لقد لعبت وكالات التصنيف الائتماني الدولية مثل ستاندرد آند بورز (Standard & Poor’s – S&P)، وموديز (Moody’s – Moody’s)، وفيتش (Fitch – Fitch) دوراً جوهريّاً في تحديد تكاليف الاقتراض السيادي، حتى أصبحتْ أحد مفاتيح الاقتصاد العالمي. غير أنّ علاقتها بالدول الأفريقية كانت ولا تزال محط جدلٍ كبير؛ حيث يُتهم هذا النظام بفرض نوع من الجزية تحت مسمّى “العلاوة الأفريقية” على تمويلات القارة، وهي تكلفة إضافية لا تعكس بالضرورة واقعها الاقتصادي؛ بل تتأثر بتصوراتٍ محملة بالتحيزاتِ، ومبنية على بياناتٍ غير مكتملة.
فالأرقام تُظهر حجم الأزمة بشكل أوضح؛ ففي عام 2022م، بلغت مدفوعات خدمات الديون للدول النامية 443.5 مليار دولار[1]، وهي موارد كان يمكن توجيهها لتطوير البنية التحتية، والتعليم، والصحة. ففي الوقت الذي تتعرض فيه حوالي عشرون دولة أفريقية منخفضة الدخل لمخاطر الإفلاس أو ضغوطات ديون كبيرة؛ فإنّ الأزمة تتفاقم مع ارتفاع معدلات الفائدة العالمية والتضخم، مما يعمق الفجوة التمويلية التي تواجهها القارة.
واستجابةً لهذه التحديات، أطلق الاتحاد الأفريقي مؤخراً مبادرة لإنشاء وكالة التصنيف الائتماني الأفريقية (African Credit Rating Agency)، التي تهدف إلى تقديم تقييمات ائتمانية محايدة، تعكس الواقع الاقتصادي المتنوع للقارة، بعيداً عن المؤثرات الخارجية. هذه الخطوة، تسعى إلى تخفيف تكاليف الاقتراض، وتعزيز الثقة في الاقتصادات الأفريقية، وتقليص الاعتماد على الوكالات الدولية التي غالبًا ما تتسم تقييماتها بالتحيزات أو القصور في فهم الواقع المحلي.
وبناء على هذه الأهمية، سيتناول هذا المقال الجدلية الكبيرة بين السرديات الغربية التي تدافع عن استمرارية الوكالات الدولية مع إصلاحات طفيفة[2]، والسرديات الأفريقية التي ترى في إنشاء وكالة مستقلة ضرورة استراتيجية.
كما سيناقش المقال التحديات والفرص المصاحبة لهذه الخطوة، بما في ذلك قدرتها على تقديم تمويل أكثر عدالة واستدامة للقارة، وبناء نموذج مالي جديد يعكس خصوصية أفريقيا وطموحاتها الاقتصادية.
جدول المحتويات
التأثيرات الاقتصادية لتقييمات التصنيف الائتماني
تُعدّ تقييمات التصنيف الائتماني التي تقدمها الوكالات الدولية الكبرى، مثل ستاندرد آند بورز، وموديز، وفيتش، ذات تأثيرات اقتصادية بالغة الأهمية، خصوصاً في الاقتصادات النامية مثل الدول الأفريقية. إذْ تعتمد الدول النامية على التمويل الخارجي بشكل رئيس لتمويل مشاريعها التنموية والبنية التحتية، إلا أنّ الوصول إلى هذا التمويل يعتمد إلى حدٍّ كبير على التصنيف الائتماني السيادي (Sovereign Credit Rating) الذي تصدره هذه الوكالات. فكلما انخفض التصنيف الائتماني لدولة ما، زادت تكاليف الاقتراض عليها، ما يجعل تنفيذ مشاريعها التنموية أكثر كلفة وصعوبة.
إنّ “العلاوة الأفريقية” أو ما يعرف بـ “أفريكا بريميوم “(Africa Premium) هي كلفة إضافية تتكبدها الدول الأفريقية فقط لأنها تُعتبر جزءاً من قارة يُنظر إليها غالباً ما على أنها غير مستقرة سياسياً، أو ضعيفة اقتصادياً.
