارها حتى الوقت الراهن؛ لكونها كاشفة عن جوانب جديدة من الدلالات والاتجاهات المتجددة.
يقول جابر عصفور عن الرواية: “لا أزال أذكر مشاعر الإعجاب الغامرة التي انتابتني عندما قرأت موسم الهجرة إلى الشمال للمرة الأولى، فقد كانت حدثا استثنائيافي تاريخ الرواية العربية، وانطلاقا في آفاق جسورة لإنطاق السكوت عنه في الثقافة العربية التي لا تزال تقليدية في مجملها، فـموسم الهجرة إلى الشمال رواية بعيدة عن التقليد، أو التصنع، أو التزمت، أو الخوف”.[30] وقال غيره: “قرأنا الطيب صالح ولم نستوعب قطعا هذه اللغة الروائية الجديدة، وهذا النفس الحار الذي ضمخ الرواية العربية والعالمية بالشذا والدرر النفيسة… قرأنا الطيب صالح وبهرتنا اللغة، والصور الحية المبثوثة في رواياته.كنا نقف كثيرا عند بعض المقاطع، نعيد قراءتها مرات ومرات”.[31]
فالخلاصة أنها رواية ممتازة، عبارة عن تناول فنّي لموضوع الصدام بين الحضارات وموقف الإنسان العالم الثالث النامي ورؤيته للعالم الأول المتقدم، ذلك الصدام الذي يتمثل في شخصية البطل الإشكالي “مصطفى سعيد”. ونلحظ ذلك من الحوار الذي جرى بين منصور ورتشارد على مرمى حجر من خط الاستواء؛ إذ هما يتحاوران ويضحكان:
“لقد نقلتم إلينا مرض اقتصادكم الرأسمالي. ماذا أعطيتمونا غير حقنة من الشركات الاستعمارية، نزفت دماءنا وما تزال؟ وقال له رتشارد: “كل هذا يدل على أنكم لا تستطيعون الحياة بدوننا، كنتم تشكون من الاستعمار، ولما خرجنا خلقتم أسطورة الاستعمار المستتر، يبدو أن وجودنا، بشكل واضح أو مستتر، ضروري لكم كالماء والهواء”.[32]
كتب الطيب صالح روايته (موسم الهجرة إلى الشمال) في بريطانيا فيما بين 1962م و1966م، ونشرت لأول مرة في مجلة حوار البيروتية سنة 1998م، ثم نشرت كتابا للمرة الأولى عن دار العودة ببيروت في 1967م،[33] لكن ازدادت الرواية شهرة بعد ترجمتها إلى اللغة الإنجليزية وإلى لغات عالمية أخرى، وقررت على طلاب بعض الجامعات العربية، وقد سبقتها رواية عرس الزين للطيب صالح في سنة 1969م، “…بعد ذلك كتبت عرس الزين، والمفارقة أنني كتبت هذه الرواية وتركتها، لم تنشر إلا عام 1964م، كتبت بعدها موسم الهجرة إلى الشمالالتي نشرت في مجلة حوار في بيروت عام 1966م، وكان يحررها الشاعر الفلسطيني الراحل توفيق صائغ”.[34] وبالنسبة لــموسم الهجرة كنت كلما أفرغ من فصل،أسلمه لدينيس جونسون ديقيش، ليتولى ترجمته… كان قد ترسخ لديه اقنتاع بأنني كاتب جيد… وبعد أن أفرغ من الترجمة سلمها إلى دار النشر (هاينمان)، وهي دار نشر إنجليزية كبيرة ومحترمة، صدرت موسم الهجرة إلى الشمال عن هذه الدار الكبيرة”.[35]
وفي ضوء ما سبق الإشارة إليه؛ نعرض أحد أحاديث الطيب صالح الصُّحفية التي تبينت فيها المراحل التي مرت بها كتابة موسم الهجرة إلى الشمال: “أذكر أني قضيت إجازة جميلة جدا في جنوب فرنسا، في بلدة صغيرة تقع غربا، كان ذلك سنة 1962م، وخلال الإجازة في تلك القرية الصغيرة على البحر أكملت عرس الزين، ومباشرة بعدها بدأت موسم الهجرة إلى الشمال، وكانت في ذهني منذ زمن كتبت ثلث الرواية، بسرعة مدهشة ثم توقفت، توقفت لأربع سنوات، لم أكن أدري ماذا أفعل، وكيف أطور الرواية، وعندما عدت إليها مرة أخرى، أكملتها أيضا بسرعة خلال أسابيع، في حين أن فترة الانقطاع بين الجزئين استمرت أربع سنوات، عموما أحب الكتابة في الليل، لكن عندما أدخل في عمق الموضوع أكتب في أي وقت من اليوم، وليس لي نظام معين كما عند بعض الكتاب مثل أستاذنا نجيب محفوظ”.[36]
ولعل ما رواه أفنان القاسم عن الطيب صالح في ندوة عن روايته موسم الهجرة إلى الشمال يلقي الضوء على الهدف الأساسي وراء هذه الكتابة الإبداعية: “كانت تدور في ذهني أيضًا فكرة العلاقة الوهمية بين عالمنا العربي الإسلامي وبين الحضارة الغربية الأوروبية على وجه التحديد. إن هذه العلاقة تبدو لي، من خلال مطالعاتي ودراساتي، علاقة قائمة على أوهام من جانبنا ومن جانبهم، والوهم يتعلق بمفهومنا عن أنفسنا أولاً، ثم ما نظن في علاقتنا بهم، ثم نظرتهم إلينا من ناحية وهمية”.[37] وفي تعليقه على هذا القول يقول أفنان: “بهذا القول يحدد الطيب صالح الفكرة الأساسية الكامنة من وراء مشروعه الروائي، ألا وهي: فكرة العلاقة بين العالم العربي الإسلامي وبين الحضارة الغربية الأوروبية، والتي هي علاقة وهمية -حسبما يقول- ذات ثلاثة أبعاد:
- مفهومنا عن أنفسنا.
- مفهومنا عنهم (الغربيون).
