جمهورية ليبيريا بلد يتمتع بفرص زراعية واسعة، وأراضي صالحة وخصبة للزراعة؛ لكن تستورد الأرز، قوتها الأساسي، بأكثر من 200 مليون دولار أمريكي ، سنوياً، وتخصص خمسة ملايين دولار أمريكي فقط للقطاع الزاعي. حيث صار الشح وقلة اهتمام الحكومة بقطاع الزراعة عادة الإدارات المتلاحقة من سننين حسب الميزاننيات السنوية التي لا توفر قسطاً كافياً لهذا القطاع الحيوي لاقتصاد الدولة وأمنها الغذائي. وقد اتبعت إدارة بواكاي المنتحبة جديداً نفس المسار في الميزانية المالية الأولى لحكومته للعام 2024.
بينما ينبغي لاقتصاد جمهورية ليبريا؛ بل ويجب عليه أن ينظر بشدة إلى الزراعة والأعمال التجارية الزراعية باعتبارها أحد المصادر الرئيسية للإيرادات، وخلق فرص العمل على جميع المستويات، إلى أن تعتبر ليبيريا القطاع الزراعي المحرك الحقيقي للنمو والأعمال، والتوسع في تجارتها الدولية، ستظل عالة على استيراد قوتها الأساسي رغم احتضانها إمكانيات هائلة، وأراضي خصبة للزاعة .
كما أنها ستؤثر سلباً على تجارتها الدولية؛ حيث تستورد أكثر من ما تُصَدّر، وهذا ما يعبر عنه بميزان تجاري سلبي. وفي المقابل، إذا استثمرت في القطاع الزراعي واعتبرته عملا تجاريا، فإنها ستغذي نفسها، وتصّدّر الفائض من إنتاجها، وهي حالة قد تؤدي إلى ميزان تجاري وميزان مدفوعات إيجابي في السلع والخدمات الزراعية، ولا سيما الأرز. إذْ إنّ التصدير يجلب السيولة، ويجعل ميزان المدفوعات (BoP)، والميزان التجاري (BoT)، أكثر إيجابية للمساهمة في النمو الاقتصادي الوطني. الزراعة هي العنوان الاقتصادي لأجل اقتصادات دول القارة الأفريقية، بالأخص جمهورية ليبيريا، وعليــه، فلن يكون هناك نمو مملموس، ونهضة اقتصادية مستدامة إذا استمر التعامل مع القطاع كطفل مهجور مع توفر كل الإمكانات لإنقاذ الأسرة بأكملها.
لقد فشلت ليبيريا مراراً وتكرارا ًمنذ توقيعها على إعلان مالابو في عام 2014، والذي التزم جميع الموقعين عليه بتخصيص 10٪ على الأقل من ميزانيتهم الوطنية للزراعة المنصوص عليها، على وجه التحديد في المادة 2 (ب) من الإعلان. وإدراكا لذلك الالتزام الدولي، ينبغي ألا تخصص الميزانية الحالية لليبريا أقل من 60 مليونا دولارا أمريكيا.
فضلا عن ذلك، يمكن ملاحظة أنّ هذا القطاع له أهمية قصوى بالنسبة لاقتصاد ليبريا. ومع ذلك، فإنه يحتاج إلى الحصول على المخصصات المناسبة من الحكومة لتحويل المزاج من كونه القوت إلى الأعمال التجارية والحركة الاقتصادية الناشطة . ويعترف بذلك المسؤولون أنفسهم ،كما ذكرتْ وزيرة الزراعة السابقة السيدة جانين م. كوبر، “إذا كان لقطاع الزراعة في ليبيريا أن يتطور، فهناك حاجة إلى معاملة الزراعة كعمل تجاري وليس مجرد قوت”، فالزراعة هي أداة لخلق أصحاب الملايين.
وانعدام الأمن الغذائي الذي له علاقة قوية بالأمن القومي، خاصة في ليبيريا يتضح من أعمال الشغب التي اندلعت في الأرز عام 1979 عندما قدمت وزيرة الزراعة السابقة الراحلة الدكتورة فلورنس تشينويث اقتراحا إلى مجلس الوزراء الليبيري على أمل زيادة سعر كيس الأرز الذي يبلغ وزنه 100 رطل من 22.00 دولارا أمريكيا إلى 26.00 دولارا أمريكيا. وهو الوضع الذي أدى في وقت لاحق وتعيين نشأة الحروب الأهلية 1990م-2003م.
والجدير بالذكر، أنَ الزراعة والأعمال التجارية الزراعية هي المحركات المستقبلية لمعظم الاقتصادات الأفريقية . وفقا لمنظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة، يبلغ إجمالي الأراضي الصالحة للزراعة في إفريقيا حوالي 280 مليون هكتار مع أكثر من 60٪ من الأراضي الصالحة للزراعة في العالم. لذلك من الآمن أن نلاحظ بثقة أن الاستثمار في الزراعة هو استثمار في الاقتصادات الأفريقية الحقيقية.
إلى جانب ذلك ، من المتوقع أن يصل قطاع الأعمال الزراعية في القارة إلى 1 تريليون دولار أمريكي بحلول عام 2030. ووفقا لبنك التنمية الأفريقي، سيصبح قطاع الزراعة “النفط الجديد” في القارة، حسبما قال المشاركون في منتدى الاستثمار الأفريقي، مما يغذي محرك النمو الشامل.
الخاتمة
لكي تحصل ليبريا على نصيبها العادل في المستقبل الزراعي المشرق للقارة الأفريقية من حيث المكاسب الاقتصادية والتوسع في التجارة الدولية، يجب عليها أن تعيد النظر في مخصصات ميزانيتها للقطاع وإليه. لن يؤدي الاستثمار الذكي، وتحديد أولويات الأعمال التجارية الزراعية إلى الحد من انعدام الأمن الغذائي في ليبيريا وضعفها فحسب× بل سيخلق أيضا الآلاف من فرص العمل على جميع المستويات، فرص للمتعلمين وغير المتعلمين.
لذلك، فإن خمسة ملايين دولار أمريكي ليست شيئا يتم قبوله من أجندة أرست ARREST الحكومية التي تمثل (الزراعة، سيادة القانون، الطرق، التعليم، الصرف الصحي، والسياحة)، والتي جلبت الرئيس باوكاي إلى الحكم وفوزه على الرئيس السابق جورج وياه. على الأقل، يجب أن تأخذ مخصصات الميزانية في الاعتبار إعلان مالابو للاتحاد الأفريقي الذي حدد وألزم أعضائه بـ 10٪ من الميزانية الوطنية للزراعة.