وفي حالة الاقتصادات الأفريقية، يشكل التصنيف المنخفض أو غير العادل تحديّاتٍ مزدوجة. مثلاً، عندما تتلقى دولة أفريقية مثل زامبيا أو غانا أو أثيوبيا تصنيفاً منخفضاً، تُصنَّف السندات الحكومية لهذه الدول على أنها استثمارات ذات مخاطر عالية، مما يدفع المستثمرين إلى طلب عوائد أعلى (معدلات فائدة مرتفعة) لتعويض هذه المخاطر؛ فضلا عن أسعار الفائدة المركبة.
من هنا تبدأ الدوامة الاقتصادية؛ فالديون المكْلِفة تستنزف ميزانيات الدول، وتجعلها مضطرة للاقتراض من أجل سداد التكاليف المرتفعة، ما يزيد من الأعباء المالية على الدولة، ويقلل من مرونة الحكومات في توجيه ميزانياتها نحو تحسين الخدمات العامة، أو تطوير البنية التحتية الأساسية.
ويُضاف إلى ذلك تأثير “العلاوة الأفريقية” أو ما يعرف بـ “أفريكا بريميوم “[3](Africa Premium)، وهي كلفة إضافية تتكبدها الدول الأفريقية فقط لأنها تُعتبر جزءاً من قارة يُنظر إليها غالباً ما على أنها غير مستقرة سياسياً، أو ضعيفة اقتصادياً.
وبحسب برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، يمكن للدول الأفريقية توفير حوالي 75 مليار دولار سنويًا إذا تم تعديل هذه التقييمات الائتمانية لتحاكي الواقع الأفريقي بشكل موضوعي وعادل[4].
فعلى سبيل المثال، لا تفرق الوكالات الدولية غالبًا بين اقتصاديات نيجيريا وموريشيوس على الرغم من التباين الكبير في الهيكل الاقتصادي والاستقرار السياسي بين الدولتين، مما يؤدي إلى عدم دقة في التقييمات ويعزز من فجوة التكلفة.
وتتفاقم هذه المشكلة بسبب نقص التواجد الفعلي لهذه الوكالات على الأراضي الأفريقية. فبخلاف الأسواق الكبرى؛ حيث تمتلك وكالات التصنيف مكاتب ميدانية، وفِرقاً محلية تجمع البيانات، وتراقب الأحداث الاقتصادية والسياسية عن كثب، في المقابل، تفتقر معظم الدول الأفريقية لهذا التواجد الميداني.
وكنتيجة لذلك، تستند الوكالات الدولية إلى بيانات ثانوية، وتقارير مجَمَّعَة من مصادر قد تكون متحيزة أو قديمة، ما يؤدي إلى تقديرات قد لا تعكس الواقع المحلي بدقة.
وهذا ما حدث مؤخراً في حالة إثيوبيا؛ حيثُ أعلنت الحكومة عنْ سلسلة من الإصلاحات الاقتصادية الإيجابية، إلا أنّ تصنيفها الائتماني ظل منخفضاً بسبب معلومات غير محدّثة تأخذ في الاعتبار الصراعات السياسية التي شهدتها البلاد في السنوات الماضية. وهذا أحد العوامل الدافعة لأثيوبيا للتعامل مع البديل الغربي، الصين مثلا، لتنفيذ مشاريعها التنموية.
كما تتداخل معضلة التصنيف الائتماني مع تحدٍّ آخر يتمثل في ضُعف جودة البيانات المحلية في العديد من الدول الأفريقية؛ إذْ إنّ الاقتصادات النامية غالباً ما تعاني من نقصٍ في الموارد، والقدرات المؤسسية اللازمة لجمع البيانات الاقتصادية الدقيقة.