- مفهومهم عنا.[38]
ولكن يؤخذ على الرواية إسهاب الطيب صالح في الجنس بشكل غير موظف ولا يقبله العقل، “إذ أننا شعوب متدينة بطبيعتها، وليس من الشائع أن تسمع عن جلسة رقية بها امرأة تجلس بين الرجال تشرب الخمر وتدخن وتتحدث بإباحية مفرطة ويشترك معها الرجال في حديث ماجن أفرد له الطيب صالح صفحات!!! المسألة إذن لو جرت في الواقع لكانت شاذة، ولما استحقت كل هذه التفاصيل في السرد”.[39]
طرحت رواية موسم الهجرة إلى الشمال قضايا الهوية العربية والعلاقة بالآخرين، واهتمت بتوضيح الصراع بين الشرق والغرب أو بين الشمال والجنوب بأبعادهما الثقافية المختلفة، وقد باشر كثير من الأدباء والروائيين العرب مسألة الجنوب والشمال أو (الشرق والغرب) قبل الطيب صالح، منهم: طه حسين، وسلامة موسى، ولويس عوض، ولطفي السيد، وحتى المفكرون من زعماء الإصلاح مثل: عبد الرحمن الكوكبي،جمال الدين الأفغاني، والشيخ محمد عبده. ونشرت عدة أعمال روائية في هذا الموضوع، من قبيل: عصفور من الشرق لـتوفيق الحكيم، وقنديل أم هاشم لـيحيحقي، والحي اللاتيني لسهيل إدريس، وأصوات لسليمان فياض، والعصفورية لـغازي القصيبي، والسنيورة لـعاصم خوقير”.[40]
ومما زاد “موسم الهجرة إلى الشمال” شهرة وخلق لها مكانة عالية في المجتمعين العربي والغربي، وأكسب لها إقبالا لدى القراء عربيا وغربيا؛ هو أنها ظهرت في “مرحلة النشوء”، وهي مرحلة حرجة من مراحل الرواية العربية التي حاول فيها الروائيون العرب تطويع الرواية وتطويرها؛ للتعبير عن قضايا تهم الفكر العربي خاصة في فترة ما بعد الاستعمار، ويعتنون بإعادة صياغة التراث العربي، لتقديم تصور جديد للثقافة العربية.[41] أو ما عُرفت بمرحلة (صعود الرواية)؛ وذلك في النصف الثاني من القرن العشرين، حين صعدت الرواية لتحولات المجتمع العربي بأقطاره وبيئاته وأطيافه. فحينئذ “وفرت الرواية بإمكاناتها السردية، وبما تتسع له من استيعاب التفاصيل والتقاط التغيرات والتحولات فرصة ثمينة للتعبير عن حقبة صعبة، شهدت ذيول الاستعمار ورحيله”.[1]
وذُكرت أربع روايات اهتمت بالعلاقة مع الغرب بالتباساتها المختلفة في هذه المرحلة، وهي: عصفور من الشرق، لتوفيق حكيم، وموسم الهجرة إلى اشمال، للطيب صالح، وبدوي في أوربا، لجمعة أحمد، ومتاهة الأعراب في ناطحات السحاب، لمؤنس الرزاز،[42] ويتميز موسم الهجرة إلى الشمالبنقلها صورة الصدام بين الجنوب والشمال من مجرد وعي بالاختلاف بين العالمين، إلى المجابهة التاريخية التي من خلالها تبينت شراسة الموقف الغربي. يقول مصطفى سعيد “أنني جئت غازيا… لكن مجيئهم، هم أيضا، لم يكن مأساة كما نصور نحن، ولا نعمة كما يصورون هم”.[43]
ثالثا: رسم شخصيات الرواية ودلالاتها الأساسية والثانوية
إنّ الصراع بين العالمين الجنوب والشمال حسب مجرى الأحداث في رواية موسم الهجرة إلى الشمال، يتمثل في الصراع بين الشخصيات الغربية في الرواية من ناحية، وبين الشخصيات الشرقية من ناحية أخرى، ولكل منها دلالاتها الممتازة التي تستوجب عمق النظر والفهم وكشف أسرارها. أما شخصيات الجنوب، فسنذكر الأهم منها على الطبقات الآتية:
شخصيات الجنوب
- الراوي: شخصية من شخصيات الرواية لها أبعاد خاصة بها، والتي يخلقها الكاتب مستفيدا من تجربته الخاصة، وهو شاب سوداني في الثلاثين من العمر، أكمل دراسته في إنكلترا، وحصل على شهادة الدكتوراه في الشعر الإنكليزي. يختفي الكاتب في ثوبه، ويجعله يقول ما يريد قوله، وبوصفه شخصية منشخصيات الرواية، أخذ بعدًا خاصًا به ككل الشخصيات الروائية.
- مصطفى سعيد: بطل الرواية؛ هو النموذج الأصلي للأفريقي العربي، ويمثل الشرق بشكل عام والعالم العربي بشكل خاص في مواجهة الاستعمار، والصدام الثقافي والحضاري بين الشرق المستعمَر والغرب المستعمِر. “رجل ربعة القامة، في نحو الخمسين من عمره”. [2]
- حسنة بنت محمود: هي امرأة في الثلاثين من عمرها، زوجة مصطفى سعيد، والتي ترمز إلى الوجه المشرق في الصراع داخل المجتمع العربي الشرقي.
