وانغاري ماثاي مواطنة كينية وسياسية ناشطة في مجال البيئة وحقوق الإنسان، وهي أول إفريقية تتناول جائة نوبل للسلام. ماثاي مؤسسة لحركة الحزام الأخضر عام 1977، وأصبحت عضو برلمان عام 2002.
يُعتَبَر نهر النيل من أطول أنهار العالم، وأنه يتشكل من مجموعة متشابكة من النظم البيئية المتنوعة؛ فضلا عن الغابات والأمطار والآبار والبحيرات والمياه السطحية والجوفية[1] التي يتميز بها. وتشمل هذه النظم البيئية مجتمعات محلية من المزارعين/ الفلاحين والرعاة وصائدي السمك والتجار والعمال. وهذه المجتمعات بنت ثقافاتها من معتقدات وأفكار وهويات وأساليب عمل من واقع تفاعلها مع مورد المياه الذي تسترزق منه.
وكون نهر النيل مورد غنيّ يقع داخل حدود دول تسعى لتحقيق التنمية بالاعتماد على القطاع الزراعي والسمكي والطاقة؛ فتُوُسّع في الميْكَنة الزراعية والتصنيع الزراعي، ودُعِيت الشركات الأجنبية للاستثمار في الأراضي الزراعية والإنتاج السمكي، فضلاً عن وضع خطط تنمية تهدف إلى تنفيذ مشروعات مائية وزراعية ضخمة[2].
وتُنجَز كل أعمال التنمية هذه بدعوى مواجهة الزيادة السكانية وندرة الموارد الطبيعية والحاجة إلى النقد الأجنبي لسَدّ الاحتياجات مع القول بضرورة الاندماج في النظام العالمي. ولكن أيُّ اندماج يُقْصَد؟ اندماج قائم على الاستخراج واستغلال الموارد الطبيعية كما تم توارثه من المستعمر، أم اندماجٌ يُعزّز من قيمة المجتمعات المحلية ولا يهدم نظمها البيئية التي توارثته من الأجداد!
إن تجريف الغابات لأهداف ربحية من أخطر الكوارث البيئية في القارة. حيث تتركز الغابات في حوض النيل في دول أعالي النيل، وتستفيد المجتمعات المحلية من الزراعة في الغابات بما يصل إلى 4.5% من حوض النيل[3]. وعلى سبيل المثال، تُمثل غابات بوجوما Bugoma forestحول بحيرة ألبرت في أوغندا واحدة من الغابات التي تتعرض للإزالة لصالح أغراض استثمارية.
حيث يشرح الصحفي الأوغندي جيرالد تينياوا Gerald Tenywa في مقالته الاستقصائية أنّ جزءا من الغابة تم إزالته لزراعة قصب السكر لصالح مصنع السكر هويما شوجر Hoima Sugar Limited، على الرغم من اعتماد المجتمعات المحلية على الغابة في الحصول على الغذاء والحطب للاستخدامات اليومية بجانب ملكيتهم للأرض التي دُفن فيها الأسلاف. ومن ناحية أخرى، باع الحاكم التقليدي لمملكة بونيورو كيتاراBunyoro-Kitara – التي تقع الغابة فيها – جزءاً من الأرض للشركة في 2016م، كما تحمي قوات الأمن التابعة للدولة الأرض والمصنع وتستخدم العنف ضد الأهالي إذا اقتربوا من الأرض[4].
أفكار وانغاري ماثاي
ولعلّ النظرة الاستثمارية لغابات بوجوما يمكن أن تبرر بأن المحاصيل الغذائية قد حلت محل أشجار الغابة، كما أن هناك دائماً طلب محلي وعالمي على السكر، وأن المصنع سيوفر وظائف للمجتمع المحلي. فمثل هذه الحجج الإقناعية استطاعت العالمة والناشطة البيئية والسياسية الكينية وانغاري ماثاي Wangarĩ Maathai[5] مقاومتها والدفاع عن المجتمعات المحلية وما تمتلكه من معرفة أصيلة (تقليدية) في إدارة مواردهم الطبيعية.
تشرح وانغاري ماثاي- في الفصل الثاني عشر (التنمية والبيئة) في كتابها ” أفريقيا والتحدي”[6]– وترى أنّ أهمية الغابات لا تكمن في خشب أشجارها فقط وإنما هي “خزانات طبيعية” تضمن جودة المناخ والتربة والمياه والتنوع البيولوجي. وبالتالي فإن تجريف الغابات يؤثر على معدلات الأمطار وطبيعة التربة التي تعتمد عليها المجتمعات المحلية في الزراعة وبالتالي انتشار الجوع والفقر.
