بين الممكن والمستحيل، بين مغامرة غامضة، وثقة كاملة، تلوح في ملامح القارّة الإفريقية، في حين غفلة من النّافذة، تسرب منتخب المغرب إلى غرفة التّاريخ، ليعانق المجد والشرف. بعد أن أطفأت أسود الأطلس أنوار مدينة “بروكسيل”، واصلوا الزّخف بكلّ كبرياء وعشق، إلى أسوار الأندلس، لإعادتها إلى أمجادها. هذه المرّة ليست من خلال السيوف والخيول، ولكن عبَر الساحرة المستديرة، التي لعبتها أسود الأطلس، بحماسة يوسف ابن تاشفين، وبشجاعة طارق ابن زياد، وبمهارات شباب الألفية الثالثة وتكتيكات الركراكي العقل المدبر، والصديق المدرب.
إذا أردتم قراءة أبجديات كرة القدم غضّةً طريّةً كما كُتبتْ، وأُطّرتْ في مذكرات أروبا، فاذهبوا إلى الرباط، وفاس، ومدينة السياحة مُراكش، أو أشغلوا الشاشات الذكية، عندما يكون منتخب المغرب في المجاراة مع أحدهم لإثبات جمال الفنّ، وفنّ الجمال في المستديرة الساحرة المستعصية.
منتخب المغرب منتخب احترافيّ بمعنى الكلمة والحرف، تختفي عنه كل العشوائيات، يقرأ كلّ شيء بعناية فائقة، ويدرس المرتدّات بكلّ المقاييس، ولا يفقد الوعي والانضباط مطلقا، ولو كانت المجاراة ضدّ عظماء أروبا لكان هو لها.
أسود الأطلس لم يأتوا إلى المونديال للسّياحة، ولا لزيارة أبناء العموم في الدّوحة، وإنّما أتوا لتطبيق فنّ الكبرياء في السّاحرة المستديرة، وخلفهم أحلام وطن وقارّة بأكملها، وقصص المجد لن تكتمل.
إذا كانت الكرة الإفريقيّة في حالة غيبوبة، فاجلبوا لها المغرب، فهو الطبيب الحصيفُ الذي يستطيع أن يضع لها جهاز التنفّس الاصطناعي، وإن لم تفعلوا فاستعدّوا للذهاب إلى جنازة كرويّة في ماما أفريكامن شمالها إلى جنوبها ومن شرقها إلى غربها مرورا بوسطها ديار العملاق إيتو.
المغرب لا يلعب الكرة الساحرة لأجل رسم لوحات فنّية، أو للحصول على رموز مادّية فحسب؛ بل يعلب بالرّوح والدمّ، لإجبار كُتّاب التاريخ على إعادة النظر في كتاباته عن الكرة الإفريقيّة. يلعب المغرب ليبحث عن ترياق مناسب، لتضميد جراحات القارّة الإفريقية التي أنهكتها خيبات أمل، ومسح دموع الانكسار، منذ طفولة السّاحرة المستديرة.
الركراكي مدرب منتخب المغرب يتألّق
كم أنت عظيم يا كابتين “وليد الركراكي“، إنّ صلعتك لهي صلعة الحكمة، والفلسفة! لقد خطفتَ العدسات، والنظرات، رغم أنف أروبا التي أنجبت كرة القدم، في غرفة مخاض الفنّ والسّحر الحلال. لقد صنعتَ منظومة دفاعيّة لا يمكن حتّى لأعتى صواريخ حلف الناتو الرياضية وجميع أجهزتها الفنية أن تخترقها. أنت تعيد كتابة قواعد كرة القدم..حرفا حرفا.. وفي حضور مخترعيها، وصُنّاع قراراتها. التاريخ يتشرّف بملاقاة أمثالك، لضمّهم إلى أحضانه الدافئة. لقد أثبتّ على أنّ الصّدفة لا تصنع وطنا، ولا مجدا، كما يقول السيّد (فوزي بشرى).
فالمجد لا يولد من العبث والفراغ، وإنّما يأتي بالحُلم، بالأمنية، بروح الإرادة، والاصرار، والبصق على جميع المعاني الموجودة في قاموس المستحيل. لقد رسمت بسمةً حُبلى على شفاه جماهيرك وأبناء هذه القارّة المكلومة، وقريبا ستبتسم لك الأقدار والآمال الخضراء على مدّ البسيطة.
هيّا بنا إلى وضع علم المغرب فوق بُرج “الآيفل”، ولنمضي قُدما إلى مدينة الانوار “باريس” لاقتلاع كلّ المصابيح والقناديل هناك.
المهمّة صعبة؛ لكن ليست مستحيلة. فرنسا أقوى من المغرب في جوانب كثيرة؛ لكن العقيدة الكروية التي تأصلت لدى ذاكرة المنتخب المغربي، يمكن أن تعبث بجميع الكبار في عالم الكورة، والّذي حقّق لك أمنيات لم تكن تتوقّع رؤيتها في عالم الواقع، وجعلك تشاهد تلك الأمنيات ترقص أمام عيونك كما يرقص ويحتفل أبطال أسود الأطلس وأهاليهم في ميادين ملاعب المزنديال القطرية يستطيع تحقيق طموحاتك، وإذا وعدك بأنياب الأسد وكبده، فصدّقه وقل: المستحيل ليس مغربي، ولا إفريقي.
قد يعجبك أيضا:
فسلام على المنتخب المغربي حين يولد، وحين يَسحَق وحين يَتوعد الديوك وينذر عمالقة غابة كرة القدم بأسود أطلسه الثائرة. لنقل له امض قدما فمعك قلوب المغاربة وأبناء القارة الإفريقية والأمة العربية ومحبيك في كل مكان وأفئدتهم؛ بل وألسنتهم تلهج بالدعاء لك دوما بالتوفيق والسداد، والتفوق في الأداء.