- جدّ الراوي: هو المسمى بـالحاج أحمد، “عيناه صغيرتان باهتتان، تحسب أنهما لا تريان، ولكنه ينظر بهما في حلكة الليل، جسمه الضئيل منكمش على ذاته، عظام وعروق وجلد وعضلات، وليست فيه قطعة واحدة من الشحم. يقفز فوق الحمار نشيطا، ويمشي في غبش الفجر من بيته إلى الجامع”.[44]
- الشيخ طه ود الريس: هو شيخ في السبعين، يرغب في الزواج في المرة السادسة، شارباه المقوسان بعناية إلى أعلى طرفهما كحد إبرة، لحيته الغزيرة البيضاء التي تلبس وجهه من الصدغ إلى الصدغ يتنافر لونها الأبيض الناصع مع سمرة وجهه كلون الجلد المدبوغ، يختلط بياض اللحية دون مشقة ببياض العمة الكبيرة، مقيما إطارا صارخا يبرز أهم معالم الوجه: العينين الجميلتين الذكيتين، الأنف المرهف الوسيم، يستعمل الكحل متذرعا بأن الكحل سُنّة.[3]
- بنت مجذوب: امرأة طويلة، لونها فاحم مثل القطيفة السوداء، مشهورة في البلد، يتسابق الرجال والنساء على السواء لسماع حديثها لما فيه من جرأة وعدم تحرج، وكانت تُدَخِّنُ السجائر، وتشرب الخمر، وتحْلِفُ بالطلاق كأنها رجل. فهي تمثل في الرواية الأمة القديمة الراقدة التي لم تستيقظ بعد.[4]
شخصيات الشمال
إن شخصيات الشمال شخصيات نسائية، ومن أهمها الخمسة التي نذكرها هنا:
مسز روبنسون: اسمها الحقيقي إليزابيث. هي المرأة التي احتضنت “مصطفى سعيد وهو شاب يافع وعاملته بوصفها أماً له، والتي جعلته في حميمية لقائها الأموي به يشعر (وهو صبي ابن اثنا عشر سنة) بشهوة جنسية مبهمة لم يعرفها من قبل في حياته.
آن همند: هي مُدرِّسة اللغات الشرقية في أكسفورد، قابلها مصطفى سعيد أثناء إلقائه محاضرة عن أبي نواس، وأصبح يلتقي بها في شقة تملكها في هامستد.
شيلا غرينوود: امرأة زكية ذكية تؤمن بأن المستقبل للطبقة العاملة، كانت تعمل خادمة في مطعم في النهار، وبالليل تواصل الدراسة في البوليتكنيك.
إزابيلا سيمور: هي امرأة في حدود الأربعين، وهي امرأة بريطانية لقيها بطل الرواية؛ سعيد مصطفى في حديقة “الهايد بارك” ذات مساء وهي واقفة بين الجماهير المتزاحمة واستدرجها حتى ذهبت معه إلى المقهى فأوقعها في شباكه ثم انتقم منها.
ملخص أحداث رواية موسم الهجرة إلى الشمال
تدور أحداث رواية “موسم الهجرة إلى الشمال حول الشرق والغرب، وافتتحت بعودة الراوي (الطالب السوداني) إلى قريته في السودان، بعد أن تلقى تعليمه الابتدائي في المدارس التي أنشأها الإنجليز، ثم سافر إلى القاهرة، ثم إلى لندن لإكمال تعليمه الجامعي، حتى تخرج في أكسفورد ويتعين محاضرا في الاقتصاد وهو في سن الرابعة والعشرين:
“عدت إلى أهلي يا سادتي بعد غيبة طويلة سبعة أعوام على وجه التحديد،كنت خلالها أتعلم في أوروبا”.[45] وعند عودته للسودان، استقبلته الوفود من أهالي قريته، ليرحبوا به سالما ولكنه لم يجد شيئا قد تغير في أهله وفي قريته إلا أنه اكتشف بين الوجوه وجها غريبا لا يعرفه، جاء مع المستقبلين له، وعند السؤال عنه يعرف أنه يُدْعَى مصطفى سعيد وهوغريب جاء إلى السودان “منذ خمسة أعوام، اشترى مزرعة وبنى بيتا، وتزوج بنت محمود، رجل في حاله لا يعلمون عنه الكثير”.[46]
جاء من الخرطوم إلى قريته، واشترى أرضا عمل بها ثم تزوج بإحدى بنات القرية وأنجب منها طفلين، وأجمع أهل القرية على أنه رجل صالح وطيب. يصفه جد الراوي قائلا: “إن مصطفى طول إقامته في البلد، لم يبد منه شيء منفر، وأنه يحضر صلاة الجمعة في المسجد بانتظام، وأنه يسارع بذراعه وقدحه في الأفراح والأتراح”.[47]
بدأت العلاقة بين الراوي وبين مصطفى سعيد عن طريق غير مباشر؛ بحيث إنّ الراوي دعاه ذات يوم إلى مجلس شراب، فشرب حتى أدار الخمر رأسه، ثم دعاه في اليوم التالي ليخبره بكل شيء عن قصة حياته، رحلته باتجاه الشمال، مغامراته العاطفية، تسببه بانتحار ثلاث نساء إنجليزيات، وقتل زوجته الإنجليزية. حينئذ قص مصطفى سعيد على الراوي كيف أنه نشأ يتيما ساكنا مع والدته في الخرطوم.[48] “منذ صغري كنت أحس بأنني مختلف، أقصد أنني لست كبقية الأطفال في سني، لا أتأثر بشيء، لا أبكي إذا ضربت، لا أفرح إذا أثنى علي المدرس في الفصل، لا أتألم لما يتألم له الباقون. كنت مثل شيء مكور من المطاط تلقيه في الماء فلا يبتل، ترميه على الأرض فيقفز”.[49]
سافر مصطفى سعيد إلى القاهرة ودخل مدرسة ثانوية مجانية هناك،وفي القاهرة على موعد التقى مع مستر روبنسن وزوجته، وبعد دراسته في القاهرة سافر إلى لندن، فهنالك تظهر عبقريته وأصبح محاضرا في الاقتصاد بجامعات لندن. لكن رغم هذه الشهرة والترقية التي نالها مصطفي سعيد من المجتمع الإنجليزي البريطاني، ورغم نبوغه العقلي وتفوقه العلمي؛ كان لم يقتنع، بل تقوده غريزته الفحولية إلى الانغماس في حياة بوهمية مع الفتيات الإنجليزات. فبدأت النساء البريطانيات يجتذبن بشهرته، وأدمنهن سحر حبه، فلم يستطعن التخلص من حبه، وتوطدت صداقتهن معه حتى قاده ذلك إلى التسبب في انتحار ثلاثة فتيات منهن، وقتل من يتزوجها بينهن “جين موريس”، امرأةخطبها هو لمدة ثلاث سنوات وحين ملت من مطاردته قررت الزواج به. فحوكم مصطفى سعيد بتهمة قتل زوجته ليقضي سبع سنوات في السجن. يقول له القاضي قبل أن يصدر عليه الحكم في الأولد يبلي:
“إنك يا مستر مصطفى سعيد، رغم تفوقك العلمي، رجل غبي. إن في تكوينك الروحي بقعة مظلمة، لذلك فإنك قد بددت أنبل طاقة يمنحها الله للناس طاقة الحب”.[50] المهم أنهم حكموا عليه بالسجن، سبع سنوات فقط، ورفضوا أن يتخذوا القرار الذي كان عليه هو أن يتخذه بمحض إرادته”.[51]
أخيرا؛ عاد مصطفى سعيد بعد خروجه من السجن إلى السودان ليستقر في القرية وليعيش حياة هادئة بعيدا عن العنف، فتتزوج من “حسنة بنت محمود” وأنجب منها طفلين. وقد مات مصطفى سعيد غرقا أو انتحارا، لكن ترك رسالة للراوي يوصيه بزوجته وولده وكل ماله، وترك معه مفتاح غرفته الخاصة به. ظلت أرملته “حسنة بنت محمود” متعلقة به بعد وفاته، وكانت ترفض الزواج بغيره رغم الرغبات المتزايدة من رجال القرية، الذين لا يرون في تبديل النساء عيبا، وفيمن رغبوا في زواجها شيخ في السبعين من عمره، يقال له” ود الريس” يرغب في الزواج للمرة السادسة، الأمر الذي أدى إلى أن قتلته حسنة وقتلت نفسها في النهاية.