ووفقًا لتقرير صندوق النقد الدولي لعام 2023م حول آفاق الاقتصاد الإقليمي لأفريقيا، تواجه العديد من الدول صعوباتٍ في توفير إحصائيات دقيقة وموثوقة نتيجة لضعف الأنظمة الإحصائية وغياب الكوادر المؤهلة[5]. وهذا بدوره يؤدي إلى تقليل مستوى الثقة في بيانات الدول الأفريقية، ويجعل الوكالات الدولية تتردد في رفع تصنيفاتها بناءً على بياناتٍ قد تكون غير مكتملة.
فإذا استمر هذا الوضع، فإنّه سيؤدي إلى سلسلة من الآثار السلبية المتتابعة على اقتصادات الدول الأفريقية. أولًا، سيؤدي التصنيف المنخفض إلى زيادة تكاليف الاقتراض، مما يجعل الحكومات عاجزة عن تنفيذ المشاريع التي تحتاجها شعوبها. ثانيًا، هذا الضغط المالي يؤدي إلى تخصيص جزء كبير من الميزانية لسداد تكاليف الديون فوائدها (الفائدة المركبة) بدلاً من الاستثمار في التعليم والصحة والبنية التحتية، مما يعمق الفقر، ويزيد من التبعية الاقتصادية.
ففي المحصلة النهائية، تعزز هذه التصنيفات المنخفضة صورة أفريقيا كقارة ذات مخاطر استثمارية عالية، وتقلل من جاذبيتها للمستثمرين الأجانب، ما يعيق تدفق رأس المال الضروري للتنمية.
من هنا، يمكن القول إنّ هذه الآثار تخلق دائرة مفرغة تجعل من الصعب على الدول الأفريقية الخروج منها دون إصلاحات جذرية. لذا، فإنّ قرار إنشاء وكالة تصنيف ائتماني أفريقية قد يكون حلاً ممكناً للتخفيف من هذه التحديات؛ ولكن لا يزال هذا المشروع يواجه تحدياته الخاصة، بما في ذلك بناء الثقة على المستوى الدولي، وضمان شفافية وموضوعية التصنيفات الصادرة عنها.
الحلول المقترحة لحل مشكلة وكالات التصنيف الائتماني
هناك سرديتان مطروحتان لحل مشكل التصنيف الائتماني المنخفض لكثير من دول القارة، وذلك بعد ارتفاع أصوات تعترض على النظام السائد، وهما: السردية الغربية التي تقودها وكالات التصنيف الدولي والتي ذهبت إلى ضرورة البقاء على المنظومة الحالية مع تعديلات طفيفة على آلياتها، والسردية الأفريقية التي يقودها الاتحاد الأفريقي باقتراحه إنشاء وكالة التصنيف الائتماني الأفريقية (AfCRA) التي تعكس وجهة نظر القادة الأفارقة.
وعلى الرغم من أنّ الأفكار الغربية تستهدف تحسين تصنيفات الدول الأفريقية، إلا أنّ الحلول الأفريقية تعكس رؤية أعمق وأكثر مرونة، وتركز على بناء هيكل اقتصادي مستقل، وووضع استراتيجية تعزز استدامة اقتصادات القارة.
كانت السردية الغربية تؤكد على أنّ استمرار وكالات التصنيف الدولية سابقة الذكر (ستاندرد آند بورز وموديز وفيتش) في قيادة تصنيف الائتمان السيادي يُعدّ ضروريّاً لضمان موضوعية المعايير العالمية وثباتها. وترى هذه السردية أنّ التحديات التي تواجه الدول الأفريقية لا تعالجَ بإنشاء وكالة تصنيف أفريقية خالصة؛ بل بزيادة الحضور الميداني للوكالات الغربية في القارة.
وقد اقترحت الوكالات الغربية أن تُفتتح فروع جديدة لهذه الوكالات في أفريقيا لتحسين فهمها للظروف المحلية وتحديث تصنيفاتها بناءً على معلومات دقيقة من الميدان، مع الحفاظ على المعايير والتقاليد القائمة التي تشكل أساس نظام التصنيف الائتماني العالمي[6].
فالسردية الغربية تدعم هذا النهج على أساس أنّ الوكالات الأفريقية المستقلة، مثل وكالة التصنيف الائتماني الأفريقية المقترحة، قد تفتقر إلى المصداقية الكافية في الأسواق العالمية، وذلك لأنّ المستثمرين الدوليين قد يشككون في موضوعية تقييماتها، نظراً لكونها محلية، وقد تتأثر بالضغوط السياسية.