كما أنّ نقص الحطب يدفع السيدات المعيلات للبحث عنه في مناطق أخرى وبالتالي يكُنّ أكثر عرضة للأخطار”. وتنتقد ماثاي تجريف الغابات بإحلال “الزراعات الأحادية” سواء الأشجار سريعة النمو مثل الصنوبر والأوكالبوتس – أدخله المستعمر – أو المحاصيل الغذائية؛ لأن هذا يفقد الغابات قدراتها الهيدرولوجية في دورة المياه وكذلك عافية التربة.
لهذا، أسَّسَتْ وقادت وانغاري ماثاي حركة الحزام الأخضر التي تهدف إلى استعادة الزراعة المحلية من خلال تشجيع السيدات على زراعة ورعاية الأشجار والمحاصيل المحلية الموجودة في البيئة المحيطة مقابل الحصول على مبلغ مالي يساعد السيدات على تحمل تكاليف المعيشة. ونتيجة لذلك تقول ماثاي: “إنّ للطبيعة قدرة استثنائية على التجدد”، فقد ساعدت الحركة على استعادة النظام البيئي في الغابات.
يُبلور الباحث النيجيري Cajetan Iheka أفكار ماثاي ونشاطها في أنّ مقاومتها لم تتوقف على زرع الأشجار كأنه فعل غير سياسي؛ بل على العكس فإنها دائما ما تضع التدهور البيئي في كينيا في إطار استغلال الشركات الرأسمالية واستبداد النظام السياسي (نظام دانيال آراب موي) والفساد والزبونية السياسية والقيم الأبوية السالبة لحقوق المرأة.
ففي مقاومتها السلمية، آمنت وانغاري ماثاي بأنّ إشراك السيدات والمجتمعات المحلية هو ما سيضمن استمرار حركة الحزام الأخضر وتماسكها، كما سيدفع إلى المشاركة الفعالة من المواطنات والمواطنين في مراقبة ومساءلة الحكومة. ومع هذا، فإنها لم ترفض إقامة شراكات مع المؤسسات الدولية لكي تضيف لدعم الحركة في مواجهة الشركات الرأسمالية الكبرى التي تزيل الغابات. ففكر ماثاي لم يفصل بين الحفاظ على البيئة والسعي لتحقيق الديمقراطية[7].
على الرغم من أن ناشطية “وانغاري ماثاي” لم تكن موجهة مباشرة لغابات حوض النيل في كينيا؛ إلا إنّ أفكارها وقيمها كانت ملهمة، ويمكن الاستفادة منها في تحقيق تنمية البيئة حول النيل واستدامتها. فالاستدامة الطبيعية للغابات هي الضامن لاستمرار الحصول على الغذاء وتحقيق التنمية المنشودة.
الهوامش والإحالات:
[1] انظر أطلس الموارد المائية لحوض النيل الصادر عن مبادرة حوض النيل.
Nile Basin Initiative. (2016) Nile Basin Water Resources Atlas. Entebbe, NBI , http://atlas.nilebasin.org/treatise/nile-basin-water-resources-atlas/
[2] InfoNile. (February 20, 2020) Sucked Dry: Foreign Land Deals Threaten to Impair River Nile, Displace Millions. Available on https://infonile.org/en/2020/02/sucked-dry-foreign-land-deals-threaten-to-impair-river-nile-displace-millions/
[3] Nile Basin Initiative. (2016) Op.cit., p.64
[4] Gerald Tenywa. (January 19,2021). Narrow escape for reporters in Bugoma forest. InfoNile. Available on https://infonile.org/en/2021/01/narrow-escape-for-reporters-in-bugoma-forest/
[5] ولدت وانغاري ماثاي عام 1940 في كينيا، وفي طفولتها شاهدت أهلها يعملون في نظم زراعية مختلفة، مابين الزراعة في المرتفعات ومزارع المستعمر البريطاني. حصلت على جائزة نوبل في السلام عام 2004 عن نشاطها البيئي في تأسيس حركة الحزام الأخضر. وفي نشاطها السياسي انتخبت عضوا في البرلمان للفترة 2002-2007، كما رأست المجلس القومي للمرأة، وعملت في وزارة البيئة. هذا بجانب توليها المناصب الدولية في مجال البيئة. وتوفت عام 2011. انظر الموقع الرسمي لحركة الحزام الأخضر: https://www.greenbeltmovement.org/wangari-maathai/biography
[6] - ونغاري ماثاي. (2014). أفريقيا والتحدي. ترجمة أشرف محمد كيلاني. سلسلة عالم المعرفة (410). الكويت: المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب.
* أشكر أحمد توم على ترشيحه لقراءة هذا الكتاب.
[7] Iheka. C. (2018). Naturalizing Africa: Ecological Violence, Agency, and Postcolonial Resistance in African Literature. Cambridge University Press.pp.127-137.