يقول محمد شاهين:”ويحتم علينا الخطاب ألا ننظر إلى المغزى الكلي للرواية على أنه يكمن في صوت واحد فقط، مثل صوت الراوي الحقيقي وهو الطيب، وصوت الراوي الخيالي الذي يروي عن مصطفى سعيد، وصوت مصطفى سعيد، وصوت جين مورس، وصوت محجوب –بل هو صوت يتكون من الحركة والتداخل بين جميع هذه الأصوات وغيرها مجتمعة، وهو صوت ينقل ولا يكتب، ولا يفصح عنه لا من خلال شكل القصة. والخطاب هنا هو الذي يحمي الرواية من تصغيرها إلى أطروحة أو موعظة أو رسالة (message) لأنه يحتم المواجهة بين الأصوات المختلفة، دون الإفصاح عن مغزى ظاهري لهذه المواجهة. وعندما نأخذ بالظاهر على أنه هو المغزى الكلي فإن هذا يتم في أغلب الأحيان عن طريق الإغراء الذي يمكن أن يؤدي إلى التوقف عن البحث في ذلك المغزى”.[52]
نموذج تحليلي لرواية موسم الهجرة إلى الشمال نحو قراءة جديدة
في هذا المبحث سنقوم بقراءة رواية موسم الهجرة إلى الشمال قراءة تحليلية؛ لكشف ما هو كامن في تلك النصوص وسبر أغوارها، وفك ألغازها لنستوعب معانيها الجمالية، وهذا ما كان هانز روبرت ياوس يدعو إليه في كتابه “جماليات التلقى”؛ حيث أكد أن النص لا يوجد ولا يكتسب هويته إلا بعد إعادة إشادته أو تجسيده داخل عقل قارئه.
قبل الدخول في تحليل التلقي في رواية موسم الهجرة إلى الشمال، نعيد في ذاكرتنا أن مفهوم التلقي في اللغة العربية يبقى مفهوما لغويا لا يتعداه إلى المفهوم النظري الذي وجد في المعاجم الألمانية الحديثة. بمعنى أن المعاجم العربية والفرنسية والأنجلوأميركية وغيرها من المعاجم تضمّن مفهوم التلقي بمعنى الاستقبال والاحتقاء،ولم نخرج عن هذا المعنى، والسبب في ذلك أن نظرية التلقي نشأت وتطورت في ألمانيا، وذلك ما يشير إليه ياوس قائلا:”لئن كانت كلمة (Rezeptionasthetik) الألمانية توحي للأسف بسوء فهم محتوم، فإن كلمة (Reception) الفرنسية أو (Reception) الإنجليزية لا تستعمل إلّا في لغة الصناعة الفندقية”.[53]
كما لا ننسى أن لمفهوم التلقي معنى مزدوجا؛ فالأول يتمثل في أثر العمل المنتج في القارئ، والثاني هو طريقة استقبال وتلقي العمل من قبل القارئ. وقد نبه “ياوس” على مفهوم تغير الأفق أو بناء أفق جديد يدعوه بالمسافة الجمالية أي المسافة الفاصلة بين الانتظار الموجود سلفا والعمل الجديد، حيث يمكن للتلقي أن يؤدي لغير الأفق بالتعارض الموجود مع التجارب المعهودة حيث يخيب ظن المتلقي في مطابقة معاييره السابقة مع معايير العمل الجديد، وهذا الأفق الذي تتحرك في ضوئه الانحرافات أو الانزياح عما هو مألوف.
أولا: المسافة الجمالية في موسم الهجرة إلى الشمال
المسافة الجمالية؛ هي الفاصلة بين أفق توقع القارئ أو أفق النص، وعناصر مساعدة على تعيين المعنى وتيسير التأويل، وتحديد دلالات النص.وترتبط بمفهوم أفق الانتظار ارتباطا وثيقا. فهي المعيار الذي تقاس به القيمة الفنيّة للعمل الأدبي، فكلما اتسعت المسافة الجماليةكان النصّ فنيّا إبداعيّا. وتهتم المسافة الجمالية بإشراك القارئ في إظهار مقصدية النص وجمالياته.
ولقد خاضت رواية موسم الهجرة إلى الشمال غمار التجربة الجمالية الجديدة، وتغلبت على المسافة الجمالية بإطلاقها مصطلحات جديدة. فشكلها شكل شعبي مقتبس من السيرة الشعبية، وواقعيتها واقعية حديثة كلاسكية؛ حيث إنها اقتبست الخصائص الجمالية الّتي رسمتها معالم الرواية الحديثة في أروبا.