ولذا، فإنّ الاقتراح بزيادة حضور الوكالات الدولية في القارة الأفريقية، يُعدّ حلاً بديلاً وسطاً بين المطالب الأفريقية بالحصول على تصنيفات عادلة، وبين الحفاظ على هيمنة النظام العالمي الحالي على التصنيف الائتماني. ويبرّر المدافعون عن هذه الفكرة بقولهم أنّ هذا الحلّ قد يساعد في تخفيض التكاليف المالية للدول الأفريقية دون الحاجة لتأسيس وكالة جديدة قد تستغرق وقتاً طويلاً لتحقيق مصداقية دولية[7].
وعلى النقيض من ذلك، تُعَبِّر السردية الأفريقية عن رؤية أعمق لمستقبل التصنيف الائتماني في القارة؛ حيث يرى القادة الأفارقة أنّ إنشاء وكالة التصنيف الائتماني الأفريقية، يُعَدّ ضرورة استراتيجية لتحقيق السيادة الاقتصادية. ففي عام 2022، بدأ الاتحاد الأفريقي رسميّاً العمل على هذا المشروع؛ حيث خُصصت اجتماعات في أديس أبابا لبحث الآليات التشغيلية، تبعتها حواراتٌ موسّعة في اجتماعات الربيع لصندوق النقد الدولي والبنك الدولي عام 2023م بواشنطن، والتي شهدت توافقاً نسبياً على ضرورة تخفيف الأعباء المالية للدول الأفريقية[8].
وبحلول سبتمبر 2024م، عُقِد حوارٌ رفيع المستوى في لوساكا، زامبيا، لمناقشة الإطار المؤسسي والحوكمة، مع الإعلان عن تأجيل إطلاق الوكالة إلى يونيو 2025م بسبب التحديات الفنية والإدارية[9]. وفي في أكتوبر 2024م، استضاف البنك المركزي المصري الاجتماع التاسع للجنة الفنية المتخصصة للآلية الأفريقية لمراجعة النظراء؛ حيث نُقِشتْ التحديات التي تواجه الدول الأفريقية في مجال التصنيفات الائتمانية، والبحث عن سبل التغلب عليها[10].
وفي 29 أكتوبر 2024م، استضاف فندق وكازينو سفاري بارك في نيروبي، كينيا، مؤتمر التصنيف الائتماني الأفريقي الذي نُظِّم بالتعاون مع آلية المراجعة النظرية الأفريقية، وبنك التنمية لشرق أفريقيا، ومؤسسات أخرى[11]. كان هدف هذا المؤتمر هو تعزيز التعاون، وتبادل المعرفة حول التصنيف الائتماني في القارة، مع التركيز على دوره في تعبئة الموارد، والتنمية الاقتصادية، وحماية المستثمرين، وإدارة المخاطر.
هذه الاجتماعات المكثفة والمتنوعة تدلّ على أن موضوع وكالة التصنيف الائتماني أخذ حيزا كبيرا في أجندة الاتحاد الإفريقي، ويدلّ أيضا على أنّ القادة الأفارقة يعتبرون الاعتماد المستمر على وكالات التصنيف الغربية يفرض على دولهم تكاليف اقتصادية واجتماعية باهظة الثمن؛ حيث تُصنَّف هذه الدول بطرق قد لا تعكس واقعها، وتستند إلى معايير ومؤشرات بعيدة عن الظروف الأفريقية.
وفي حين أنّ فتح فروع للوكالات العالمية في أفريقيا قد يكون خطوة مرحلية لتحسين التصنيفات، إلا أنها لا تحلّ جذور المشكلة المتعلقة بالاعتماد على أنظمة تقييم قديمة ومتأثرة بوجهات نظر خارجية.
