معوقات تحقيق أهداف التنمية من أكبر التحديات التي تواجهها القارة الإفريقية، على الرغم من أنّ القارة الإفريقية هي ثاني أكبر قارات العالم من حيث المساحة، ومن حيث عدد السكان، و الأولى عالميا من حيث نسبة الشباب. فحسب تقرير برنامج الأمم المتحدة للإنماء [1]الذي أقرّ أنّ سكان إفريقيا هم الأصغر سنًّا؛ بحيث إن نصف سكان إفريقيا يبلغون من العمر 19 عامًا أو أقل، و ثلثا سكان إفريقيا دون سن الـ 45. ومع أن الموارد البشرية مهمة للغاية أو لعلها هي الأهم؛ فإن الإنسان الإفريقي غالبا ما لا يشعر بهذه القيمة ولا بمردوديتها على التنمية والحياة العامة لمجتمعاته.

هذا ما جعل الباحثين المهتمين بشؤون القارة بأنْ يعيدوا طرح الأسئلة ذات العلاقة دائما، مثل: ما هي المشكلات و العوائق التي جعلت هذه الطاقة البشرية الهائلة في هذا الجزء من الكرة الأرضية دون المستوى المطلوب؟ و هل من حلول ممكنة للتصحيح؟ ثم لماذا يمكن تلخيص كثير من البحوث والدراسات المختصة “الحديثة” في هذه الجملة: “إفريقيا ليست فقيرة، إفريقيا قارة غنية تسكنها شعوب فقيرة”، وأين دور الشباب الذي هو قلب الأمة النابض في هذا الواقع المعاش ؟
جدول المحتويات
معوقات تحقيق أهداف التنمية
في واقع الأمر، ثمة عوائق وتحديات كثيرة تحول بين الشباب الإفريقي وتحقيق أهداف التنمية، يمكن ذكر أهم ثلاثة منها على سبيل التمثيل لا الحصر، وهي:
1. ضعف الخدمات العامة وغياب العدالة الاجتماعية: ويتمثل هذا العائق في الوصول المحدود إلى الموارد، والرعاية الصحية، والتعليم، والتدريب والتشغيل، إضافة الى توسع رقعة الفقر، والجوع، كثمرة لما سبق ذكره، ثم العقبات المتعددة والمتشابكة كالعنف والتمميز، وانتشار الأمراض والأوبئة، والانخراط في المنظمات الإرهابية و المنظمات شبه المتطرفة، والتهميش السياسي، و استغلال مجهودات الشباب دون نيل مستحقاتهم المعنوية او المادية.
2. التبعية الغربية: و يتمثل أساسا في تشجيع هجرة العقول بطرق مباشرة وغير مباشرة، والسياسات الاقتصادية ذات النمط التبعي الهادفة لرهن الاقتصادات المحلية والسياسات الإنمائية بالمنظومة العالمية المتحكمة، و الدعاية السيئة للنماذج غير الإفريقية كما لو أنها هي فقط ما يجب التأسي به و الحذْوُ حذوه لتحقيق النجاح.
3. البطالة وعدم توفر فرص العمل: حسب تقرير اللجنة الاقتصادية للأمم المتحدة الخاصة بإفريقيا ومفوضية الإتحاد الإفريقي لعام 2019م [1]، فإنَّ معدل البطالة بين الشباب بلغ 14 في المائة. وفي حين أنّ هذا المعدل يساوي تقريبا معدل بطالة الشباب على مستوى العالم باسره، إلا أنّ القارة الإفريقية تضم أعلى معدلات العالم للعاملين الفقراء -الذين يتم تعريفهم بأنهم أشخاص يعملون ولكنهم يكسبون أقل من دولارين في اليوم. ووفقاً لمنظمة العمل الدولية [2]، تتضاعف احتمالية معاناة الشباب في إفريقيا من البطالة عندما يصبحون بالغين على الرغم من كونهم الجيل الإفريقي الأكثر تعليماً الذي يتخرج من المدارس والجامعات.