ثانيا: جماليات قراءة موسم الهجرة إلى الشمال في العتبات النصية
دراسة عنوان موسم الهجرة إلى الشمال
العنوان- كما سبقت الإشارة إليه في هذا البحث- هو المسمى بعلم العنونة، وهو “جزء لا يتجزأ من استراتيجية الكتابة لدى الناص لاصطياد القارئ وإشراكه في لعبة القراءة، وكذلك بعد من أبعاد استراتيجية الكتابة لدى المتلقي في محاولة فهم النص وتفسيره وتأويله”.[54]
فالعنوان ضرورة كتابية ومرسلة لغوية دالة، “وإنّه ظاهرة تواصلية تداولية تقتضي التفاعل والمشاركة بين الكاتب والمتلقي لأنّ الهدف من العنوان هو الإبهار والتأثير لحمل القارئ على اقتناء الكاتب”[55]. وهو العتبة النصية الأولى التي يلقاها القارئ في عملية القراءة، ونص مواز يحمل من المعنى ما يحمله النص الأصلي. إذ لا يبني القارئ قراءته للنص وأفق توقعهمنه على الفراغ؛ بل يبنيهما على القاعدة الأساسية.
فللعنوان أهمية كبيرة في أبعاده اللسانية والتداولية والوظائفية. ويرجع الفضل في تأسيس علم العنونة (La titologie) إلى جيرار حينيت (Gerard Genet) في كتبه الثلاثة (النص الجامع (L’architexte) 1979م، وأطرس (Palimpsestes)1982م، وعتبات 1987م، (Seuils) التي بحث فيها عن جميع ما يوازي النص.
ولقد قسم “جينيت” العنوان إلى:-
- العنوان الرئيسي الأصلي (Le titre Principal).
- العنوان الفرعي (Le Seustitre).
- الموشر الجنسي (Indication Generique).
- العناوين الفوقية أو العلية (Les Surtitres).
فالعنوان الرئيسي: هو الذي يظهر في صفحة العنوان، أو في الغلاف، أو في الصفحة المزيفة للعنوان. وهي الصفحة البيضاء التي تحمل العنوان فقط. والعنوان الرئيسي: هو الذي يشكل نقطة البداية وسمةالهوية الأولية”[56]. أما العنوان الفرعي: فهو ما يتضمن عنوانا رئيسيا ويضيف إليه عنوانا فرعيّا يؤدي وظائف أخرى للإيضاح. والمؤشر الجنسي: هو “المحدّد لطبيعة الكتاب أي تلك الكتابة التي تجدها تحت العنوان مثل رواية، قصص، تاريخ، مذكرات”[57]. والعناوين الفوقية أو العلوية: هي أجهزة عنوانية تتعلق بأكثر من كتاب مثل مصنفات أو كتب ذات أجزاء أو مجلات، وتحتاج دائما إلى نظام عنواني مغاير؛ حيث يكون لكل جزء من الكتب عنوانٌ مستقل، مثل كتاب: فتح الباريشرح صحيح البخاري، الذي يحتوي على خمسة عشر مجلدا، ولكل مجلد عنوانه المستقل.
فاستخبارًا لجهاز العنونة الذي وضعه جيراز جينيت؛ نركز على العنوان الرئيسي الأصلي في هذا المبحث التحليلي إذ لا يتفرع عنوان موسم الهجرة إلى الشمال إلى بقية الأنواع التي تمت الإشارة إليها سابقا.
لقد تفنن الطيب صالح في انتقاء المركب الإضافي “موسم الهجرة” لمبدأ عنونة روايته المشهورة وجعل شبه الجملة “إلى الشمال” خبرا لمبتدأ محذوف، فتبقى صناعة هذا العنوان تتجمل بأبعاد هندسية لغوية ونصية ودلالات جمالية فنية.
دلالة عنوان موسم الهجرة إلى الشمال
كان بناء عنوان رواية موسم الهجرة إلى الشمال اللّغوي يؤدي وظائف فنيّة تتعلق بالصراع بين الشرق والغرب، ونستدرك ذلك من سيميائية الصّورة التي يواجهها القارئ ويلقاها في سطح الغلاف، في أول وهلةٍ يقرأ هذه الرواية. ففي الغلاف صورة رأس منقسمة إلى اثنتين، فالشق اليميني من هذا الرأس عبارة عن نصف وجه رجلٍ شرقي عربي، ملوّن بأزرق، وهو مصطفي سعيد (بطل الرواية)، والشق الشمالي من هذا الرأس نفسه، عبارة عن صورة خدِّ امرأة بريطانية حاسرة مزينة بماكياج في لون أصفر تمثل الوجه المشرق في الصراع داخل المجتمع السوداني، الأفريقي، العربي. ويتوسط شقَّي الرأس خطٌّ مربّعٌ مكتوبٌ فيه عنوان الرواية. بهذا؛ ينقل لنا الطيب صالح صورة الصّراع بين الجنوب والشمال بسيميائيات التواصل والخطاب.
تتعلق الرواية بالمواجهة بين الغرب والشرق، وتعالج صيغة عالمية وإنسانية وقد سبقتها رواية فورستر “الرحلة إلى الهند” في معالجة موضوع الاستعمار. يبرز (هذا الفعل ليس مكانه هنا، فيجب تغييره) عنوان رواية موسم الهجرة إلى الشمال إبداعا مميّزا واضحا وخاليا من أيّ غموض، فمعنى الهجرة معلوم ومفهوم بدون شبهة، ومما زاد العنوان وضوحا أن الطيّب صالح أكمله بذكر المكان الذي كانت الهجرة موجهة إليها، وهي الشمال، بخلاف رحلة كورتر الذي رحل من الشمال إلى الجنوب.