ولضمان نجاح وكالة التصنيف الأفريقية، يتبنى القادة الأفارقة استراتيجيات متعددة تشمل تحسين جودة النظم الإحصائية المحلية، وتعزيز كفاءة جمع البيانات. ويهدف هذا النهج إلى توفير بياناتٍ دقيقةٍ وشفافةٍ، تعكس حقائق اقتصادية قائمة، ما يعزز من قدرة الوكالة على تقديم تقييمات عادلة. فعلى سبيل المثال، حسّنتْ دولٌ مثل غانا ورواندا أنظمتها الإحصائية لتشمل إحصاءات دورية وموثوقة، مما دعم تصنيفهما الائتماني، وأدى إلى جذب استثمارات جديدة، نتيجة تحسُّن ثقة المستثمرين.[12]
ومن خلال دعم البنية التحتية للبيانات، يمكن لوكالة التصنيف الأفريقية أنْ تقدم تقييماتٍ دقيقة تعزز من المصداقية المالية للدول الأفريقية، وتقلل من الحاجة إلى الاستدانة بتكاليف مرتفعة[13].
وفضلا عن ذلك، فإنّ رؤية القادة الأفارقة تتضمن تنفيذ إصلاحات اقتصادية شاملة، تركز على تحسين النظام الضريبي، وتقليص الاعتماد على القروض الخارجية. فبناءُ قاعدةٍ ضريبيةٍ قويّةٍ، سيزيد من إيرادات الدول، ويمنحها مرونةً ماليةً تسمح لها بتقليل العجز المالي، وتحسين تصنيفها الائتماني على المدى الطويل.
فعلى سبيل المثال، طبَّقتْ أوغندا إصلاحات ضريبية مكثفة، شملت توسيع قاعدة دافعي الضرائب، وتقليل التهرب الضريبي، مما أسهم في تحسين قدرتها على تمويل المشاريع محليّاً، وتقليص اعتمادها على الدين الخارجي[14].
وفي ضوء هذا النقاش، يبدو أنّ السردية الأفريقية تتبنى رؤية شاملة، تهدف إلى تحقيق الاستقلال الاقتصادي والمالي، وتقدم حلولاً عميقة لمشكلة التصنيف الائتماني الأفريقي، تبدأ بتحسين الهيكل الاقتصادي الداخلي، وتنتهي بإنشاء وكالة تصنيف مستقلة، تعكس واقع القارة بأبعادها المتعددة. على الرغم من تقديم السردية الغربية حلولًا مرحلية؛ إلا إنها لا تزال مرتبطة بالنظام القائم على التصنيفات الدولية الذي يُسْهم في استمرار الاعتماد الأفريقي على المؤسسات المالية الخارجية.
البث المباشر لمؤتمر التصنيف الائتماني لأفريقيا 2024 في نيروبي
فُرَص وكالة التصنيف الائتماني الأفريقية وتحدّياتها
إنّ إنشاء وكالة تصنيف ائتماني أفريقية تُعدُّ خطوةً جريئةً تهدف إلى تقديم تقييمات ائتمانية أكثر واقعية وموضوعية لدول القارة، مما يُسْهم في تقليل الاعتماد على الوكالات الدولية التي قد تتأثر غالباً بتحيزاتٍ خارجية. على الرغم من مواجهة الوكالة تحدياتٍ متعددة، إلا أنها تَعِد أيضا بفرصٍ كبيرة لاقتصادات الدول الأفريقية إذا نجحت في التغلب على تلك العقبات وتحقيق أهدافها. فيما يلي، سأذكر التحديات التي قد تواجه هذه الوكالة، ثم أُعَرِّج بالفرص المتوقعة.
1. التحديات المحتملة
قد تواجه وكالة التصنيف الائتماني الأفريقية عدة تحديات، تتطلب مواجهتها بعناية لضمان المصداقية والحيادية في التصنيفات. ومن أبرز هذه التحديات ما يلي:
- حَوْكمة الوكالة: إنّ بناء هيكل حَوْكمة قويّ ومستقلّ يُعدُّ تحديّاً جوهريّاً؛ حيث يجب على الوكالة الحفاظ على استقلاليتها، وضمان عدم تأثرها بالضغوطات السياسية من الداخل والخارج على حدٍّ سواء. فإذا لم تتحقق الحوكمة الرشيدة، قد تؤثر ذلك سلباً على مصداقية التقييمات، ويتبدّد الحم.
