جدول المحتويات
مقدمة
العلاقات الروسية الإفريقية ليست وليدة اللحظة، فمنذ عهد الاتحاد السوفيتي قدم الأخير مساندة قوية للعديد من الدول الإفريقية بعد استقلالها من المستعمرات الأوروبية، ووطدت العديد من الدول الإفريقية تحالفات قوية مع موسكو تشمل الجانب العسكري والاقتصادي، هذا ما دفع الكثير من الدول الإفريقية إلى توقي الحذر وإيثار الصمت حيال الأزمة الروسية الأكرانية بغية الحفاظ على مصالحها مع روسية.
الأزمة الروسية الأوكرانية
بدأت الأزمة الروسية الأوكرانية ، في 21 نوفمبر 2013 بعد قرار الحكومة الأوكرانية بعدم التوقيع على اتفاقية الشراكة بين أوكرانيا والاتحاد الأوروبي[1].
ثم اندلعت مظاهرات واسعة النطاق قادت في 22 فبراير 2014 إلى إقالة الرئيس الأوكراني فيكتور يانوكوفيتش ، وحل محله أولكسندر تورتشينوف. ومن ثم تشكيل حكومة جديدة بقيادة أرسيني ياتسينيوك.
رداً على ذلك، سيطرت الجماعات المسلحة على برلمان القرم ، الذي ينتخب رئيس وزراء جديدًا لصالح الاتحاد مع روسيا. أدى الاستفتاء ، الذي تم تنظيمه تحت سيطرة روسيا إلى التصويت لصالح ضم شبه جزيرة القرم إلى روسيا، مما أثار أزمة دبلوماسية دولية.
العديد من المقاطعات الأوكرانية الأخرى التي تضم عددًا كبيرًا من السكان الناطقين بالروسية -ولا سيما دونباس- تشهد انتفاضات مماثلة وهي بدورها تنظم استفتاءات لتقرير المصير من أجل الانفصال عن الحكومة الأوكرانية القائمة.
أدت هذه الأحداث الأخيرة إلى حرب دونباس. تشير أصابع الاتهام إلى الجارة روسيا بدعم المتمردين عسكريًا من خلال شن حرب مختلطة هناك[2][3].
وفي 17 يوليو 2014 ، تم إسقاط طائرة تابعة للخطوط الجوية الماليزية تقل 298 راكبًا من أمستردام إلى كوالالمبور بالقرب من الحدود الروسية أثناء تحليقها فوق دونباس. ولم ينجو أحد من ركباها، أدى تدمير هذه الطائرة المدنية إلى تضخم الأزمة الدبلوماسية ، حيث تبادلت الاتهامات بين الجيش الأوكراني والانفصالين الموالين لروسيا.
وفي 21 فبراير 2022 ، في سياق الأزمة الروسية الأوكرانية 2021-2022 ، أعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال خطاب متلفز اعتراف روسيا باستقلال جمهوريتي دونيتسك، ولوغانسك ومن ثم دخلت قوات الجيش الروسي مناطق شرق أوكرانيا التي يسيطر عليها الانفصاليون الموالون لروسيا.[4][5].
وفي 23 فبراير ، أعلن الرئيس فلاديمير بوتين إطلاق عملية عسكرية في أوكرانيا. شهدت قصف الأراضي الأكرانية ليلة 23 إلى 24، وبدأت القوات الروسية في غزو الأراضي الأوكرانية[6].
ردود فعل الدول الإفريقية الأولية
لاقى الهجوم الروسي على أكرانيا في 24 فبراير 2022م إدانة الدول الغربية بالإجماع، إلا أن ردود أفعال الدول الإفريقية لم تكن كذلك بل أكثرها مترددة، أو فضلت الصمت ومراقبة الوضع من بعيد باستثناء جنوب إفريقيا.
في مساء الهجوم الروسي على أكرانيا، ردود الأفعال داخل القارة السمراء لا تزال ضعيفة ، تحدث كل من رئيس الاتحاد الإفريقي: مكي سال، ورئيس مفوضية الاتحاد الإفريقي: موسى فكي محمد عن قلقهما الشديد حول خطورة الوضع في أكرانيا، ودعيا روسيا وجميع أطراف النزاع لاحترام المعاهدات والاتفاقيات الدولية، واحترام وحدة الأراضي وسيادة أكرانية، وحثا الطرفين لوقف إطلاق النار على الفور واللجوء إلى طاولة المفاوضات دون مهلة.
بينما اكتفت الجزائر –الحليف التاريخي لروسيا- بمجرد حث رعاياها في مناطق النزاع على توخي الحذر الشديد.
ويأتي أقوى رد فعل من جنوب أفريقيا حيث أخذ الصراع الروسي الأوكراني منعطفًا سياسيًا، وتعتبر موسكو شريكا استراتيجيا، عضو مثل بريتوريا في مجتمع بريكس الاقتصادي.
وهي أيضًا حليف قديم لحزب المؤتمر الوطني الأفريقي حيث كان الحزب الحاكم حينذاك، دعم الاتحاد السوفيتي السابق حركات التحرير في جنوب إفريقيا. وكانت المشاركة في حل النزاع قبل اندلاع الحرب ضئيلة وتطالب حكومة جنوب إفريقيا القوات الروسية الآن بالانسحاب الفوري من أوكرانيا.