جاء عنوان هذه الرواية جملة اسمية لتدل على استمرارية، فالكلمة الأولى “موسم” تعني طاقة طبيعة زمنية موسمية تكرارية، تبدأ في الحركة باتجاه ثم تتحول آيبة إلى نقطة البداية. وهي مبتدأ معرّف بالإضافة إلى “الهجرة”، التي تعني “حلقة دائرة تبدأ في زمن معين، وتكمّل دورتها إلى أن ينتهي الموسم بالعودة التي تكون حلقة في هذه الدائرة”.[58] والخبر شبه جملة تكوّن من جار ومجرور (إلى الشمال)، فكأن يكون العنوان: “موسم الهجرة إلى الشمال والعودة إلى الجنوب” إشارة إلى عودة سعيد مصطفى – بطل الرواية- إلى الجنوب؛ إذ لكل هجرة موسم تتجدد فيه.
ومن المهم أن نلاحظ أن هجرة مصطفى سعيد من الجنوب إلى الشمال تجيء ضمن حلقة هجرة الاستعمار من الشمال إلى الجنوب، وضمن إطار موسم الهجرة الذي يحتم الحركة، وكأن الطيب يود أن يقول إن الاستعمار موسم، حيث يعلق الراوي (مصطفى سعيد) في الرواية قائلا بأنه لا يعرف لماذا جاء الاستعمار إلى بلادنا، وهو لا يقصد هنا أن ينفي الأسباب المعروفة لدينا، ولا أن يقلل من بشاعة الحدث، ولكنه يود أن يقدم لنا شيئا فيه من الشمولية ما يساعدنا على الوصول إلى بعد أعمق لموسم هجرته إلينا.[59]
ويبدو أن اختيار الطيب صالح لجعل العنوان جملة اسمية تنطبق على إيصال الفكرة بأن الحياة شيء يومي لا يتوقف، وأن تدفق نهر الهجرة إلى الشمال يزال مستمرا؛ “النهر الذي لولاه لم تكن بداية ولا نهاية، يجري نحو الشمال، لا يلوي على شيئ، قد يعترضه جبل فيتجه شرقا، وقد تصادفه وهدة من الأرض فيتجه غربا، ولكنه إن عاجلا أو آجلا يستقر في مسيره الحتمي ناحية البحر في المشال”.[60]
يدور عنوان رواية الطيب صالح، موسم الهجرة إلى الشمالحول الثنائية الجغرافية بين الشرق الذي أشار إليه الطيب في رائعته الروائية بــ”الجنوب” الممثل بصورة صحراء السودان، وبين الغرب الذي لمح إليه بـــ”الشمال” الممثل بساعة لندن (بريطانيا في الأعلى). ويبدو أنه- بهذا العنوان- يرصد العلاقات السياسية والتقاليد الروحية والموروثات والثقافية المتعارضة بين العالمين الشرق والغرب، والتي رمز إليه الشاعر الإنجليزي “روديارد كبلنغ” (Rudyard Kipling) (1865م-1936م) بمقولته المشهورة “الشرق شرق والغرب غرب ولن يلتقيا” التي أطلقها في القرن التاسع عشر.
ويرى محمد شاهين أن صياغة هذا العنوان موسم الهجرة إلى الشمال عبارة عن تطوير الطيب صالح لعنوان توفيق الحكيم: “ولا يخفى علينا كيف طور الطيب عنوان توفيق الحكيم، بل وطوّر مفهوم الهجرة بكاملها عند الرواد الأوائل من توفيق الحكيم إلى يحيى حقي. فهي لم تعد مجرد هجرة الطير من الجنوب الدافئ إلى الشمال البارد، ومواجهة خيبة الأمل؛ ولا هي مجرد الوصول إلى القدرة على الاختيار بعد تعلم الدرس القاسي؛ ولا هي مجرد رحيل من الجنوب إلى الشمال، ثم عودة بسلامة أوبخبرة”.[61]
ولعل الطيب صالح في عنوان روايته موسم الهجرة إلى الشمال قد تأثر بعنوان رواية السمان والخريف لـنجيب محفوظ – وهي مستوحاة من هجرة طيور الشمال إلى جنوب البحر المتوسط؛ ولكنه في روايته فعل العكس، فجعل طيور الجنوب – أسقطها على نفسه – تهاجر إلى الشمال؛ حين استأثر الطيب صالح استعمال حرف الجر “إلى” ليفيد “انتهاء الغاية”- دلالة على بداية “الهجرة” من الأضعف (الجنوب) وانتهاؤها إلى الأقوى (الشمال) “وأضفى على المكان ذلك البعد الدلالي الحضاري، حيث ذكر الشمال كجهة غير محدودة جغرافيا، بل تستدعي إلى الذهن مستوى حضاريا معينا، فالشمال هو رمز للتفوق والغنى والثراء بمقابل الجنوب رمز التخلف والفقر.