وتُشير بيانات منظمة العمل الدولية[3]، إلى أن ظاهرة بطالة حملة الشهادات التعليمية قد استفحلت في العديد من الدول الافريقية في ظل عدم كفائة الحلول المقترحة؛ حيث تزيد بطالة حملة الشهادات على بطالة الأميين، ثلاثة أضعاف في نيجيريا و مالي و بوروندي و السنغال على سبيل المثال لا الحصر، وهذا إن دلّ على شيء فإنما يدل على أن معدلات البطالة في أوساط الشرائح الشابة من المجتمع الإفريقي مرتفعة ،وتتجاوز المقاييس والمعدلات العالمية. ولاشك أن تفاقم هذه الظاهرة في المجتمع يُفرز جملة من الآثار والانعكاسات الاجتماعية؛ إذ يؤدي تدريجيا إلى سلسلة من الحالات المتتالية، أيْ من البطالة إلى الإقصاء، ومن الإقصاء إلى التهميش، ومن التهميش إلى الجنوح و التطرف. إضافة إلى ذلك، أنها تزيد من حدة الفوارق الاجتماعية والشعور الفردي و الجمعوي بعدم المساواة بين أفراد المجتمع، و لهذا الأمر تداعياته المعروفة كذلك.
وعلى الرغم من هذه التحديات والمشاكل، التي ذُكِرَتْ بعضها، يمتلك بعض الشباب الإفريقي من الهمة والعزيمة ووضوح الرؤية، ما يكفي لتذليل هذه الصعاب و العوائق، ثم التغلب عليها لاحقا. خاصة الذين يحملون إيمانا صادقا بأنّ الشباب هم القوة الفاعلة و الساعد الأقوى في بناء وتنمية الأوطان، والوصول بها إلى التقدم والتطور والنماء بالمشاركة المدروسة. كما يؤمنون أنّ إقصاء و تهميش أيّاً كانت صفاتهم أمر خطير يُدَمّر التماسك الاجتماعي، ويخلق مستويات من الجريمة والعنف لا تُبْقِي و لا تَذَرُ.
حلول مقترحة لإزالة معوقات تحقيق أهداف التنمية
في نهاية المطاف يمكن اقتراح بعض الحلول التي من شأنها الإسهام في تحقيق أهداف التنمية التي يصبوا إليها الشباب الإفريقي مع تذييلها بالآثار المتوقعة أيضا. وهي:
- توحيد الجهود: استجابة للرغبة المحلية وخدمة للأهداف الإفريقية، نحتاج إلى توحيد جهود الشباب ومنظمات المجتمع المدني. فعلى سبيل المثال -رغم محدودية العلاقات لديّ شخصيا مقارنة ببعض الإخوة و الأصدقاء من أبناء قارتنا في المهجر أو في الداخل- لدي قائمة بأسماء سبع اتحادات شبابية (إقليمية أو قارية) من بين الآلاف التي لا أعرفها. يشرف على هذه الاتحادات والتجمعات الشبابية أصدقاء لا أشك أبدا في كفاءتهم وأهليتهم للمهمة وعلو طموحهم في خدمة بلدان القارة. و مع ذلك لا يزال النقص بينا في كافة مناحي حياة الشباب الإفريقي في كثير من الأمور بغض النظر عن المبررات التي تختلف من جهة لأخرى، غير أنّ توحيد هذه الجهود و تلاقي أفكار ورؤى القائمين على هذه الكيانات القيمة و إشراك المنتسبين الفاعلين فيها، والتي لدى البعض منهم استشارات وتنسيق مع الأمانة العامة للاتحاد الإفريقي؛ سيكون له الأثر الطيب في الإجابة الفعلية على الأسئلة البارزة عن دور الشباب الإفريقي وعوائق تنفيذ الطموح التنموي.
- دعم البحث العلمي: دعم الأبحاث العلمية والدراسات الهادفة المتخصصة في السياسات التنموية للقارة الإفريقية والمشاركة في القمم والمناسبات العلمية، مع العلم أن المشاركة لا تعني بالضرورة التبعية العمياء والرضى عن كل ما يصدر من الاتحاد، أيْ أن يكون بإمكان ممثلي الشباب قول لا لبعض السياسات التي لا تخدم مصالح شباب القارة.