وفي 2 مارس 2022 عقدت الجمعية العمومية بالأمم المتحدة اجتماعا لتتبنى قرار يطالب بانسحاب القوات الروسية من أوكرانيا، وكانت نتائج التصويت صادمة بعض الشيء حيث صوت 141 دولة لصالح القرار، وخمسة دول معارضة، من بينها دولة أفريقيا واحدة، وهي إريتريا.
كما شهدت نتائج التصويت امتناع 35 دولة عن التصويت من بينها 16 دولة أفريقية، وهي: (الجزائر، وأنغولا، وبوروندي، والكونغو برازافيل، وغينيا الاستوائية، ومدغشقر، ومالي، وموزمبيق، وناميبيا، والسودان، وجنوب السودان، وجنوب إفريقيا، والسنغال، وتنزانيا، وأوغندا، وزيمبابوي).
بالإضافة إلى ذلك ، لم تشارك 12 دولة في التصويت ،من بينها 8 دول أفريقية، هي: (بوركينا فاسو، وغينيا، وغينيا بيساو، وإسواتيني، وإثيوبيا، والكاميرون، والمغرب، وتوغو). فلم تبد 22 دولة في القارة الأفريقية رأيها بشأن الصراع الحالي في أوكرانيا.
أسباب صمت الدول الإفريقية في هذه المرحلة.
عادة ما تتوافق أصوات الدول الأفريقية التي تخضع للنفوذ الفرنسي (مستعمراتها السابقة) مع صوت فرنسا خلال اجتماعات الأمم المتحدة، هذا ما لوحظ من خلال أصوات كوت ديفوار، والنجير، ولوحظ امتناع السنغال عن التصويت وهذا أمر مدهش حيث لم تقف في صف مستعمرتها السابقة (فرنسا).
وفيما يتعلق بالكونغو برازافيل ، فإن نظام ساسو نغيسو يدين بالكثير للنفوذ الفرنسي ، مع الانتخابات المتنازع عليها بانتظام. إنه تصويت مفاجئ ، مثل تصويت السنغال. يٌعتقد بأنه إجراء احترازي ألا تتدخل مثل هذه البلدان في أي من الجانبين.
أما بالنسبة لبعض الدول كأمثال أفريقيا الوسطى، ومالي فإن الأمر مفهوم إلى حد ما، حيث تقع هذه البلدان تحت النفوذ الفرنسي التقليدي وتحت التأثير الروسي الجديد، فإن الأهمية التي توليها قوات فاجنير الروسية في المواقف السياسية والعسكرية في هذه البلدان قد يغير الولاءات والتحالفات .
وتحدث إيمانويل دريفوس الباحث في العلاقات الروسية الإفريقية بمعهد البحوث الاستراتيجية في المدرسة العسكرية ، (إيرسيم) أثناء مقابلة أجرتها معه الإذاعة الدولية الفرنسية (RFI) عن أسباب إيثار معظم الدول الإفريقية الصمت حيال الحرب الروسية الأكرانية، قائلا إن الأزمة الروسية الأكرانية ليست ضمن أولويات السياسة الخارجية للدول الإفريقية، وهذا ما يفسر صمت الكثير من الدول الإفريقية حيال تلكم الأزمة، مشيرا إلى أن هناك علاقات متنامية تتطور بين روسيا وبعض الدول في إفريقيا جنوب الصحراء. منها على سبيل المثال علاقة مسكو بجمهورية أفريقيا الوسطى مؤخرا إضافة إلى علاقتها بالمجلس العسكري الانتقالي بمالي، فمن الواضح بالنسبة لهذه الدول تحديدًا أن غياب ردود الفعل يرتبط أيضًا بالعلاقات الثنائية مع موسكو.
وفي هذه البلدان تحديدا، -أعني- جمهورية إفريقيا الوسطى ومالي، تعتبر سلطاتها روسيا شريكا استراتيجيا جديدا، ومدافعة عن السيادة الوطنية ضد المستعمر الفرنسي السابق.
___________________________________________
الهوامش والإحالات
[1] Sébastien Gobert, « L’Ukraine se dérobe à l’orbite européenne : Un pays-clé écartelé entre Est et Ouest », Le Monde diplomatique, décembre 2013 ]). [2] « La présence de soldats russes dans l'est de l'Ukraine inquiète », Le Figaro, 28 août 2014], consulté le 1er juillet 2018). [3] « Ukraine : la Russie toujours accusée de fournir des armes aux séparatistes, Le Monde, 11 avril 2015 (consulté le 1er juillet 2018). [4] Ronan Tésorière, « Ukraine : l’armée russe envoyée dans les territoires séparatistes pour «maintenir la paix», sur leparisien.fr, 21 février 2022 (consulté le 22 février 2022) [5] « Conflit Ukraine - Russie: Poutine reconnaît les territoires séparatistes prorusses et y déploie son armée… », sur 20minutes.fr (consulté le 22 février 2022) [6] « Conflit Ukraine – Russie EN DIRECT : Poutine lance une opération militaire « massive »… Des explosions à Kiev et plusieurs villes du pays… », sur 20minutes.fr (consulté le 24 février 2022)