أما بالنسبة لارتباط هذا العنوان بالاستعمار وما بعده؛ فقد عبر بعض دارسي ما بعد الاستعمار عن إعجابهم بالرواية؛ حيث يعد إدوارد وديع سعيد (1935م-2003مEdward Wadih Said)،[62] هذه الرواية واحدة من أهم ست روايات في تاريخ الرواية العربية.[63]ولقد أعدّ “خيري دومة” دراسة عن هذه الرواية بعنوان “عدوى الرحيل موسم الهجرة إلى الشمال ونظرية ما بعد الاستعمار”يوضح فيها أن “بين الموضوعين علاقات بديهية وواضحة، نكاد نلحظها من العنوانين: عنوان الرواية موسم الهجرة إلى الشمال التي صدرت أولا، وعنوان تلك الحركة الثقافية (ما بعد الاستعمار)، التي تبلورت بعد عقد على الأقل من ظهور الرواية. فالموضوعان كلاهما- الحركة والرواية- يتأسسان على بعد زمني واضح، تعكسه كلمتا “موسم” في عنوان الرواية، و”بعد” في عنوان الحركة”.[64]
ويقول في موضع آخر: “إن عنوان الرواية نفسه، موسم الهجرة إلى الشمال، يبدو توصيفا حقيقيا للحالة الإشكالية التي يمثلها مثقفو ما بعد الاستعمار ومنظروه، وربما تكون صيغة الهجرة غلى الشمال هذه أعمق من الصيغة التي نجدها في عبارة سلمان رشدي، التي يتحدث فيها عن أطراف الإمبراطورية البريطانية القديمة في الهند وأفريقيا، التي أخذت ترد بقوة الكتابة على المركز الإمبراطوري الاستعماري في شكل كتابات ما بعد الاستعمار، وهي العبارة ذاتها التي أصبحت عنوانا لواحد من أشهر الكتب وأكثرها تأسيسا حول نظرية ما بعد الاستعمار، أعني كتاب “الإمبراطورية ترد كتابة”(The Empire WritesBack)،[65] الذي صدر في نهاية الثمانينيات”.[66]
ونستخلص من دلالات هذا العنوان أنه يتطلب من القارئ جهدا كبيرا لفك شفراته، واستكشاف دلالته العميقة التي يحملهافي طياته. ويجعل المتلقي البالغ يتفكر ويترقب الحكمة التي في استحضار الطيب صالح هذه القصة القبلية الشعبية والاجتماعية، كما يتساءل باحثا عما وراء الهجرة إلى الشمال، ومن هو المهاجر. كل هذا يتمثل أمام القارئ الكفء عند مروره على عنوان الرواية لأوّل مرّة، وقد يخيب أفق توقعه أو يوافقه أو ينكسر انتظاره.
_________________________
* إمام خطيب ومدير أكاديمية زمزم الإسلامية بولاية أوغن، نيجيريا. ومحاضر في كلية التربية لٍأَدينِيرَنْ أَوْغُنْصَنْيَ، ولاية لاغوس، نيجيريا. حاصل على دكتوراه في اللسانيات العربية.
____________________________
للتعرف على أهدافنا وبرامجنا اكثر، يمكنك زيارة صفحتنا التعريفية
وللكتابة معنا اضغط هنا
الهوامش والإحالات (المراجع):
[1] عبد الرحمن تبرماسين، "فضاء النص الشعري"، محاضرات المتلقي الدّولي الأوّل السيمياء والنص الأدبي، (جامعة محمد حيضر، بسكرة. الجزائر، 2000م)، ص 175
[2] الطيب صالح، موسم الهجرة إلى الشمال، ص63.
[3] انظر: عبد الرحمن محمد يدى النور، المصدر السابق، ص30.
[4] انظر: طلحة جبريل، على الدرب مع الطيب صالح: ملامح من سيرة ذاتية، (القاهرة: مركز الدراسات السودانية، 1997م)، ص21.
[5] طلحة جبريل، المصدر نفسه، ص14 .
[6] الطيب صالح، موسم الهجرة إلى الشمال، ص24.
[7] طلحة جبيريل، على الدرب مع الطيب صالح: ملامح من سيرة ذاتية، ص13.
[8] انظر: صحيفة الأنباء، 19الخميس، فبراير،
2009م، العدد (43).
[9] هو سيغيسموند شلومو فرويد (1856-1939م)، هو مفكر حر من أصل يهودي أحد علماء علم النفس والفلسفة، وهو واضع أساس بناء النظريات الخاصة بالتحليل النفسي التي تعتمد على الطابع البيولوجي.
[10] انظر: عبد الرحمن محمد يدى النور، موسم الهجرة إلى الشمال للطيب صالح: تقويم عقدي- أدبي، (الهند: ستار للنشر والتوزيع، ط1، 2001م)، ص24 .
[11] عبد الرحمن محمد يدى النور، المصدر نفسه، ص33.
[12] انظر: عبد الرحمن محمد يدى النور، موسم الهجرة إلى الشمال للطيب صالح: تقويم عقدي- أدبي، ص30.
[13] عبد الرحمن محمد يدى النور، المصدر نفسه، ص41.
[14] عبد الرحمن محمد يدى النور، موسم الهجرة إلى الشمال للطيب صالح: تقويم عقدي- أدبي،
ص31.
[15] انظر: أحمد محمد البدوي، الطيب صالح: سيرة كاتب ونص، (القاهرة: الدار الثقافة للنشر، 2000م)، ص45.
[16] عبد الرحمن محمد يدى النور، المصدر السابق، ص32.
[17] ذهب بعضهم إلى أنه لم يكمل دراسته الجامعية، وإنما فشل في مواصلة دراسته في كلية العلوم، وترك التعليم العالي في عام 1951م، بعد السنة الثانية للبكلورس. انظر: عبد الرحمن محمد يدى النور، موسم الهجرة إلى الشمال للطيب صالح: تقويم عقدي- أدبي، ص32.
[18] نقلا عن: طلحة جبريل، طلحة جبيريل، على الدرب مع الطيب صالح: ملامح من سيرة ذاتية، ص116.
[19] عبد الرحمن محمد يدى النور، موسم الهجرة إلى الشمال للطيب صالح: تقويم عقدي- أدبي، ص80.
[20] انظر: طلحة جبيريل، المصدر السابق.
[21]انظر: حسن أبشر الطيب، الطيب صالح: دراسة نقدية، (بيروت: رياض الريس للكتب، 2001م)، ص170.
[22]طلحة جبيريل، على الدرب مع الطيب صالح: ملامح من سيرة ذاتية، ص113.
[23] عبد الرحمن محمد يدى النور، موسم الهجرة إلى الشمال للطيب صالح: تقويم عقدي- أدبي، ص26.
[24] "عقلك كله في راس ذكرك، ورأس ذكرك صغير مثل عقلك" انظر: الطيب صالح، موسم الهجرة إلى الشمال، ص87.
[25]حامد أبو أحمد، دراسات في الواقعية السحرية، (القاهرة: الهيئة المصرية العامة للكتاب، 2008م)، ص14-16.
[26]رشيد مهران، الواقعية واتجاهاتها في الشعر العربي، (الإسكندرية: الهيئة المصرية العامة للكتاب، ط1، 1979م)، ص17.
[27]حسن أبشر الطيب، الطيب صالح: دراسة نقدية، ص9.