- كسبُ الثقة العالمية: تعتمد الأسواق العالمية بشكلٍ أساسيٍّ على وكالات التصنيف الائتماني الغربية ذات السمعة الطويلة. فبناء ثقة مشابهة في وكالة التصنيف الأفريقية يتطلب وقتا وجهدًا كبيرين، وقد يؤدي عدم اكتساب الثقة في وقتٍ قياسيٍّ إلى تردد المستثمرين في الاعتماد على تقييماتها.
- استمرارية التمويل وضمان الجودة: تحتاج الوكالة إلى موارد مالية مستدامة؛ لتتمكن من جمع بيانات دقيقة ومنتظمة، وتوظيف فرق عمل مؤهلة لتحليل البيانات الاقتصادية والإحصائية. ففي حال عدم توفر التمويل والجودة المستمرة، قد تتأثر موضوعية التقييمات وكفاءتها.
2. الفُرص المتوقعة
إلى جانب تلك التحديات، تحمل وكالة التصنيف الائتماني الأفريقية فرصاً كبيرة للدول الأفريقية، يمكن تلخيصها في النقاط التالية:
- تخفيف العلاوة الأفريقية: من المتوقع أنْ تُسْهِم الوكالة في تقليل تكاليف الاقتراض للدول الأفريقية عبر تقديم تقييمات تتسم بالواقعية، وتقلل من التحيزات السلبية التي ترفع تكلفة الديون. هذا التخفيف يمكن أنْ يوفر أموالاً كبيرةً توجه نحو مشاريع التنمية ورفاهية المواطنين.
- تقييمات واقعية وموضوعية: بوجود فِرَقُ عملٍ محليةٍ تعتمد على بيانات محدّثة مباشرة من الميدان، ستكون الوكالة قادرة على تقديم تقييمات تعكس بموضوعية وضع كل دولة، ما يوفر صورة شاملة عن الواقع الاقتصادي والسياسي في القارة.
- تعزيز الاستقلال المالي: ستمكّن وكالة التصنيف الائتماني الأفريقية الدول من تقليل اعتمادها على الوكالات الدولية، ما يمنحها مزيداً من الاستقلالية، ويعزز سيادتها الاقتصادية، ويساعدها على بناء نظام تصنيف مستقل، يلبي احتياجاتها التنموية.
ولضمان نجاح وكالة التصنيف الائتماني الأفريقية واستدامة تأثيرها، يجب أنْ تتكامل مع الإصلاحات الاقتصادية الشاملة في الدول الأفريقية. ويشمل ذلك تحسين الأنظمة الضريبية، وتقليل الهدر المالي، وتعزيز الشفافية في الإدارة العامة.
إنّ هذا التكامل يعزز من مصداقية الوكالة، ويرفع الجدارة الائتمانية للدول من الداخل، ما يقلل من مخاطر التمويل ويزيد من جاذبيتها الاستثمارية. كما أن التعاون مع الوكالات العالمية وتبني المعايير الدولية كمرجع يمكن أن يسهم في تعزيز قبول الوكالة على الصعيد العالمي، مما يسهل اعتماد تصنيفاتها في الأسواق الدولية.
الخاتمة
إنّ وكالة التصنيف الائتماني الأفريقية ستشكل منعطفاً استراتيجيّاً في إعادة هيكلة النظام المالي للقارة، بما يتجاوز إعادة صياغة التصنيفات الائتمانية إلى تعزيز السيادة الاقتصادية، وتحرير كثير من دول القارة من القيود التي فرضتها التقييمات العالمية المنحازة. وعلى الرغم من التحديات الكبيرة التي تواجهها، بما في ذلك بناء الثقة الدولية، وضمان الحوكمة المستقلة، فإنّ هذه المبادرة تحمل آفاقاً واعدة لإعادة تشكيل صورة الاقتصادات الأفريقية، وجعلها أكثر جذْباً للاستثمارات بشروط عادلة.