- تنظيم مؤتمرات وفعاليات شبابية: إقامة اللقاءات و المؤتمرات الشبابية -ولو عن بعد أو عبر مجموعات التواصل المتاحة- من أجل خلق فضاء شبابي تعارفي أوسع، يتم خلاله تبادل الآراء والأفكار استنادا إلى ما هو إفريقي خالص مع الاسترشاد بسياسات الدول الناجحة في القارة مثل رواندا و تنزانيا و المملكة المغرببية، مع الانفتاح على الهيئات الشبابية الأخرى غير الإفريقية للاستفادة من تجاربها و مسيراتها العملية.
الآثار المتوقعة للحلول المقترحة لإزالة معوقات تحقيق أهداف التنمية
يتوقع لهذه الحلول أن تحدث آثارا إيجابية في أوساط الشباب الإفريقي وسيكون لهم دور مقدر في مجال التنمية الاقتصادية وذلك من خلال العوامل التالية:
- نماء مشروعات التنمية المحلية: وتتمثل أساسا في مشروعات إنتاجية ينتظر أن تخلق لدى الشباب الإفريقي الاهتمام بالإنتاج والانتاجية وستحدث تغييرا في نمط المجتمعات الإفريقية وتحويلها من مستهلك إلي منتج ومشارك في كثير من المشروعات التي تزيد من معدلات الدخل للأسر المنتجة.
- توحيد مشروعات الشراكة: من خلال نتائج هذه التشاورات سيتبلور راي موحد حول مشروعات شراكة للعمال والموظفين التي ستزيد من الدخل السنوي وتحطيم صورة الوظيفة النمطية في أذهان الشباب خاصة المثقفين الذين تم منعهم من الدخول في مشروعات منتجة يمكن أن تُحسن من دخلهم ومن ثم القضاء على البطالة في صفوفهم بغض النظر عن الأساب لذلك.
- نشر الابتكارات والإبداعات الشبابية: ستُسْهِم هذه اللقاءات والتشاورات في نشر ابتكارات الشباب و إبداعاتهم والمساعدة في تسويق وتبني أفكارهم وتحويلها إلي مشروعات رائدة للتنمية مما يجعل الشباب مشاركين أساسيين في عملية بناء اقتصاديات بلدانهم؛ بحيث أنهم يجدون أنفسهم وذواتهم من خلال انجازاتهم جزء أصيل في عملية التنمية.
- إلهام الشباب ومكونات المجتمع بأفكار تنموية: استغلال مخرجات هذه النقاشات لصالح الشباب بأن يخلق له دور حيوي في عملية التعبئة المجتمعية وإقناع فئات المجتمع الأخرى في هندسة جميع مشاريع التنمية المختلفة في كل قرى و مدن القارة.
وأخيرا، يمكننا أن نشير إلى أنّ بعض الكيانات الشبابية في قارتنا الإفريقية لديها القابلية لتطبيق مثل هذه الأفكار والىراء، وليديها إمكانية احتواء نماذج تنموية مختلفة، بصدر رحب وانسياب، مما يؤكد توفر الحلول و توفر الإرادة، لكن غياب القيادة الرشيدة ما زال يمثل تحديا حقيقيا.
…………………………..
يمكنك أن تقرأ أيضا:
– الشباب ودوره في سياسية جمهورية مالي
– الأمن والسلم والإرهاب في منطقة الساحل
المصادر:
[1] خلال فعاليات للسلام نظمتها بعثة الأمم المتحدة في جنوب السودان بالتعاون مع السلطات المحلية (28 أغسطس 2019) UNMISS/Denis Louro www. Un.org
[2] تقرير منشور على موقع المنظمة الدولية بتاريخ 27 مايو 2020 ” الشباب هم أكثر الفئات تضررا من التداعيات الاقتصادية الناجمة عن كوفيد-19″
[3] العمالة العالمية و التوقعات الاجتماعية/ ستيفان كون، 22/01/2018، منظمة العمل الدولية (www.oit.org)
[4] اكيم شتاينر مدير برنامج الامم المتحدة، بتاريخ ١٦ ديسمبر ٢٠١٨، في مقر اللجنة الاقتصادية لافريقيا التابعة للأمم المتحدة خلال الذكرى ال٦٠ لتاسيسها، ( موقع العين الاخباري)