[28]ساتر تشارلز جون هوفام ديكنز (1812م-1870م) Charles John Huffam Dickens. هو روائي إنجليزي، يعد بإجماع النقاد أعظم الروائيين الإنكليز في العصر الفكتوري، وبقيت أعماله متبادلة تحتفظ بشعبيته حتى اليوم.
[29] انظر: فراس حج محمد، رواية البؤس العاربي بامتياز"،رابطة أدباء الشام، 2008م. انظر موقع إلكتروني:
http://www.odabasham.net/show.php?sid=10521
[30] محمد هيبي، "الأنا والآخر في رواية موسم الهجرة إلى الشمال للطيب صالح" موقع ديوان العرب، أكتوبر، 2010م، انظر موقع إلكتروني: www.diwanalarab.com/spip.php?article25378
[31]طلحة جبريل، على الدرب مع الطيب صالح: ملامح من سيرة ذاتية، ص10-11.
[32]الطيب صالح، موسم الهجرة إلى الشمال، ص64.
[33]انظر: ن. شمناد، "خطاب ما بعد الاستعمار في النقد العربي(Postcolonial Criticism in Arabic)"، ندوة وطنية حول التطورات الجديدة في النقد الأدبي، المنعقدة برعاية قسم العربية، كلية ب.ت.م. برنتلمنا، كيولا، في 33-23، اكتوبر، 2013م.
[44]طلحة جبريل، على الدرب مع الطيب صالح: ملامح من سيرة ذاتية، ص115.
[35]طلحة جبريل، المصدر نفسه، ص 115-116.
[36]جريدة الأنباء، 19 فبرايل، 2009م، العدد(43)؛ انظر: موقع إلكتروني، http://pdf.alanba.com.kw/PDF/2009/02/19-02-2009/43
[37]أفنان القاسم، "موسم الهجرة إلى الشمال المفهوم عن الذات"جريدة الديار اللندنية، الإثنين, نوفمبر 2012م، انظر: موقع
إلكتروني، http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=330049
[38] انظر: أفنان القاسم، "موسم الهجرة إلى الشمال المفهوم عن الذات"، http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=330049
[39]سميرة سلمان، "رواية موسم الهجرة إلى الشمال: ليل لا يعقبه نهار"، مجلة قراءات العرب، العدد(10)، 2009م.
[40]انظر: حسن أبشر الطيب، الطيب صالح دراسات نقدية، ص185.
[41]انظر حسن أبشر الطيب، المصدر نفسه، ص 110.
[42]انظر: محمد عبيد الله، الرواية والقصة القصيرة عند العرب، دليل للقارئ العام, ص5-7http://www.philadelphia.edu.jo/academics/m_obaid/uploads/Arabic%20novel.pdf
[43]الطيب صالح، موسم الهجرة إلى الشمال، ص63.
[44]الطيب صالح، موسم الهجرة إلى الشمال، ص77-78.
[45]المصدر نفسه، ص5.
[46]المصدر نفسه، ص6.
[47]الطيب صالح، موسم الهجرة إلى الشمال، ص10.
[48]انطر: المصدر نفسه، ص23.
[49]المصدر نفسه، ص24.
[50]الطيب صالح، موسم الهجرة إلى الشمال، ص58 .
[51]المصدر نفسه، ص72.
[52]محمد شاهين، تحولات الشوق في موسم الهجرة إلى الشمال: دراسة نقدية مقارنة، ص152. [53]هانز روبرت ياوس، جمالية التلقي: من أجل تأويل جديد للنص العربي، ترجمة: رشيد بنحدو، المجلس الأعلى للثقافة: (القاهرة ط1، 2003م)، ص 151. [54]خالد حسين، في نظرية العنوان: مغامرات تأويلية في شؤون العتبة النصية، (دار التكوين للتأليف: دمشق، 2007م)، ص15.
[55]الطيب بودريالة، "قراءة كتاب سيمياء العنوان للدكتور بسام قطوس"، محاضرات المتلقي الدولي الثاني السيمياء والنص الأدبي، جامعة محمد حيضر، بسكرة، الجزائر، ص25.
[56]خليفي شعيب، هوية العلامات في العتبات وبنء التأويل، ص23.
[57]عبد الحق بلعباد: عتبات: جيرار جينيت من النص إلى المناص. (الدار العربية للعلوم-ناشرون، 2008م)، ص68.
[58]محمد شاهين، تحولات الشوق في موسم الهجرة غلى الشمال: دراسة نقدية مقارنة،تقديم: إحسان عباس، (بيروت: المؤسسة العربية للدراسات والنشر، ط1، 1993م)، ص143.
[59]محمد شاهين، تحولات الشوق في موسم الهجرة غلى الشمال: دراسة نقدية مقارنة، ص144.
[60]جورج طرابيشي، شرق وغرب، رجولة وأنوثة: دراسة في أزمة الجنس والحضارة في الرواية العربية، (بيروت: دار الطليعة للطباعة والنشر، ط4، 1997م)، ص132-133.
[61]انظر: محمد شاهين، تحولات الشوق في موسم الهجرة إلى الشمال: دراسة نقدية مقارنة،ص142.
[62]إدوارد سعيد، وهو الكاتب الناقد والكاديمي الفلسطيني الأميريكي. عمل أستاذ اللغة الإنجليزية والأدب المقارن في جامعة كولومبيا في الولايات المتحدة الأميريكية، وهو من الشخصيات المؤسسة لدراسات ما بعد الكوكونيالية.
[63]انظر: محمد شاهين، تحولات الشوق في موسم الهجرة غلى الشمال: دراسة نقدية مقارنة،
[64]خيري دومة، عدوى الرحيل موسم الهجرة إلى الشمال ونظرية ما بعد الإستعمار، (عمان: دار أزمنة للنشر والتوزيع، ط1، 2010م)، ص1.
[65]Ashcroft, Bill, Gareth Griffiths, and Helen Tiffin.The Empire Writes Back: Theory and Practice in Post-Colonial Literatures, Routledge, London and New York, 1989
[66] خيري دومة، المصدر السابق، ص3.