فإذا نجحت الوكالة في ترسيخ مصداقيتها الدولية عبر تقديم تقييمات دقيقة وموضوعية، مدعومة بإصلاحات داخلية شاملة، فقد تتحول إلى منصة محورية تعيد تعريف العلاقة بين أفريقيا والأسواق المالية العالمية. هذه الخطوة قد تضع القارة في مسار جديد، يوازن بين الاحتياجات المحلية والمتطلبات الدولية، ويُرسي قواعد جديدة لعدالة تمويلية تستجيب لتطلعات أفريقيا التنموية وتحدياتها المستقبلية.
الهوامش والإحالات
__________________
[1] World Bank. “Developing Countries Paid Record $443.5 Billion on Public Debt in 2022.” Press release, December 13, 2023. https://www.worldbank.org/en/news/press-release/2023/12/13/developing-countries-paid-record-443-5-billion-on-public-debt-in-2022.
[2] A Debt Resolution to Dominate IMF, World Bank Talks for Africa.” African Business, April 2023. https://african.business/2023/04/long-reads/debt-resolution-to-dominate-imf-world-bank-talks-for-africa.
[3] IMF. “Africa Premium: The Role of Perceived Risk and Information Gaps.” IMF Working Paper WP/23/130. 2023. https://www.elibrary.imf.org/view/journals/001/2023/130/article-A001-en.xml.
[4] World Bank. “Developing Countries Paid Record $443.5 Billion on Public Debt in 2022.” Press release, December 13, 2023. https://www.worldbank.org/en/news/press-release/2023/12/13/developing-countries-paid-record-443-5-billion-on-public-debt-in-2022.
[5] International Monetary Fund. Regional Economic Outlook: Sub-Saharan Africa, October 2023. Washington, D.C.: International Monetary Fund, 2023. https://www.imf.org/en/Publications/REO/SSA/Issues/2023/10/16/regional-economic-outlook-for-sub-saharan-africa-october-2023.
[6] Songwe, Vera, and Aloysius Uche Ordu. “A Fairer Credit Rating System for African Countries Could Save Billions.” Brookings, October 13, 2023. https://www.brookings.edu/articles/a-fairer-credit-rating-system-for-african-countries-could-save-billions/.
[7] المصدر نفسه
[8] اجتماعات الربيع لعام 2023 لصندوق النقد الدولي ومجموعة البنك الدولي. صندوق النقد الدولي. https://meetings.imf.org/ar/2023/Spring.
[9] African Economic, Security and Sustainability Council. “The African Union’s Credit Rating Agency Initiative: An In-Depth Analysis.” August 7, 2024. https://ae-sc.org/the-african-unions-credit-rating-agency-initiative-an-in-depth-analysis/.
[10] البنك المركزي المصري. “انطلاق فعاليات الاجتماع التاسع لآلية مراجعة النظراء الأفريقية (APRM).” 9 أكتوبر 2024. تم الدخول في 22 نوفمبر 2024. https://www.cbe.org.eg/ar/news-publications/news/2024/10/09/17/20/launching-the-events-of-the-ninth-meeting-of-the-african-peer-review-mechanism-aprm.
[11] African Credit Rating Agency. “African Credit Rating Conference: Enhancing Regional Cooperation for Financial Growth.” October 29, 2024. Accessed November 22, 2024. https://creditrating.africa/.
[12] Songwe, Vera, and Aloysius Uche Ordu. “A Fairer Credit Rating System for African Countries Could Save Billions.” (مصدر سابق)
[13] FurtherAfrica. “A Comprehensive African Approach: Beyond Credit Ratings.” FurtherAfrica, September 18, 2023. https://furtherafrica.com/2023/09/18/a-comprehensive-african-approach-beyond-credit-ratings/.
[14] Business Insider Africa. “African Union Seeks to Launch Its Own Credit Ratings Agency in 2024 Following Persistent Bias from Western Agencies.” Business Insider Africa, September 14, 2023. https://africa.businessinsider.com/local/markets/african-union-seeks-to-launch-its-own-credit-ratings-agency-in-2024-following/4c4bbvz.